العراق منقوص السيادة منذ 2003 برغم خروجه من الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة ومنحه حرية الإقتصاد وبيع البترول على اساس انه بلد كامل السيادة بدى جليا بعد تعرض الاجواء العراقية للاختراق من قبل الطيران الامريكي الذي نفذ عملية اغتيال لقائد فيلق القدس الايراني قاسم سليماني ونائب قائد الحشد الشعبي العراقي ابو مهدي المهندس، واعتبار ذلك تعديا على السيادة العراقية.

كيف ينظر الساسة العراقيون المتخاصمون مع واشنطن بعد الضربة في محيط مطار بغداد ومن هم ابطال مجلس النواب العراقي الذين حشدوا بإلزام الحكومة العراقية بمطالبة القوات الاجنبية بمغادرة العراقعلى الرغم مما قد يترتب على ذلك من آثار سياسية واقتصادية ربما تضر بمستقبل العراق او تفتح له آفاقا جديدة ، فهل يمكن اعتباره ملزما للحكومة والاطراف العراقية جميعا أم جهة تلك التي تبنت رغم معرفتها مسبقا أن القرار بإخراج القوات الامريكية من العراق سيجعل العراق مكشوف الظهر امام قوى الإرهاب وتآمر دول الجوار وتمردات في الداخل من قبل ميليشيات وجماعات متشددة لا يروق لها ان يحكم القانون ويسود الدستور البلاد؟

القوى السياسية العراقية على محك اختبار حقيقي للتعبير عن سيادة البلاد التي انتهكت بعقر دارها ، ولابد من اتخاذ موقف حكيم تغلب فيه المصالح العليا ولايفرط بامنه وسيادته، لكن يبدو أن غياب الارادة الوطنية والتوافق السياسي، والهوان والتهاون ، ستضع الجميع امام مساءلة الشعب والتاريخ لأننا على اعتاب مفترق طريق بين الدولة واللادولة وان نكون صنيعة بيد المشروع الاقليمي والدولي.

ونتساءل هل القرار غير ملزم للحكومة العراقية على اعتبار انه ليس منواجب البرلمان اصدار قرارات ، بل ان يشرع قوانين وهذا مافسرته الحكومة الاتحادية لاكثر من مرة ، وهل يعتبر القرار سياسي اعلامي وفق إملاءات لجماعات تدين لطهران وواشنطن والسعودية بالولاء ولا تدرك المصيبة التي ستحل بالبلاد جراء إندفاعها بإتجاه التصعيد.

الحكومة العراقية بحاجة الآن الى حملة ديبلوماسية مكثفة اقليميا ودوليا لشرح موقف العراق ، وكذلك على ( القوى الشيعية) ان تتواصل مع الشركاء في العملية السياسية لتقريب وجهات النظر وتضييق الفجوةفي المواقف قبل ان تتحول الى قطيعة.

وبحكم الواقع فإن حكومة تصريف الاعمال غير قادرة على اتخاذ قرارات، كما ان مجلس النواب ليس من صلاحياته اصدار قرارات سياسية بل ان مهمته هي اصدار تشريعات وقوانين ، وبالتالي فانالقرار الصادر حول اخراج القوات الاجنبية من العراق هو مجرد اقتراح القي في ملعب حكومة مستقيلة.

مجلس النواب يرى أنه لم يتخذ قرارا بشأن اتفاقية التعاون الستراتيجي ولم يتعرض لها ، انما طلب من الحكومة فقط عدم طلب التعاون والمساعدة من التحالف الدولي ، لان الاتفاقية نظمت بقانون ولايجوز للبرلمان التعرض لها وانما يمكن للحكومة اذا ارادت الانسحاب منها أن تشعر الطرف الآخر بهذه الرغبة ، ولايعد ذلك نافذا الا بعد مرور سنة على ذلك، في حين أن وجود القوات الامريكية الحالية فقد جاء بطلب من الخارجية العراقية للاستشارة والتدريب حيث تمددت القوات الأجنبية بما فيها الامريكية في زمن ولاية العبادي وبنت قواعدها وبدأ تتسيطر على الاجواء العراقية الى الحد الذي يمنع الطيران للقوات الجوية العراقية في بعض المناطق ، كما تمت استباحة الاجواء العراقية في ظل الفوضى والتظاهرات، وكان من الممكن ان تلغي الحكومة قرار استدعاء وبقاء قوات التحالف ، الا انها ارادت أن تعزز موقفها بطلب برلماني خوفا من الطعن كونها حكومة تصريف اعمال.

من هو المسؤول الاول عن تمددها وسيطرتها على الاجواء العراقية ومن هو القائد العام للقوات المسلحة العراقية آنذاك؟

بغداد أبلغت واشنطن بضرورة انسحاب القوات الاجنبية من العراق، فيما لوح الرئيس الامريكي دونالد ترامب بفرض عقوبات على العراق عبر ايقاف العمليات العسكرية ضد داعش ورفع الحصانة عن حسابات الدولار الامريكي في العراق والذي سيؤدي الى انهيار الدينار العراقي وأخيرا التهديد بمصادرة 35 مليار دولار أمريكي هي مقدار ما يدخره العراق في البنوك الامريكية، وهو ماخلق حالة من البلبلة والخوف لدى الحكومة والمواطنين ، فهل سيقتصر الامر على التصريحات الفردية التي يتشدق بها ترامب ام سيتم فرض عقوبات امريكية اقتصادية على العراق فعليا؟

التخوف الذي ساد الشارع العراقي من رد الفعل الامريكي على قرار مجلس النواب باخراج القوات الاجنبية واحتمال فرض عقوبات اقتصادية على العراق ترى فرضية أن فكرة فرض حصار على العراق لايمكن تحقيقها لعدة اسباب اولها ابرام عقود بمليارات الدولارات معدول عظمى وهذه الدول لا يمكنها ان تفرط بمصالحها أمام ترامب كما ان امريكا في عام 1991 ليست كما هي الآن ولا يمكنها ان تنفرد بقرارها ، فضلا عن ان العراق هو سوق مهم لعدة دول اخرى .

والرأي الذي يذهب الى ان الولايات المتحدة قد غامرت بمشروعها في العراق الذي اسست له في احتلال عام 2003 وفقدت مصالحهاالجيوسياسية في غرب اسيا هي شبه هزيمة قاسية وضرب لمصالحها في المنطقة ، لذا فان دولة مثل الولايات المتحدة لن تفعل ذلك مطلقا مهما كلف الامر ولن تخسر صداقة العراق لذا فان تحليل هذه الحملة السيكولوجية ونتائجها من وجهة نظر ( علم الاقتصاد السلوكي ) هي محصلة للصراع والتصعيد بين الطرفين وجزء من الحرب النفسية للتخويف واشاعة الهلع بين الناس عادة مايطلقها المضاربون ومغتنمو الفرص لتحقيق الربح الطاريء باجواء رديئة وغير نقية، اما اموال البنك المركزي المودعة في البنوك الاجنبية محصنة ولاتوجد امكانية قانونية لاية جهة للحجز عليها، اما بالنسبة للديون التجارية فقد سبق وان تمت تسويتها بموجب ضوابط نادي باريس اذ تم التوصل الى اتفاقية تسوية للموضوع وتم ابرام اتفاقية دفع العراق بموجبها 400 مليون دولار الى الحكومة الامريكية لتقوم بدورها بتسوية الامور مع الامريكيين المطالبين بالتعويضات.

الحديث بات واضحا بضرورة وجود بدائل عن الدعم الفني العسكري وخدمات الطيران والاقمار الصناعية مع تهيئة محطات كهرباء ومصافي ومعامل تكرير لسد حاجة البلد من المشتقات النفطية او استيرادها فيحالة انهاء رخصة العراق ( العقوبات الامريكية ) لاستيراد الكهرباء والغاز والبنزين ، كما يترتب على الحكومة العراقية الاستعداد لخطة ديبلوماسية تقودها وزارة الخارجية العراقية لمحاولة منع اي عزلة دولية للعراق، وفي حالة رفع الحصانة قد نلاحظ انهيار الدينار العراقي مقابل العملات الاخرى وهذا يحتاج الى اقتصاد قوي وصناعة وطنية للمحافظة عليه.

وعودة على بدء فأن الرئيس الامريكي ترامب ليس لديه اي مسوغ قانوني لفرض عقوبات على العراق ، فالعراق يطبع عملته في سويسرا مايعني انها مدعومة بالدولار والذهب ولن تتأثر باية عقوبات خارجية كما يعتبر العراق رابع مصدر للنفط وثاني احتياطي في العالم ولايمكن الاستغناء عن النفط العراقي .

الانفلات في اختيار وتقديم الاولويات في السياسة العراقية إن لم يحسن التعامل معها على اسس ومفاهيم وطنية ستضيع الوطن وشعبه وتطيح بكل المنجزات التي تحقق النزر اليسير منها والواعدة اكبر ويصبح العراق محطة صراع دائم للدول الإقليمية والدولية تتناهبه الولاءات المذهبية والقومية والعرقية.