سماحة السيد حسن نصر الله، في رده المتأني جدًا على جريمة دولة القاتل المأجور بتفجير أجهزة المناداة في لبنان، التي يبدو أن غالبيتها تعود لأعضاء عاديين، كأن يكونوا مقدمي خدمات من هذا النوع أو ذاك، أو منتسبين احتياطاً لحزب الله، بدليل أن جميع المواقع التي جرى فيها التفجير كانت مواقع مدنية لا علاقة لها بأي عمل عسكري. كان سماحته متأنيًا جدًا وهادئًا جدًا، وقد يكون هذا الخطاب واحدًا من أهم الخطابات التي استمعت إليها لسماحته، من حيث:
واقعيته: فهو لم يتحدث بانفصال عن الواقع أبدًا، معترفًا بأنَّ العدو حقق إنجازًا بفعلته، وأن ما حصل كان ضربة كبيرة وموجعة. لم نعتد من العرب على مثل هذا الخطاب أبدًا.
تصميمه: كان خطابًا مؤكدًا على الثبات على الموقف ومواصلة المعركة بنفس الأهداف التي بدأ بها، وأن شيئًا لن يتغير مهما حدث.
عقلانيته: لم ينفعل سماحته ولو للحظة، ولم يطلق شعارات. حتى إنه لم يستخدم أيًا من كلمات التهديد الطنانة، واكتفى بثبات اللغة ومواصلة اقترانها بالأهداف الثابتة.
استجابته: كان الخطاب مستجيبًا للأسئلة التي انطلقت أو قد تنطلق. فقد أكد على وحدة الجبهات حول غزة وفلسطين، وأن التراجع أو التردد ليس واردًا في حسابات الحزب وكل قوى محور المقاومة.
تأنيه: ترك كل شيء مفتوحًا من حيث نوع الرد وتوقيته، وإدارة الطريق للوصول إليه.
غموضه: لم يجب سماحته على أسئلة العدو التي قد يكون انتظرها ليتمكن من معرفة ما يدور في عقل الرجل، أو أي طرق يسلك الحزب في بحثه عن حقيقة ما جرى. لم يأتِ أبدًا على ذكر أي عمل إجرائي أو أي ردود أفعال قد تظهر للمتابع أو المنتظر طريقة تفكير قيادة الحزب في معرفة الحقيقة. هذا سيجعل من خطط أو نفذ أو شارك يقع في شرك الحزب عاجلاً أم آجلاً.
تحديه: مرة أخرى، ظل التحدي عنوان المعركة. وبكل بساطة أكد سماحته أن الهدف الجديد الذي أعلنه القاتل المأجور، وهو ما أسماه إعادة المغتصبين إلى مغتصبات شمال فلسطين المحتلة، وقد كان الرد بأن القرار بيد المقاومة وليس بيد القاتل.
من كل ما تقدم، فنحن أمام فلسفة جديدة للمقاومة صاغتها سنوات طويلة من الفعل. وتم إثبات حضورها عامًا كاملًا من القتال المتواصل ضمن معركة "طوفان الأقصى"، وعناوين هذه الفلسفة جاءت من خلفيات مكونات قوى ودول المحور:
إيران: شعب مهنته الأساس والأكثر شهرة هي صناعة السجاد اليدوي، ومهنة النساجين تتميز بالثبات، وطول النفس، وانعدام الخطأ، والقدرة على الاحتمال، والسعي لتحقيق الهدف بلا كلل أو تعب أو ملل.
فلسطين ولبنان: والصفة المشتركة هي الأرض والبحر. الشعب الفلسطيني واللبناني إما فلاحون أو بحارة. الفلاحون مؤمنون ويثقون بوضع ثروتهم في التراب وانتظار الثمر، معتمدين دائمًا على الله وعلى سواعدهم. والبحارة مغامرون، لا يعرفون الخوف ولا يحسبون له حسابًا.
اليمن: بلد الصعاب. من يتقن العيش في اليمن يدرك أن أهلها لا يقبلون مكانة القاع، فقد اعتادوا البقاء في القمم.
العراق: "لا أكسب بدون تعب. شد حزامك يكن إلهك معك". وهو ما يعني "اسعَ يا عبدي وأنا أسعى معك".
سوريا: مهنة التجارة، والمغامرات المحسوبة، فالخسارة ليست واردة في حسابات التاجر السوري.
المشترك بين هذه الشعوب هو المظلومية. والقتال من أجل العدالة أصبح عنوانًا يجمع هذه الدول.
التعليقات