ألقت الحرب على غزة بظلال سوداء على المستوى المعيشي للفلسطينيين، وتسببت في شل الاقتصاد الفلسطيني، خصوصاً في الضفة الغربية التي تعتبر المنطقة شبه الآمنة أو شبه المستقرة، فهناك يعيش المزارعون والحرفيون وعمال الورش ظروفاً هي الأسوأ على الإطلاق في القرن الأخير، وما بين شح المواد الغذائية وقلة فرص العمل وغياب الخدمات وسوء الأوضاع الصحية، تتعمق المأساة يومياً.

واقعياً، عانت الضفة الغربية - التي يعيش فيها حوالى ثلاثة ملايين فلسطيني - كثيراً بعد أحداث السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، فتراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة ستة بالمئة في الشهور الأولى من عام 2024، كما فقد حوالى ثلث أهالي الضفة العاملين وظائفهم، وهذا يعادل 276 ألف وظيفة.. فكيف يعيش الأهالي في ظل هذا الركود الاقتصادي ومن أين يأكلون ويمارسون أبسط وسائل الحياة؟!

منظمة العمل الدولية، ذكرت في إحصائية لها أن نسبة البطالة في الضفة الغربية تأثراً بالحرب على غزة، ارتفعت إلى 30 بالمئة، بينما كانت النسبة قبل الحرب 14 بالمئة. ويبدو أنَّ إسرائيل تمارس سياسة "التفقير والتجويع" للشعب الفلسطيني عامة ولأهل غزة والضفة العربية خصوصاً، لاستكمال مخططها الخبيث في هدم وقتل كل ما هو فلسطيني ومسح القضية الفلسطينية من الوجود.

يؤكد هذا الحديث، قرار دولة الاحتلال التعجيزي ضد أهالي الضفة الغربية عقب اندلاع الحرب، حيث ألغت 130 ألف تصريح عمل من الفلسطينيين، خصوصاً سكان الضفة، وتركتهم من دون دخل، فخسر الآلاف وظائفهم ولم يعد لهم وسائل كثيرة للمعيشة، وأيضاً خسر حوالى 160 ألف فلسطيني كانوا يعملون في إسرائيل وفي المستوطنات اليهودية مصادر رزقهم، أو أصبحوا معرضين لخطر فقدانها بسبب إغلاق المعابر الحدودية من الضفة الغربية إلى إسرائيل والمستوطنات، هذا بخلاف القيود المفروضة على وصولهم إلى مراكز عملهم، في ظل الحرب المتصاعدة بين إسرائيل وحماس؛ فمن ترضيه سياسة إفقار الفلسطينيين وتجويعهم هذه؟!

إقرأ أيضاً: طوفان الأقصى أم طوفان سليماني؟

ومن ضمن القرارات الإسرائيلية القاسية ضد الشعب الفلسطيني، ما قامت به حكومة الاحتلال من إعادة الآلاف من الفلسطينيين إلى قطاع غزة المحاصر بعد أن أصدرت في السابق 18 ألف تصريح تسمح لسكان غزة بالعبور إلى إسرائيل والضفة الغربية لشغل وظائف في قطاعات مثل الزراعة أو البناء التي تصل رواتبها إلى 10 أضعاف ما يمكن أن يكسبه العامل في القطاع المحاصر، فضيقت على العمال المياومين ولم يعودوا يتمكنون من السفر إلى أماكن عملهم بسبب إغلاق المعابر الحدودية منذ اندلاع أحداث طوفان الأقصى.

وتخطط إسرائيل لاستقدام عمالة هندية لتحل محل 90 ألف فلسطيني يعملون في قطاع البناء، وتجلى هذا في حث الحكومة على اتخاذ خطوات لاستقدام 100 ألف عامل من الهند. ويبدو أن هذا القرار هو مقدمة لمزيد من خنق سكان أهالي الضفة الغربية اقتصادياً، وبمثابة عقوبة على الأفراد وعلى الاقتصاد الفلسطيني الذي يعاني قيود بروتوكول باريس الاقتصادي، وتحويل إسرائيل لجزء معتبر من أموال المقاصة.

إقرأ أيضاً: في مزايا الصلع ومناقب الرجل الصليع

كل تلك القيود المفروضة على الفلسطينيين في ظل استمرار الحرب المتصاعدة بين إسرائيل وحماس في غزة، تضرب الاقتصاد الفلسطيني في مقتل، بالرغم من أنه ميت "إكلينيكياً" وما زال يصارع من أجل البقاء، فتحول إلى اقتصاد هش في ظل سوء الأوضاع، وارتفاع نسبة الفقر في صفوف العمال والأسر وفقدان مصادر الرزق ومواصلة سياسة خنق الشعب الفلسطيني. فمن يأخذ بيد فلسطين من أسفل مقصلة الاحتلال؟ وكيف سيكون وضع الاقتصاد الفلسطيني بعد هذه المرحلة؟!