قال الله عز وجل:
"بلسانٍ عربيٍّ مبين"
هكذا اختار الله لغة الضاد وشرفها أن تكون لغة القرآن الكريم لتبقى خالدةً إلى يوم القيامة، ألم يقل فيها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم "إن من البيان لسحرًا" أي لغةٍ من لغات العالم شرّفت إلى هذا الحد؟
تقرر الاحتفال باللغة العربية في هذا التاريخ لكونه اليوم الذي أصدرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 3190 في كانون الأول/ديسمبر عام 1973، والذي يقر بموجبه إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة.
وذلك بعد اقتراح قدمته المملكة المغربية والمملكة العربية السعودية خلال انعقاد الدورة 190 للمجلس التنفيذي لمنظمة اليونسكو.
تأمّل قول الله عز وجل:
(بلسانٍ عربيٍّ مُبين)
هكذا وصف اللهُ في القرآن الكريم اللغة العربية دون سائر اللغات،
وهي حقًا كما وصفها شاعر النيل حافظ إبراهيم بأنها بحرٌ عميق متزاحم الجمال والدرر، إذ قال:
أَنا البَحرُ في أَحشائِهِ الدُرُّ كامِنٌ
فَهَل سَاءلوا الغَوّاصَ عَن صَدَفاتي
سلْ أهل اللغات والترجمة عن اللغة العربية وسائر اللغات، هم من يدركون أن العربية أوسع من غيرها وأشمل وأغنى بالمفردات والمشتقات.
يقول أحد المترجمين: حين أترجمُ من اللغة العربية إلى غيرها يكون الأمر شاقًا جدًا أكثر من النقل من اللغات الأخرى إلى العربية إذ يقول (الأمر أشبه بأن تسكب بحرًا كاملًا عبر إبريقٍ صغير ..)
وصفٌ دقيق لما عاناه ويعانيه أهل الترجمة من اللغة العربية إلى أي لغةٍ أخرى.
لقد اهتم العرب قديمًا باللغة العربية أيمّا اهتمام، وجعلوا هناك نياشينَ لمن برع فيها أو في فنٍ من فنونها، وكان الشعراء يُعْتبرون في قومهم منابر إعلامية تعادل شبكات القنوات في هذا اليوم، فتكفي قصيدةٌ عصماء وحيدة لتنتصر لقضيةٍ ما أو تحط من شأن قومٍ .. فترفع وتسقط وتعطي وتمنع.
ما يميزها عن بقية لغات العالم أنها لغة حيّة تصويرية للكلمة فيها حسٌّ وروحٌ وموسيقى وبيانٌ ومعنى، ومئات الاشتقاقات بتصريفات ومدلولات تفوق غيرها بكثير.
وكثيرون هم الأدباء والمفكرون الغربيون الذين هرولوا باتجاه العربية حيث المعاني المتزاحمة والمفردات العديدة للمعنى الواحد ما يعطي مساحةً وتوسّعًا أكبر في الإبداع والتميز...
قال المفكر الألماني (فريناغ): "إن اللغة العربية ليست أغنى لغات العالم فحسب بل إن الذين نبغوا في التأليف بها لا يكاد يأتي عليهم العد وإن اختلافنا عنهم في الزمان والسجايا والأخلاق أقام بيننا ونحن الغرباء عن العربية وبين ما ألفوه حجاباً لا يتبين ما وراءه إلا بصعوبة.
كما تفنّنت المفكرة الألمانية زيجريد هونكه "1913-1990" وتغزّلت بسحر وجمال اللغة العربية قائلة "كيف يستطيع الإنسان أن يقاوم جمال هذه اللغة ومنطقها السليم وسحرها الفريد؟ فجيران العرب أنفسهم في البلدان التي فتحوها سقطوا صرعى سحر تلك اللغة.
وتواصل قولها "إذ اندفع الناس الذين بقوا على دينهم في هذا التيار يتكلمون اللغة العربية بشغف، حتى إن اللغة القبطية مثلاً ماتت تماماً، بل إن اللغة الآرامية تخلت إلى الأبد عن مركزها لتحتل مكانها اللغة العربية".
أما الفرنسي إرنيست رينان "1823-1892" فقد هام في سحر الضاد وفي عشقها وتفنّن وأبحر وتعمّق في تحليل اللغة العربية وفي تأثيرها قائلًا:
"أغرب المُدْهِشات أن تنبتَ تلك اللغةُ القوميّةُ وتصل إلى درجة الكمال وسط الصحاري عند أمّةٍ من الرُحّل، تلك اللغة التي فاقت أخواتها بكثرةِ مفرداتها ودقّةِ معانيها وحسنِ نظامِ مبانيها، ولم يُعرف لها في كل أطوار حياتها طفولة ولا شيخوخة".
وغيرهم الكثير والكثير ممن أدركوا حقًا جمال ومرونة وروعة اللغة العربيّة.
ولو عدت للقرآن الحكيم لوجدت آلاف الكلمات التي لها مدلولات حسّية بالإضافة إلى المعنى المراد منها .. وما يزيدها عظمةً وبهاءً أنها اللغة الوحيدة في العالم التي لها إعراب بعكس بقية كل اللغات في العالم.
حيث إنها لغات غير مرنة وتكون للكلمات معانٍ محددة وقليلة الاشتقاقات أما الفصحى فلديها مرونة جدًا بحركات الإعراب ومعانٍ لا حصر لها بخلاف التراكيب المتفرعة منها...
ذكر الحسن الزبيدي أن عدد ألفاظ العربية(6,699,400) لفظاً!!!
لا نستعمل منها إلاّ (5630) والباقي مهمل.
تخيلوا ذلك!
أيُّ عمقٍ وإسهاب في لغة الضاد لا يكفي ولا يفيها حقّها!
وليس هناك مساحة تكفي وتتسع لوصف لغة الضاد.
وأجمل ما أختمُ به المقال قول أمير الشعراء أحمد شوقي (1868- 1932) عن جمال اللغة العربية:
إنَّ الذي ملأ اللُّغاتَ محاسِنًا
جعل الجمال وسرِّه في الضّادِ
قد يقول قائل أنني بالغت ولكنّني أدركُ تمامًا أيّ سحرٍ أتكلم عنه.
التعليقات