منذ اندلاع حرب غزة وما يتعرض له الفلسطينيون من إبادة جماعية على يد قوات الكيان الصهيوني، وما تبعه من تحرك خط المقاومة الإسلامية في الشرق الأوسط لرد كرامة المسلمين، عبر مساعي الدعم الممكن لأهل غزة، والمناقشات السياسية داخل النخبة الأميركية الحاكمة لا تنتهي حول الطريقة التي ينبغي لها التعامل بها مع قوات الحشد الشعبي في العراق، والتي أضحت تشكل تهديداً كبيراً للقوات الأميركية المتواجدة في العراق وسوريا، ولمشروع أميركا في المنطقة، مما جعل كرامة أميركا بالوحل بسبب قوة الضربات التي تعرضت لها قواتها طيلة الأشهر الماضية، بعد كل هذا أدركت الإدارة الأميركية أنَّ الموقف يتطلب قدرًا كبيرًا من الاهتمام، وإلا ذبلت صورة أميركا.

حالياً في أميركا لا يوجد نقاش أو جدل حول الجيش العراقي، ولا حول الشرطة العراقية، ولا حتى حول القوة الجوية العراقية، وما تملك هذه التشكيلات من عناصر قوة أو عناصر الضعف؛ فقط النقاش والجدل حول الحشد الشعبي العراقي.

وسنوضح هنا طبيعة التفكير الأميركي في الموضوع، أي أننا سنبين الرؤية الأميركية للواقع الحالي.

إقرأ أيضاً: طوفان الأقصى أم طوفان سليماني؟

توجد مدرستان فكريتان مؤثرة في القرار الأميركي حول كيفية معالجة "أميركا" لمخاوفها بشأن قوات الحشد الشعبي:

مدرسة التأني في الرد هي المدرسة الأولى، وتنصح بالصبر، وتقلل من الخطر المتزايد الذي تشكله قوات الحشد الشعبي كمؤسسة، وتشير هذه المدرسة إلى أنه لا ينبغي النظر إلى الميليشيات المدعومة من إيران (كما تسميها أميركا) داخل قوات الحشد الشعبي على أنها تغير قواعد اللعبة؛ ويعرف الأميركان أنَّ هذه الكيانات المقاومة موجودة قبل تشكيل قوات الحشد الشعبي في عام 2014، وستستمر في الوجود سواء داخل قوات الحشد الشعبي أو خارجها، وما دامت قدراتها المالية محدودة ولا تصل لحد التهديد فالأمور تحت السيطرة.

وتنظر المدرسة الصبورة إلى التعاون الأمني الأميركي مع وزارة الدفاع العراقية ووزارة الداخلية وجهاز مكافحة الإرهاب ومجتمع الاستخبارات باعتباره حجر الأساس للنفوذ الأميركي في البلاد، بحجة أنه من غير المرجح أن ينمو حجم وميزانية قوات الحشد الشعبي.

إقرأ أيضاً: رهائن لدى الولي الفقيه

مدرسة الخبث هي المدرسة الثانية، وترى أنَّ قوات الحشد الشعبي هي في الواقع أداة تغيير محتملة لقواعد اللعبة في العراق، وهم يخشون أن ينمو حجم قوات الحشد الشعبي وتمويلها لتتفوق على قوات الأمن العراقية النظامية، مثلما تغلب الحرس الثوري الإسلامي في إيران على القوات المسلحة الإيرانية النظامية، وترى هذه المدرسة الناشطة داخل الحكومة الأميركية أنه لا يوجد سوى القليل من الوقت لتغيير مسار قوات الحشد الشعبي نفسها، وتعتقد أن المساعدة الأمنية الأميركية للقوات المسلحة النظامية العراقية يجب أن يتم حجبها جزئيًا أو كليًا حتى تتم معالجة المخاوف الأمريكية بشأن قوات الحشد الشعبي.

وهذه المدرسة الأميركية تنظر إلى الحكومة العراقية على أنها تسير نائمة نحو الهاوية، مما يدفع المعسكر الأميركي الناشط إلى اتخاذ موقف أكثر تطرفاً من أجل تركيز الاهتمام العراقي بشكل عاجل على المخاطر المتصورة التي تشكلها العناصر الموالية للشهيد المهندس في قوات الحشد الشعبي.

إقرأ أيضاً: أرى رؤوساً (في إيران) قد أينعت!

وتشعر هذه المدرسة بالفزع من مجرد ذكر اسم الشهيد المهندس، وتشعر بالخيبة وهي ترى رواتب الحشد الشعبي من الموازنة العامة للعراق، وتدرك أنَّ قوة العراق قد تتعاظم من استمرار وجود الحشد الشعبي على شكل موازي للحرس الثوري الايراني، لذلك هي تدفع الإدارة الأميركية لدفع مخاطر مستقبلية.

أخيراً، يجب على قيادات الحشد الشعبي أن تدرك أن العدو الأميركي يدرس الحشد الشعبي ويضع خططاً وبرامج للقضاء عليه، لأن أميركا تدرك أنَّ العائق الأكبر أمامها في العراق هو استمرار وجود الحشد الشعبي، وهي قد وعت جيداً الدرس السابق، بعد أن فشل مخططها عام 2014 في تقسيم العراق بواسطة داعش، وكان ذلك بسبب الفتوى المباركة للمرجعية الصالحة وظهور كيان الحشد الشعبي كقوة ردع حقيقية لمخطط القوى الظلامية، لذلك يجب أن تكون خطط وبرامج بعيدة المدى للحشد الشعبي، وأن توجد إدارة استراتيجية ليكون الفعل على الأرض نابعاً من خطط رصينة، فيكون المستقبل بيد الحشد الشعبي وليس بيد الأعداء.