الواقع الميداني في قطاع غزه منذ صدور أمر محكمة العدل الدولية، يؤكد على عدم وجود تغيير في السياسات الإسرائيلية العدوانية، إذ تستمر إسرائيل (القوة القائمة بالاحتلال) باستهداف المدنيين ومنع دخول المساعدات الإنسانية الكافية، في تجاهل صارخ للتدابير المؤقتة التي أمرت المحكمة بتنفيذها، ولا بد من مواصلة عمل منظمة الأمم المتحدة ومؤسساتها وأهمية اتخاذ الإجراءات المناسبة والعاجلة لتوفير الحماية للشعب الفلسطيني، بما في ذلك الحق بالحياة للفلسطينيين في قطاع غزة، الذين ما زالوا معرضين لاستمرار الاعتداءات العسكرية الإسرائيلية والتجويع والمرض.

حكومة الاحتلال تقود حملة منسقة منذ مدة طويلة من اجل إضعاف ومحاصرة وكالة الأونروا، وهذه الحملة ترجمة فعلية لتصريحات سابقة لوزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس، التي قال فيها إن إسرائيل ستسعى لمنع وكالة الأونروا من العمل في قطاع غزة بعد انتهاء الحرب، مشدداً على وجوب ألا يكون لها دور في المرحلة التي تلي الحرب، حيث تعمل دولة الاحتلال على إلصاق كافة التهم والافتراءات بحق هذه المؤسسة الدولية من أجل تشويه صورتها، كون هذه المؤسسة الأممية صاحبة التفويض للعمل مع اللاجئين الفلسطينيين وفقاً للقرار 302، وتقدم خدمات حيوية في مجال الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية لأكثر من ستة ملايين لاجئ فلسطيني في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة والأردن وسوريا ولبنان، وهي بذلك تمثل عنصر استقرار في منطقة الشرق الأوسط.

في الوقت نفسه يواصل جيش الاحتلال تصعيد عدوانه واستهداف مدارس ومؤسسات ومقرات وموظفي وكالة الأونروا في قطاع غزة، والذي أدى إلى استشهاد 152 من موظفي الوكالة وجرح المئات منهم وتدمير الكثير من مقراتها ومؤسساتها، بما فيها تلك التي تؤوي آلاف المدنيين الفلسطينيين الذين هجرهم جيش الاحتلال الإسرائيلي قسراً من بيوتهم وأحيائهم السكنية بينما يتم استمرار الحملات الإسرائيلية الممنهجة وتصعيدها ضد وكالة الأونروا، بما في ذلك التحريض السافر ضدها، بقصد استكمال مسلسل الاعتداءات الإسرائيلي على الوكالة بهدف تقويضها وإنهاء دورها.

وما من شك بأن تمويل وكالة الأونروا مسؤولية مشتركة للمجتمع الدولي، ويجب الاستمرار في رفض وقف تمويل الأونروا أو تخفيضه، مما يعرض أجيالاً من اللاجئين الفلسطينيين لخسارة الخدمات الصحية والتعليمية والخدماتية، ويشكل محاولة مرفوضة لطمس قضية اللاجئين الفلسطينيين، كما أن حرمان الفلسطينيين من فرص التعليم بسبب وقف تمويل الوكالة سيحرمهم من أي فرصة للأمل بمستقبل أفضل، وسيقوض فرص السلام ويدفع المنطقة إلى مزيد من عدم الاستقرار.

لا بد من استمرار تقديم الدعم للمؤسسات الدولية كونها تشكل شريان للحياة في غزة بما فيها وكالة الأونروا حيث تقوم بدور حيوي في تلبية الاحتياجات الإنسانية والتعليمية والصحية للشعب الفلسطيني، حيث تعد شريكاً رئيساً في الجهود المشتركة لتعزيز العدالة وتحقيق الاستقرار في المنطقة، ويجب تعزيز دعمها من قبل الدول الأعضاء والمانحين الدوليين، لتمكينها من مواصلة عملها الحيوي بتحسين ظروف حياة اللاجئين الفلسطينيين ويجب العمل على حث الدول التي أعلنت عن قطع تمويلها للوكالة لإعادة النظر بقرارها، حتى لا تضطر الأونروا مكرهة لوقف أو تقليص الاستجابة الإنسانية.

وفي ضوء قرارات محكمة العدل الدولية لا بد من اتخاذ تدابير فورية لتمكين توفير الخدمات الأساسية والمعونة الإنسانية الضرورية لاحتياجات الأوضاع الصعبة في قطاع غزة، بالإضافة إلى اتخاذ تدابير فعالة لمنع تدمير الأدلة ذات العلاقة بادعاءات ارتكاب أعمال الإبادة الجماعية وضمان حماية الأدلة.