تيري بطرس

في قانون العقوبات في أي دولة او على الأقل الدول المتحضرة، هناك تمييز او تفرقة في العقوبة بين من كان بالغا ومن هو قاصر، فالبالغ يكاد يجمع على انه من بلغ الثامنة عشر من عمرة وقت ارتكاب الجريمة او الجنحة، والقاصر هو كل من لم يبلغ ذلك وان كان بيوم واحد، لان البالغ يدرك ابعاد ومخاطر ما يقوم به، عكس القاصر والقصور هنا كناية عن قصور عقل الفاعل عن ادراك ابعاد ما اقترفته يداه. وطبعا هناك تمييز اخر بين مرتكبي جنحة او جريمة معينة ويعتمد هذا التمييز على الحالة العقلية لمرتكب الجنحة او الجريمة. وهذا يعتمد على الفحص الطبي الذي يعطي التوصية بهذه الحالة.

لا ازعم وجود تمييز قانوني في القانون الدولي، بين البالغين والقاصرين من الدول، فالتعامل الدولي مع مكوناته وهي هنا الدول هو تعامل على أساس انها متساوية. ولكن أحيانا، نكاد نشعر ونحس بهذا التمييز، في محاسبة الدول على انتهاك أجهزتها او حتى مواطنيها لحقوق الانسان. فبعض الدول علنا وقانونيا واعلاميا تنتهك هذه الحقوق، ليس فقط بمنع مكونات معينة من الاحتفال او إقامة شعائر دينية تخصها، بل بتعريض افرادها لعقوبات بدنية وسجن وطرد لاسباب دينية او مذهبية. وتكاد حرية الرأي معدومة، ناهيك عن حريات أخرى. وبعض هذه الدول ومع الأسف تم قبولها في مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة. أي في المجلس الذي يراقب أداء الدول، تجاه حقوق الانسان.

هناك قاعدة قانونية دولية متفق بشأنها، وهي انه للمواثيق والاتفاقات الدولية مفعول قانوني يفوق القوانين الوطنية، بما يعني انها ملزمة للدول الموقعة عليها، رغم ان قانونها الوطني او حتى دستورها قد ينص على غير ذلك. ان احد الأسس التي يمكن ان نستنتج منها ان دولة معينة مشاركة في المجتمع الدولي ودولة ناجحة حقا، هي مدى التزامها بالمواثيق والقوانين الدولية. وبعكس ذلك ان انغلاق الدولة على ذاتها كحال كوريا الشمالية اليوم والبانيا قبل سنوات، يعني انها في طور الانهيار والتراجع. والانغلاق ليس من خلال عدم إقامة العلاقات الدبلوماسية او عدم التزامها بالتبادل الحر للمعلومات والاتصالات، بل قد يكون من خلال القوانين التي يتم سنها والتي تفرض على الناس طرق تفكيرهم ومعتقداتهم وتمنع التواصل الفكر مع العالم.

على ضوء الفقرة أعلاه، باعتقادي يمكن ان يتم ادراج اغلب الدول العربية والإسلامية، فهذه الدول في الوقت الذي لا تحترم قانونها بذاتها، فمن خلال الممارسات التي سمعنا بها، ومن خلال التدخل المباشر في توجيه القضاء والعقوبات التي يجب ان يعاقب بها هذا الشخص او ذاك، فانه أحيانا نلاحظ انه حتى الفتاوي الدينية تأتي حسب رغبات السلطة السياسية. وقد لاحظنا ذلك بشكل واضح خصوصا ابان حرب الخليج الثانية وحرب العراق وخلال ما سمي بالربيع العربي. ومن هنا بات مفهوما، ان الدولة التي لا تحترم حتى قانونها والذي في الغالب، هو قانون لا يتوافق مع القيم الإنسانية في عصرنا الحالي، وتحاول تأويل الخطاب الديني باتجاه يخدم مصالح انية وان كان يخالف اصل الدين. هي دول فاشلة.

ولكن المشكلة ليست في توصيفها بالفاشلة، بل في تحاشي المؤسسات الدولية وبعض منظمات حقوق الانسان، من توصفيها بذلك، لا بل ان بعضها تبوأ مقاعد في مجلس حقوق الانسان في الأمم المتحدة. ففي الوقت الذي باتت معركة العالم الحالي هي حقوق الانسان، ووجوب تطبيق الإعلان العالمي لحقوق الانسان، فاننا نرى كما قلنا في مدخل هذه المقالة تغاضي المؤسسات الدولية من ادانه هذه الدول.

ودولة كالعراق، شارك المجتمع الدولي كله، في تحريرها من ربقة نظام قمعي وشديد الانعزالية، كان من المفترض ان تكون قد وضعت تحت المجهر، لمراقبة تصرفات السلطات السياسية والأمنية والقضائية وقبلها مراقبة مقبولية الدستور. لكننا نلاحظ وكانه ترك الحبل مرخيا للسلطات السياسية لكي تلعب في كل الساحات ولا نحس باستقلالية أي سلطة عنها. هذا ناهيك عن التناقضات الكثيرة في الدستور العراق، مما يؤهله لكي يكون دستورا عاطلا، فهو كما قال الامام علي عن القران، حمال أوجه وكل يحمله ما يريد. ليس هذا فقط، بل ان الدستور وبالوضعية التي عليها والاشتراطات التي اشترطها لكي يتم تعديله، فان حتى امل التعديل، يكان ان يكون مستحيلا.

كان من المفترض بكل القوى العراقية ان تدرك معنى ومفهوم الحرية واغلبها عانى التهجير والابعاد والسجن ورؤية الاهل والأصدقاء يقادون الى ميادين القتل. ولكن الظاهر ان الأيديولوجية وان كانت فاشلة، وكل تجاربها تكاد ان تعلن فشلها، كان اغلى من كل العراق وابناءه.

واذا كان البعض من مسيحي وازيدية وصابئة العراق يعانون من هذا الدستور ومن القوانين المنبثقة عنه، او حتى القوانين الموروثة من العهود السابقة. وخصوصا محاولة القانون استنزافهم ودفعهم لاعتناق الإسلام، من خلال الترحيب بذلك، سؤاء كان المعتنق قاصرا او بالغا، وتحريم العكس، أي ان يتحول المسلم الى الازيدية او المسيحية او المندائية، رغم ان الكثيرين، اعتنقوا الإسلام من خلال الفرض وبالقوة. فاننا لمدركون ان الانسان تواق للحرية، تواق لكي يكسر قيوده مهما كانت هذه القيود، ومنها قيد فرض الدين أي كان هذا الدين، وهو امر ان كان اليوم يظهر من خلال اتساع رقعة المعلنين عدم اقتناعهم بالدين الذي ورثوه عن اباءهم، وان كانوا غير قادرين قانونيا التعبير عن ذلك، لاسباب مررنا عليها، فانه سيأي اليوم الذي سينفحر الناس في وجه السلطات القمعية ويفرضون عليها ارادتهم. ولكن المؤسف ان السلطات السياسة والدينية والقضائية والتشريعية، تدرك هذه الأمور ولكنها تحاول تأجيل او عدم الحوار عنه، لان امانيها ان يكون القانون حامي معتقداتها.

من هنا نود ان نوجه انظار المؤسسات الدولية، الى الحالة العراقية التي هي نموذج، لحالات أخرى، في المنطقة، تحاول ان تفرض عقيدتها الدينية على المواطنين بشتى الطرق وبما يخالف شرعة حقوق الانسان. ونطالب بان يكون الموضوع كاحد البنود الدائمة في أي علاقة مع هذه الدول وكشرط واجب التحقيق. فهل سنرى زوال نظرة العطف على دولنا باعتبارها قاصرة ومعالجة امورها كدول ان تكون بالغة او تعلن فاشلة؟