النائب أكرم شهيب لإيلاف:
على العرب إسعاف لبنان قبل فوات الأوان

بلال خبيز من بيروت: يعتبر أكرم شهيب النائب عن دائرة بعبدا عاليه في جبل لبنان والعضو في كتلة اللقاء الديمقراطي البرلمانية التي يرأسها وليد جنبلاط أن إستطالة الأزمة اللبنانية، والإستمرار في تعطيل المؤسسات خلّف نتائج بالغة الخطورة على الوضع الإجتماعي في لبنان، خصوصًا في المناطق الريفية منه. وإذا لم تبادر قوى 14 آذار إلى إجتراح حلول تعين الناس على الصمود والبقاء في قراهم ومدنهم، فإن الأوضاع العامة ستشهد إنحدارًا دراماتيكيًا في وقت قريب.

ويقارن شهيب بين أوضاع الكتلة الشعبية التي توالي فريق 14 أذار (مارس)، وهي كتل متعددة المشارب والمواقع، وبين الكتلة الشيعية التي توالي حزب الله عمومًا. فيرى أن حزب الله أحسن توظيف موارده الخارجية في دعم صمود الناس وإعادة تشغيلهم. بل إن الحزب إستطاع أن يجعل من التفرغ للقتال، لقاء أجر مجز، سببًا إضافيًا للصمود. خصوصًا وأن أعداد المتفرغين العسكريين والمدنيين في صفوف الحزب تطاول شريحة واسعة جدًا من الشباب اللبناني ndash; الشيعي، مما يسمح للكتلة الشعبية الموالية ان تبقى على ولائها وأن تصمد في مواجهة الضغوط، خصوصًا الاقتصادية منها، والتي باتت تهدد اللبنانيين جميعًا. وكان اهالي المناطق الجبلية في شتاء هذا العام، قد خبروا قسوة الظروف المعيشية التي وضعتهم الازمة المتطاولة في خضمها. حيث ساهم ارتفاع سعر برميل النفط إلى عتبة المئة دولار اميركي في احداث ازمة حقيقية في المناطق الجبلية الباردة شتاء والتي يعتمد اهلها في التدفئة على المشتقات النفطية.

هذه الازمات بحسب شهيب، تطاول فريق 14 آذار ndash; مارس وقياداته اكثر مما تطاول فريق 8 آذار ndash; مارس. ذلك ان هذا الفريق يتحمل مسؤولية الحكم في لبنان مع ما تعنيه هذه المسؤولية من استحالة التهرب من مطالب الفئات الشعبية الأفقر والاكثر تضررًا من مفاعيل الأزمة الراهنة. مما يهدد بجعل المطالب المعيشية سيفًا مصلتًا على عنق الاكثرية الحاكمة والممنوعة من ان تحكم في لبنان.

وفي هذا السياق يرى شهيب ان الفريق الموالي الحاكم رسميًا في لبنان، يعاني من سلبيات الحكم، اي حكم، ومن ضيق ذات اليد في الوقت نفسه. حيث ان قادة هذا الفريق يعانون من صعوبة التواصل مع الناس الذين انتخبوهم بسبب الإجراءات الامنية المكثفة التي يتبعونها خوفًا من الاغتيالات التي تطاولهم. وبعض هؤلاء القادة يعيشون في فندق محروس حراسة مشددة في بيروت، ولا يشبه شيئًا أكثر من شبهه بسجن فخم. حيث لا يتمتع السياسي المقيم فيه بحرية الحركة، ويبقى قابعًا في انتظار من يزوره او يتصل به. مما يجعل الإقامة في مدينة بيروت بالنسبة إلى هؤلاء السياسيين معدومة الفائدة. وهذا ما دفع بالعديد من السياسيين الأكثريين إلى العودة نحو قراهم ومدنهم، حيث اجروا ترتيبات امنية معينة امنت لهم البقاء في منازلهم وبيوتهم والتواصل، المحدود جدًا جدًا، مع الناس في تلك المناطق.

هذا التضييق الشديد على حرية العمل السياسي المباشر يترك آثاره البليغة على علاقة السياسي بمؤيديه. فهم من جهة أولى يتفهمون اضطراره إلى اتباع الترتيبات الأمنية المشددة حفاظًا على سلامته الشخصية، لكنهم من جهة ثانية يضطرون إلى تدبير شؤونهم بأنفسهم، في السياسة والثقافة والاجتماع على حد سواء. وليس خافيًا في لبنان مدى الدور الحاسم الذي عادة ما يلعبه السياسيون في مناطق نفوذهم، لجهة التأثير المباشر في الثقافة الاجتماعية والسياسية لدى مؤيديهم وفي مجتمعاتهم الصغيرة. هذا فضلاً عن الأثر الذي يتركه هذا الحصار المفروض عليهم في قدرتهم على التواصل مع ما يجري في كواليس السياسة في لبنان وخارجه. وهذا والحق يقال يهدد العمل السياسي اللبناني برمته، حيث يصبح الكادر الوسيط الذي يؤدي ادوارًا بالغة الأهمية في السياسة اللبنانية، بسبب وقوعه في موقع وسطي بين الزعيم الأول في الحزب أو الطائفة أو الحركة السياسية، وبين المناصرين والأعضاء العاديين، معطلاً عن العمل والمبادرة وغير قادر على التفاعل مع ما يفترض به أن يتفاعل معه.

غني عن البيان أن الحال التي يضطر قادة 14 آذار ndash; مارس إلى العيش في ظلالها ووفقًا لمترتباتها ستترك آثارها الخطرة على طبيعة العمل السياسي في لبنان ما أن تزول هذه الظروف الطارئة. لكن هذا الامر لا يختصر المعضلات كلها. إذ إن طبيعة الهجوم الذي يتعرض له هؤلاء يهدف إلى منعهم بالترهيب من ممارسة ادوارهم، ومحاسبتهم في الوقت نفسه على تقاعسهم عن أدائها. فهم حاكمون وممنوعون من الحكم، وهم مسؤولون وممنوعون عن المسؤولية. وهم في الوقت نفسه من يفترض بهم حماية الناس وها هم باتوا يطلبون الحماية منهم. ولئن كانت نتائج مثل هذه الأوضاع على العمل العام لا تبدو اليوم ماثلة للعيان، فلئن الجميع يعتبرون الوضع شاذًا وموقتًا. والحال، فإن الخشية من دوام الحال على ما هي عليه زمنًا طويلاً قد يهدد مقومات الصمود لدى هذا الفريق، وهي بعض اثمن ما يملكه.

في هذا السياق يرى أكرم شهيب أنه بات من الضروري جدًا أن يعمد اصدقاء لبنان في الخارج، وفي العالم العربي خصوصًا، إلى اسعاف لبنان بما يمكّن الناس فيه من الاستمرار في صمودها. إذ لم يعد تأجيل انطلاق المشاريع الإنمائية ممكنًا، في الزراعة والصناعة والتجارة وكل ما يتعلق بمقومات البقاء والصمود. هذا من الناحية الاجتماعية والانمائية، اما من الناحية السياسية فلا يجد بدًا من الاستمرار في الصمود، والاستمرار بمد اليد نحو الفريق اللبناني الآخر، الذي لا يملك في نهاية المطاف إلا هذا البلد موئلاً ومستقرًا. ويبدي شهيب خشية كبرى على مصير الشركاء في البلد تحت تأثير الهجومات الخارجية ايضًا. فهو يعرف ان حزب الله وحركة امل الشيعيين مهددان من عدو خارجي واضح القسمات والمعالم، وان التضامن الوطني مع هذا الفريق اكثر من واجب في مواجهته للعدو الإسرائيلي. لذا يتركز جهد الحزب التقدمي الاشتراكي في منطقة الجبل على تخفيف حدة الاحتقان الدرزي في مواجهة الشيعة. لأن العدو الإسرائيلي حين يضرب فئة من اللبنانيين، فإنما يضرب اللبنانيين جميعًا، والأدق انه يضرب لبنان في مقتل لا يمكن مداواته إلا بالتضامن الوطني. وإذ يبدو ان مهمة تخفيف حدة الاحتقان باتت اليوم اصعب كثيرًا مما كانت عليه قبل سنة او سنتين، مما يجعل المهمة اصعب واكثر تعقيدًا، إلا ان التقاعس عن هذه المهمة والخيار ممنوع كما يقول شهيب.

يغالب الرجل غصة وهو ينتقد سياسات حزب الله والفريق المعارض. والأرجح انه يخفي في قلبه سؤالاً لا يجاهر به علنًا، إذ لم تعد مثل هذه الأسئلة مجدية في ظل الوضع المتأزم: إذا كان حزب الله يعتقد ان الجرائم كلها ترتكبها اسرائيل، فلماذا يتهم المقتولين بأنهم ايتام اميركا واسرائيل؟ وإذا كان يريد من سلاحه الدفاع عن البلد، فهل يعتبر ما يتعرض له هؤلاء هجومًا على البلد؟ ام ان هذه الدماء التي تهدر اغتيالاً وتفجيرًا لا تعنيه من قريب او بعيد؟