أخذت العلاقة بين بغداد وواشنطن منحى آخر غير الذي رسمته الوثيقة الاستراتيجية التي وقعها الطرفان بعد انسحاب القوات الأميركية من العراق. فبعد عام من الاستقرار، بدأت العلاقات الأميركية العراقية تتخذ منعطفاً نحو الأسوأ في الشهريين الماضيين، خصوصاً بعد التصعيد غير المسبوق الذي ألقى بظلاله على المشهد السياسي العراقي بتأثير "طوفان الأقصى"، وما يتعرض له الشعب الفلسطيني من إبادة وحشية على أيدي الماكينة الصهيونية.

الحكومة العراقية حرصت أشد الحرص على أن تكون من أشد المؤيدين للعمل بشكل وثيق مع جميع الجهات الفاعلة الدولية، وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية، والتي تمثل الشريك الرئيسي للعراق، حيث أستطاع العراق أن يكون لاعباً أقليمياً بناءً وعامل استقرار، ونجح إلى حد كبير في التوسط لإنهاء صراعات وخلافات معقدة في المنطقة، مثل الخلاف بين طهران والرياض، والذي استمر لعقود مضت، وتقريب وجهات النظر بين دمشق والرياض، وإعادتها إلى حاضنة الجامعة العربية بعد قطيعة استمرت لسنوات، ماجعل العراق يكتسب علاقات متميزة مع المجتمع الدولي عموماً.

إقرأ أيضاً: العراق: قصف أميركي والخطر يتفاقم!

العلاقات الأميركية العراقية اقتربت كثيراً من خارطة العلاقة في زمن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، حيث رفضت بغداد التجاوز على سيادتها سواءً من الجانب الأميركي أو أي طرف آخر، معلنة أنَّ العراق لن يكون ساحة لتصفية الحسابات بين القوى المتصارعة. وبالرغم من التصريحات القوية من العراق، إلا أن رئيس الوزراء أرسل رسائل تهدئة إلى واشنطن أثناء حديثه إلى الصحافة، من خلال الإشارة الى أن إنهاء الوجود الأميركي سيعني بداية لعلاقة جديدة بينهما، وأنها ستتسع مع حجم المصالح المتبادلة بين الطرفين في مختلف المجالات وتفعيل "الاتفاقية الاستراتيجية" بين البلدين والانتقال إلى العلاقات الثنائية بين الجانبين.

إقرأ أيضاً: العراق والمشي على حبل مشدود

في ظل الوضع الراهن وتأثيراته الكبيرة، سوف تحتاج الحكومة العراقية إلى عمل مضن لإرضاء الجميع والخروج منتصرة، ولا يزال أمام الحكومة العراقية العمل بمصداقية ووضع مصالح العراق في المقام الأول وحماية البلاد من المخاطر العابرة، ويجب على العراق أن يتفاوض على إجراء العديد من الصفقات، والتي من شأنها درء الخطر المحدق وتفويت الفرصة على من يريد بالبلاد الخراب، والتراجع من خلال علاقات مبنية على الوثيقة الموقعة مع التحالف دون أي جداول زمنية أو مواعيد نهائية قسرية، كما ينبغي على الحكومة العراقية أن تنخرط في حوار يشمل جميع شركاء التحالف، ويغطي القضايا الأمنية والاقتصادية والبيئية والاجتماعية والثقافية. وأي نهج آخر سيكون محفوفاً بالمخاطر، وقد يؤدي إلى نتائج خاسرة لجميع أصحاب المصلحة.

إقرأ أيضاً: وضع العراق وكردستان بعد الانسحاب الأميركي

بالمقابل، يجب على الولايات المتحدة أن تكون صبورة من الناحية الاستراتيجية، وألا تقوض خطوات الدولة العراقية أو حكومتها. بخلاف ذلك، فإنها تخاطر بتصعيد الوضع حتى يخرج عن نطاق السيطرة، وعليها أن تمنح الحكومة العراقية المساحة اللازمة، لأن ممارسة الضغط على الحكومة سيقودها إلى التشنج واتخاذ مواقف أكثر عدائية ضد المجتمع الدولي، وهذا بحد ذاته يفقد العراق دعماً دولياً مهماً. لذلك، من الضروري أن تكون هناك ديناميكية شفافة في التعاطي بين الجانبين، والأهم من ذلك كله أن تقوم على أساس الاحترام المتبادل بين الطرفين وحفظ سيادة العراق أرضاَ وجواً وبحراً.