التدريب المصري التركي المشترك في شرق المتوسط "بحر الصداقة" يعكس مدى ضرورة التقارب المصري التركي في ظل التهديدات التي تلاحق الدولتين، وننتظر مثلها في البر والسماء، والآن بات السؤال يطرح نفسه: هل حقًا من احتمالية حدوث مواجهة عسكرية بين مصر وتركيا وإسرائيل؟

"بحر الصداقة" تأتي بعد أيام من إنهاء الاحتلال مناوراته في أكثر مياه العالم سخونة شرق المتوسط وأمام المياه الإقليمية المصرية، ودعونا نشرح لماذا التقارب بين مصر وتركيا بات أمرًا ضروريًا لا غنى عنه لكلا الدولتين اللتين حتى القريب العاجل كانتا قاب قوسين أو أدنى من نشوب حرب بينهما، والسر باختصار شديد في الكماشة التي وضعتها إسرائيل على كل من مصر وتركيا.

فإسرائيل اليوم بسد النهضة الإثيوبي تضع مصر بين كماشة طوفان غزة البشري وطوفان سد النهضة المائي، فبه يمكن تعطيش مصر وبه أيضًا يمكن إغراقها، وفي الخيار الثاني ترسم إسرائيل سيناريو بضربها للسد كحال السيناريو المعد لقصف المسجد الأقصى بصاروخ في أي جولة قادمة بينها وبين إيران، وفي حال انهيار السد لا قدر الله ستتحول حدودنا مع السودان إلى غزة كبيرة، بمعنى أن كان ضغط النيران على الغزاويين جعل مليونين فرد محتشدين على الحدود مع مصر في انتظار فرصة للدخول هربًا من نيران الاحتلال، كذلك سيحتشد عشرات ملايين السودانيين على حدود مصر للهروب من الطوفان القادم من الحبشة.

وهنا أيضًا لا يفوتنا نجاح مصر بعد مجهود جبار على مدار آخر عامين تحديدًا لحصار إثيوبيا، بعد تثبيت القاهرة أقدامها الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية والسياسية في أغلب الدول المحيطة بأديس أبابا خاصة المطلة على البحر.

وعلى الجانب الآخر، أي التركي، فإسرائيل أعدت كماشة أخرى أيضًا، بعد أن احتلت عقل برويدريكو ميغارو (القصر الرئاسي اليوناني) تمامًا، حتى بات هناك تعاون وتحالف سري يجمع إسرائيل واليونان وقبرص.

فبإيعاز من إسرائيل اخترعت اليونان بعض القوانين لتقويض حركة السفن التركية في بحر إيجة وتضييق الخناق عليها في مياه المتوسط، مثل قانون حماية الثدييات البحرية هناك.

وفي قبرص كان الأخطر، فبعد 7 تشرين الأول (أكتوبر) انتقل الثقل الموسادي واليهودي إلى هناك، بل باتت قبرص إسرائيل الثانية دون أي مبالغة بعد أن توسع الموساد في شراء الأراضي في قبرص بشكل مرعب، والتوسع هنا لم يشمل قبرص الرومية فقط بل والتركية أيضًا، وبالطبع هنا ستكون حاملة الطائرات الثابتة (كما يلقبها الأوروبيون لوجود قواعد بريطانية وأميركية وفرنسية وروسية بها) بمنتصف شرق المتوسط لن تكون بمعزل في حال أي تحرك إسرائيلي ضد تركيا، وكذلك اليونان أيضًا، ففي حال نشوب حرب بين تركيا وإسرائيل ستجد اليونان دخلت لاسترداد القسطنطينية، وستظهر شوكة الأكراد في شرق تركيا بوضوح، كي يخترق الجسد التركي شرقًا (عبر الأكراد) وغربًا (عبر اليونانيين).

وهنا أيضًا لا يفوتنا نجاح تركيا إلى حد كبير في شل أذرع أثينا بعد أن فتحت أحضانها لخليفة حفتر، وتوجيه أغبى وأفشل مارونيت (العرائس الدمية) بالمتوسط، الليبي عبد الحميد الدبيبة، وصاحبة توزيع النظرات المتيمة رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني بعد القمة التي جمعتهم الشهر الماضي تحت ظل العثماني لرفع كفة تركيا على اليونان في المتوسط، بعد أن صارت مصر حليفة والشرق الليبي صديق.

إذًا في كل ما سبق يتضح لنا أن التعاون بين مصر وتركيا ضرورة قصوى، ويجب أن يذهب التنسيق إلى أبعد مدى، بل ويتسع ليشمل باقي القوى الإسلامية الكبرى، فالتعاون بينهم يعني وضع إسرائيل نفسها بين شقي الرحى من الشمال الترك ومن الجنوب المصريين، كما هي فعلت عبر حصار مصر وتركيا كما شرحنا، وهو الأمر الذي يجعل جغرافيا الصراع تتسع أكثر وتخرج خارج حدود الشرق الأوسط، بعد أن باتت أذربيجان وباكستان في الشرق جزءًا من مسرح الأحداث وكذلك اليونان غربًا.