أحمد عبدالعزيز من موسكو: على الرغم من التفاؤل والدفء اللذين أحاطا بزيارة وزير الخارجية الياباني نوبوتوكي ماشيمورا لموسكو، إلا أن الأوساط السياسية والدبلوماسية الروسية أبدت بعض الشكوك في إمكانية نجاح زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لطوكيو في رأب الصدع التاريخي وتوقيع معاهدة السلام التي يدور الحديث حولها منذ أكثر من 6 سنوات.

يأتي تشاؤم المراقبين في هذا الصدد من اللهجة الحادة التي تحدث بها وزير الخارجية الياباني عندما تطرق الحديث إلى إمكانية إعادة جزيرتين فقط من جزر الكوريل الأربع إلى اليابان مقابل توقيع اتفاقية سلام. إذ رأى ماشيمورا أن هذه الاتفاقية كان من الممكن توقيعها عام 1956 مع الاتحاد السوفيتي الذي أبدى نفس الاقتراح، ولكن اليابان تنظر من وجهة نظر أخرى لهذه الأزمة، وتنطلق من مبدأ ملكية الجزر الأربع.

ففي ختام محادثاته مع نظيره الياباني نوبوتاكي ماشيمورا في موسكو صرح وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بصعوبة حل الأزمة الحدودية بين روسيا واليابان. وفي ما أشار إلى أنه سيقوم بزيارة إلى اليابان في النصف الأول من شهر مارس المقبل، رأى أن موقفي موسكو وطوكيو من أزمة الحدود والأراضي متناقضان. وقال "إن موقفي البلدين من القضية المذكورة مختلفان، ويمكن القول إنهما متناقضان.

ومن جانبه صرح وزير الخارجية الياباني نوبوتاكي ماشيمورا بأن بلاده تنوي بذل أقصى الجهود من أجل إيجاد السبيل المقبول لحل هذه المسألة، مشيرا إلى أن طوكيو تنطلق من مبدأ سيادة اليابان على جزر الكوريل الأربع، ولكن لروسيا وجهة نظر مغايرة.

من جهة أخرى قال لافروف أن روسيا واليابان اتفقتا على جعل الزيارة المقبلة للرئيس فلاديمير بوتين إلى اليابان مرحلة جديدة في العلاقات الثنائية بين البلدين. وذكر لافروف بأن الطرفين اتفقا على جعل زيارة الرئيس فلاديمير بوتين إلى اليابان مرحلة تتيح نقل العلاقات الثنائية إلى مستوى جديد، خاصة وأن الزيارة ستتم في هذا العام الذي يشهد ذكرى مرور 150 عاما على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين روسيا واليابان. وأضاف بأن الجانبين بحثا مسألة تنفيذ خطة العمل المشترك بين البلدين التي تم توقيعها في عام 2003. ورأى لافروف أن تلك الخطة تنظم العلاقات بين البلدين في جميع المجالات، في نفس الوقت الذي تجرى فيه محادثات تسوية القضايا المتعلقة بمعاهدة السلام.

وفي نفس السياق قال المتحدث الرسمي بوزارة الخارجية الروسية ألكسندر ياكوفينكو أن الجانبين يوليان أهمية كبيرة لمواضيع معاهدة السلام حيث أشار الرئيس الروسي بوتين بشكل واضح إلى موقف روسيا من هذه المسألة، مشددا على أن بقاء معاهدة السلام بدون حل إلى الآن يثير الأسف. وأضاف ياكوفينكو بأنه لا بد من الاعتراف بأن حل جميع المشاكل التي تعيق تطوير العلاقات الثنائية يستجيب للمصالح الوطنية لروسيا واليابان. ولهذا فإن روسيا لا تنوي التهرب من مناقشة المعاهدة بغض النظر عن الصعوبات التي قد تعتريها.

وكانت جولة من الغزل السياسي الروسي لليابان انتهت في آخر تشرين الأول (نوفمبر) 2004 بمعارضة شديدة في الدوائر السياسية والبرلمانية الروسية، ومظاهرات حاشدة في سخالين على تصريحات كل من الرئيس فلاديمير بوتين ووزير الخارجية سيرجي لافروف بإمكانية إعادة جزيرتين من جزر الكوريل الأربع إلى اليابان مقابل توقيع معاهدة سلام وعدم اعتداء بين موسكو وطوكيو.

وصرح وقتها وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بأن موسكو مستعدة لإعادة جزيرتي (شيكوتان) و(خابوماي) إلى اليابان، مشيرا إلى أن الكرملين يعلن اعترافه بالبيان الروسي-الياباني المشترك الصادر عام 1956، والذي أعلن فيه الاتحاد السوفيتي السابق تنازله عن جزيرتين مقابل الاحتفاظ بجزيرتين أخريين. ومن جانبه أيضا أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في اجتماعه بأعضاء الحكومة بأن روسيا مستعدة للوفاء من أخذته على عاتقها سابقا من التزامات، ومن ضمن ذلك التزاماتها بتنفيذ الاتفاقيات مع اليابان بنفس القدر الذي ستلتزم به نحو تنفيذ نفس المعاهدات.

وعلى الرغم من الاقتراحات التي قدمتها موسكو، رفضت اليابان العرض الروسي وأعلنت تمسكها بموقفها، وبأنها لن تغير رأيها بشأن المشكلات الحدودية مع روسيا. وصرح رئيس الوزراء الياباني زينتيريو كويزومي بأن الاتفاقيات الموقعة مع روسيا تتحدث عن الجزر اليابانية الأربع، وليس جزيرتين فقط. وأضاف بأن مسار اليابان لن يتغير بشأن هذه القضية ما لم يتم تحديد واضح بشأن إعادة 4 جزر، ولن يتم أيضا توقيع اتفاقية السلام مع روسيا. وشدد كويزومي على عدم وجود أي حديث حول إعادة جزيرتين فقط من جزر الكوريل الأربع، مستشهدا في ذلك بالبيان الذي تم توقيعه في طوكيو بين القيادتين الروسية واليابانية عام 1993. إذ تضمن البيان فقرات واضحة بشأن إجراء مفاوضات جدية بين الطرفين حول ملكية الجزر الأربع (إتوروب) و(كوناشير) و(شيكوتان) وخابوماي).

وأعرب كثير من المراقبين عقب تبادل التصريحات "الجافة" بين موسكو وطوكيو آنذاك بهذا الصدد عن مخاوفهم من تأجيل أو إلغاء زيارة الرئيس الروسي لليابان والمقرر إجراؤها في النصف الأول من هذا العام. غير أن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف صرح بأن بوتين سيذهب إلى اليابان ليس من أجل توقيع معاهدة السلام التي يجري الحديث عنها. وشدد على أن الزيارة غير مرتبطة إطلاقا بهذا الهدف. وجاءت هذه التصريحات تعليقا من لافروف على المظاهرات الواسعة والاحتجاجات التي قام بها سكان منطقة سخالين وجزر الكوريل ضد إعادة الجزيرتين اللتين يدور الحديث حولهما إلى اليابان.