تب ـ نبيل شـرف الدين: يعني لنا في (إيلاف) الكثير، حين يقرر رجل في قامة السيد هشام علي حافظ، الناشر المعروف الذي أنجز وشقيقه نقلة نوعية في خارطة الإعلام العربي، أن يختار صحيفة إليكترونية ليعاود من خلالها الكتابة المنتظمة، فهاهو "ابن الورق" وصانعه وأحد مهندسيه يتجه صوب "الافتراضي" الذي لا نشك لحظة أنه بات واقعاً أكبر من أن يتجاهله البعض، أو يهون من شأنه المقيمون في منازل الأمس، لكننا نبقى دائماً ـ شأن كل الذين يراهنون على المستقبل ـ في حاجة إلى تأكيد أننا كنا على حق، حين قررنا في (إيلاف) أن نغامر بأسمائنا وخبراتنا وأموالنا وجهدنا أملاً في اللحاق بقطار الحضارة، وبوابة المستقبل الذي بدأ بالفعل، ولم يعد في عهدة الغيب، إذ تكفي إطلالة واحدة على حجم الاستثمارات الغربية في النشر الإليكتروني، لنكتشف أنها تتجاوز موازنات دول تتمتع بمقعد في الأمم المتحدة، وهو ما يعني ببساطة أن السباق صوب الفضاء الافتراضي بدأ بالفعل، وأن الغياب العربي عن هذه الساحة أو غيرها، لا يشكل أي دليل على أهمية الأمر، أو ينتقص منه، فلطالما غاب العرب عن ميادين سابقة وراهنة ولاحقة، دون أن تتعطل السفن عن إبحارها صوب المستقبل.
....
لكن، هل يحتاج هشام علي حافظ إلى تقديم ؟، هكذا تساءلنا ونحن نضع نصب عيوننا أن قراء (إيلاف) هم من شتى المشارب والأجيال، فهناك شيبان محترفون، وفتيان يسعون في مناكبها، وآخرون من الشرق والغرب، وبالتالي لا نستبعد أن يكون هناك من لا يعرف الرجل، لهذا ارتأينا أن نسرد جانباً من سيرته الذاتية، كما رواها بنفسه، عبر موقعه الشخصي على الشبكة.

السجن وجنيف
"أتحمل مسؤولية تحويل الصحافة السعودية من صحافة تناضل لكي تكون حرة، إلى صحافة استكانت ورضيت أن تنام في حضن السلطة، في حضن وزارة الإعلام، وأصبحت صحافة القارئ الواحد، أي السلطة كما يطلق مصطفى أمين يرحمه الله على صحافة العالم العربي كله" .. بهذه العبارة يخوض السيد هشام حافظ في قصة تستحق أن تروى، وأن تسجل في سيرة الرجل، الذي يثبت أن الصحافي الحقيقي، سواء كان كاتباً متفرغاً للكتابة، أو "صانع صحافة"، على نهج السيد حافظ والأستاذ عثمان العمير أن يجد نفسه دون سعي لذلك مصطدماً بقاطرة السلطة العربية الجبارة، ذلك لأن الصحافة بطبيعتها مهنة تتنفس حرية، والسلطة في كل صورها العربية والغربية، كائن مفترس، لا يمكن لعاقل أن يأمن جانبه، مهما بلغت بالمرء براعة استئناسه، ومن هنا يستدرك السيد هشام حافظ عبارته السابقة، ليقول "لست أنا الذي ألقيتها (الصحافة) في سرير السلطة أو في مرجوحة وزارة الإعلام، ولكن الواقع يقول إني وأخي محمد حولنا في عام 1961 جريدة "المدينة" الى جريدة يومية حديثة بمعايير ذلك الوقت، وكنا نعمل بجرأة وعفوية، ولسنا طرفاً في مصالح نحميها أو نخشى عليها".

ويمضي السيد حافظ في سرد روايته قائلاً "دخلنا في معارك صحفية متنوعة كان أخطرها عندما علقت في العمود اليومي الذي أتناوب على كتاِِبته مع أخي محمد "صباح الخير" على تعيين الملك فيصل – يرحمه الله الأمير مشعل بن عبد العزيز أميراً لمنطقة مكة المكرمة، وأعترضت على هذا التعيين، وقلت أن أهل مكة هم الذين يجب أن يختاروا من يكون أميراً عليهم من أهل مكة، وأن أهل مكة أدرى بشعابها، وأهل مكة لم يختاروا أن يكون الأمير مشعل أميراً عليهم".

وبالطبع كان ذلك المقال "هو القشة التي قصمت ظهر البعير كما يقول العرب العاربة والمستعربة، وحدث ما حدث من تحويل الصحافة إلى مؤسسات تتبع وزارة الإعلام، وانقلب الحلم الذي حققناه بالسهر والعمل في إنشاء صحافة حديثة ومتطورة إلى كابوس عانا منه والدانا إلى أن ماتا – رحمهما الله، وكانت تلك الفترة القصيرة كأنها حلم ليلة صيف جميل أفقنا منها على كابوس نظام المؤسسات الصحافية. رجعت مرغماً إلى وزارة الخارجية لأني كنت مخيراً بينها وبين السجن، واخترت بالطبع جنيف".

في المدينة السويسرية الحالمة، التي تصنع كل مؤامرات الكون، من دون أن تتورط بأي منها، عاد السيد هشام حافظ إلى الوظيفة، إلى كواليس الدبلوماسية كسكرتير بالسفارة السعودية في جنيف، لكن ما حدث كان خلافاً لما يدور في مخيلة المرء من تداعيات حين يطالع عبارات من نوع "دبلوماسية.. جنيف"، وهو ما سنترك السيد حافظ بنفسه يرويه، قائلاً : "أمضيت سبع سنوات عجاف في جنيف عضواً في الوفد السعودي في المقر الأوروبي للأمم المتحدة كسكرتير أول، وبقيت سكرتيراً أولاً مغضوب عليه من السلطة، ولم أتمكن من العودة إلى بلدي لكي أعمل بها إلا بعد أن تعرفت على الشيخ كمال أدهم – يرحمه الله، الذي جاء إلى جنيف مبعوثاً من الملك فيصل للتفاوض مع قحطان الشعبي زعيم الجبهة القومية في اليمن الجنوبي الذي كان يرأس الوفد الذي يفاوض الإنكليز على استقلال جنوب اليمن وإنهاء المقاومة المسلحة والذي سيحكم اليمن الجنوبي بعد ذلك، يفاوضه على دور الأحزاب المحسوبة على المملكة بعد خروج الإنجليز. السفير في جنيف أو رئيس الوفد لدى الأمم المتحدة لم يتمكن من الاتصال أو تحديد موعد، وعرفت مصادفة وأنا أتعرف بكمال أدهم بذلك. قلت له، هل تريد تقابل قحطان والوفد ؟ قال طبعاً وأنا هنا من أجل ذلك، فيصل الشعبي ابن عم قحطان والذي أصبح وزيراً للخارجية واغتيل بعد ذلك، كان زميلي في كلية التجارة والعلوم السياسية بالقاهرة، واستمر التواصل بيني وبينه، وعندما حضر إلى جنيف
كنا نلتقي باستمرار".

ويواصل السيد حافظ قصته المثيرة قائلاً : "كمال أدهم – يرحمه الله، كان يقيم في نفس الفندق الذي يقيم فيه الوفد، والحديث الذي دار بيني وبينه كان في صالون الفندق وبحضور السفير. ذهبت إلى تليفون الفندق وطلبت فيصل الشعبي في غرفته وقلت له ما يريده كمال أدهم، فطلب مني الانتظار عشر دقائق ليتصل بقحطان. اتصل بي بعد ذلك وتحدد الموعد في اليوم التالي وطلب مني كمال أدهم أن أحضر الاجتماع ولم يطلب من السفير ذلك. حضرت معه الاجتماع الذي استمر من التاسعة والنصف مساءاً إلى الواحدة صباحاً. بعد الاجتماع عرض علي أن أعمل معه في مكتب الاتصالات الخارجية. لم أتردد لحظة واحدة وقبلت عرضه بدون مناقشة طبيعة العمل أو أية تفاصيل، فأنا أريد أن أعود من المنفى لبلدي لأني كنت ضائعاً .. ضائعاً في جنيف بعيداً عن طموحاتي".

الشرق الأوسط

مع زوجته
ذن عاد السيد هشام حافظ من منفاه الدبلوماسي الأنيق في جنيف إلى بلاده، وهناك يروي ما حدث قائلاً "بعودتي إلى جدة والاستقرار بها انتهت مرحلة جريدة المدينة المنورة و ما حدث من سلبياتها وبدأت مراحل جديدة".

ويروي السيد حافظ تفاصيل المرحلة الأولى المتمثلة في تأسيس " الشركة السعودية للأبحاث والتسويق" بوصفها شركة تضامن مناصفة بينه وبين أخيه محمد، أغراضها، كما جاء في عقد تأسيسها تقديم خدمات الأبحاث والتسويق وما يتعلق بهما بالطرق الشرعية والنظامية، لأجهزة الدولة ورجال الأعمال والشركات والمؤسسات، في الداخل والخارج برأسمال مقداره عشرة آلاف ريال".

أما كيف حدث أن تحولت بنود هذا العقد إلى واقع فرض نفسه على الساحة الصحافية، ليست المحلية فحسب، بل والعربية عموماً، فهو ما سندع السيد حافظ يرويه بنفسه قائلاً: "ذهبت وأخي محمد إلى البنك وفتحنا حساباً للشركة ووضعنا فيه ما كنا نحمله من نقود لم تتجاوز سبعمائة ريال سعودي، ومن خلال كلمة (ما يتعلق بهما) في أغراض الشركة حاولنا أن ندخل من (شباك) الصحافة بعد أن طُردنا من بابها، وأشرفنا على إصدار جريدة (نداء الجنوب)، وأصدرنا العدد (صفر) من جريدة سميناها "الوسط" شعارها (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) ولكنها لم تر النور بسبب نظام المؤسسات الصحافية".

مع زوجته واطفاله
ينتقل السيد حافظ إلى سرد تفاصيل المرحلة الثانية، التي يصفها بأنها "أدخلتنا حقيقة من (شباك) الصحافة بعد أن طُردنا من بابها"، في إشارة إلى حصولهما على ترخيص إصدار جريدة "عرب نيوز" بمساعدة الشيخ كمال أدهم والأمير تركي الفيصل، وزيادة رأسمال الشركة من عشرة آلاف ريال إلى مليون ومائتي ألف ريال، ودخول الشيخ كمال أدهم والأمير تركي الفيصل كشريكين في الشركة بحصص متساوية للشركاء الأربعة.

ويواصل السيد هشام حافظ سرد بقية القصة فيقول "في ظل هذه الخطوة الجديدة صدرت جريدة "عرب نيوز" كأول جريدة يومية باللغة الإنكليزية تصدر في المملكة. وتملكت الشركة وكالة "سنترال برس فوتوز" للصور في "فليت ستريت" شارع الصحافة في لندن، والمبنى الذي تشغله أقدم وكالة صور صحافية في العالم، وبذلك أصبح لنا قاعدة في أشهر شارع للصحافة في العالم. الوكالة كانت على وشك الإفلاس فاشتريناها بمبلغ لا يتعدى أل 50 ألف جنيه استرليني، وبدأنا من هناك إصدار جريدة "الشرق الأوسط" التي جاءتني فكرة إصدارها وأنا في إجازة صيفية في مدريد، وصدرت فعلاً بعد أقل من سنتين من بداية الفكرة، وكان نجاحها السريع حافزاً لنا لتحقيق طموحاتنا التي لم يكن لها حدود".

ويصل السيد هشام حافظ إلى المرحلة الثالثة، التي بدأت بدخول الأمير سلمان بن عبد العزيز كشريك بعد أن باعه كل من الشركاء الأربعة 5% من حصته، "فأصبحنا خمس شركاء متساويين في عدد الحصص، وبعد زيادة رأسمال الشركة إلى خمسة ملايين ريال اشترى الأمير سلمان حصص كل من الشيخ كمال والأمير تركي فأصبح يملك 60% من الشركة وأنا وأخي محمد 40%"، وهكذا ـ يواصل السيد هشام حافظ روايته قائلاً "كانت العودة إلى الصحافة من (الشباك) قد حولت الشركة السعودية للأبحاث والتسويق، التي كانت أغراضها تقديم خدمات الأبحاث والتسويق. وما يتعلق بهما – إلى أكبر دار صحفية في العالم العربي تملك قاعدة نشر عريضة لها مجموعة من الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية والشهرية تعتبر الأولى من نوعها كل في مجالها، ولها ذراعها التوزيعية القوية هي "الشركة السعودية للتوزيع" وذراعها الإعلانية القوية الممثلة في "الشركة الخليجية للإعلان", وهي تملك مطابعها للصحف والمجلات، وهي الذراع الأنتاجية الأساسية في شركة هي "المدينة المنورة للطباعة والنشر"، أقدم شركة طباعة في المملكة أسساها السيدان علي وعثمان حافظ يرحمها الله عام 1928".
....
وبقية القصة معروفة، عاصرها كثيرون من الفاعلين حتى اليوم في أروقة السياسة والدبلوماسية والصحافة، لكن ما حدث باختصار هو أن المجموعة السعودية للأبحاث أصبحت واحدة من شركات القمة في المملكة العربية السعودية، وتصنف منذ سنوات في عداد المائة شركة الأولى الكبيرة في المملكة.

اليوم بدأ السيد هشام حافظ، الذي يحمل على كتفه كل هذا الزخم، الذي لم نورد سوى لمحة عابرة منه، بدأ الرجل يخص (إيلاف) بنشر مقالاته، وهو كما ورد في مستهل هذا المقال أمر يعني الكثير، فهو يعني ببساطة شديدة أن الصحف الالكترونية نجحت بالفعل، دون أن تكون ظلاً لصحف أو مؤسسات اعلامية قائمة بذاتها، وأنها غدت تقدم خدمة جيدة ومتميزة، كما أنها نجحت في صياغة جمهورها الخاص الذي لا يشترط أن يكون كله من قراء الصحف المعتادين، وانها اخترقت الحجب والحواجز، وتجاوزت وزارات الإعلام والداخلية، ومع هذا فنحن أول من يقر بأنها لم تزل حتى اللحظة تحبو، وتحتاج المزيد من الدعم والجهد والخيال