اليساري المعارض حبيب صادق يلقي بيان البريستول
فداء عيتاني ونبيل جلول من بيروت: اتهم ابرز المعارضين اليساريين في الجنوب اللبناني رئيس مجلس النواب نبيه بري بوضع اليد واستغلال مقدرات الدولة وبحجب مؤسسات الدولة عن المواطنين اللبنانيين في الجنوب، معتبرا ذلك نموذج لممارسات رجال السلطة في الجمهورية اللبنانية لمرحلة ما بعد الحرب، مشيرا إلى انه يدفع الناس دفعا إلى الاستجداء منه.

واعتبر حبيب صادق النائب السابق ورئيس المنبر الديموقراطي ان الحرب في لبنان لم تزل من النفوس والسياسة وتصرفات المسؤولين، بل فقط ازيلت متاريسها العسكرية. وقال صادق ان لبنان يعيش في حالة إفلاس غير معلن عنها، معتبرا ان الدولة لا يجب ان تكون مكرسة لمصلحة فرد او طرف سياسي الدولة ملك للمجتمع. والمال العام يجب الا يصرف لمصلحة فرد او فئة، إدارات الدولة، القضاء، الأمن، يجب ان لا تكون كل هذه المكونات تحت تصرف فرد او فئة، مشيرا صراحة إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري ، وسأل صادق حزب الله "انتم تقولوا أنكم ضد الظلم والقهر ولكن لماذا انتم فقط ضد الظلم الخارجي ومع الظلم الداخلي حليفكم يمارس يوميا الظلم الداخلي".

وفي ما يلي نص الحوار :

*من اين تنطلقون في وصف الوضع القائم في لبنان؟

- هناك قضايا رئيسية ومرتبطة عضويا ببعضها، اولها القضية اللبنانية الوطنية، ولها بعدين، عربي وغير عربي، وهي اعتبار اسرائيل عدو أساسي ورئيسي للبنان وحلفاء اسرائيل وفي طليعتهم الولايات المتحدة الاميركية. ونعتقد ان على لبنان ان يتخذ موقفا ضد الهجمة الاميركية مراعيا مصالحه في هذا الاطار. والامر الاخر حول العلاقة مع سوريا، وهي تتسم بخلل فادح وينبغي تصحيحه باقامة حوار ندي بين الجانبين والعمل على جعل العلاقة صحية ومتعافية، ومقترنة برؤية استراتيجية لمواجهة العدو الخارجي سواء اكان اسرائيل او الولايات المتحدة. وبعد القضية الوطنية هناك القضية المحلية، طبعا الحكم الذي جاء بعد اتفاق الطائف لم يضع نصب عينيه تطبيق الطائف بعيدا عن الاستنسابية التي تعود لمصلحته، فالتركيبة السياسية التي حكمت بعد الحرب لم تطبق الاتفاق الا وفقا لمصالحها السياسية والاقتصادية، وللاسف الشديد لم يزل من الحرب الاهلية الا المتاريس الظاهرة اما المتاريس الخفية فبقيت قائمة في نفوس الناس وسياسيتها وتصرفاتها، الأمر الذي ابقى الحياة السياسية متوترة خصوصا ان زمام القيادة في العمل السياسي وضعت في يد سلطة الوصاية على لبنان. كل ذلك جعل السياسة في البلاد شبه مصادرة، وامسكت بها سلطة الوصاية والقيادة اللبنانية كانت طيعة، وتلتزم بسلطة الوصاية.


• ماذا عن الاسباب الداخلية الاقتصادية؟

- مما لا شك فيه ان المشروع المضطرب الذي اتبع من الطائف إلى الان في مقاربة القضايا الاقتصادية الاجتماعية كان مشروعا بالغ السؤ، مما ادى إلى ارتفاع حجم الدين العام ليقارب 200% من الناتج القومي.

• هل ترون ان "سياسة مضطربة" ادت إلى هذا الدين الهائل؟

- انها سياسة بشكل عام مضطربة، خاصة ان سلطة الروؤساء الثلاثة (الجمهورية ومجلس النواب والحكومة) محدودة أمام سلطة الوصاية، انما أيضا هناك توزيع بالمحاصصة للمغانم ، بدليل ان ما تم انفاقه على اعادة بناء البنى التحتية في لبنان لا يتجاوز واحد على ستة من الدين العام، اما باقي الدين فهو هدر ونهب، وهو كان يوزوع محاصصة على اركان السلطة اللبنانية وسلطة الوصاية. وهو ما ادى إلى ان يعيش البلد بحالة مأزقية. وهناك شبه اجماع من قبل الخبراء الاقتصاديين على ان البلد يعيش في شبه حالة إفلاس غير معلن عنها، وطاولت الازمة الاقتصادية كل المؤسسات ذات الصبغة الاجتماعية للمواطن اللبناني، وهو ما سيشكل عوامل اثارة واسعة للشعب، ولكن ومع الاسف دائما تطرح السلطة، محصنة بسلطة الوصاية، امورا تشغل المتضررين من سياساتها بقضايا طارئة ومفتعلة او من الخارج. والان الكل مشغول بالانتخابات مثلا.

• انتم طرف مشارك في لقاء (المعارضة) في البريستول، حيث هناك رأيين حول القرار الدولي الرقم 1559، فهل انتم مع او ضد التدخل الدولي في لبنان؟

- انا القيت الوثيقة في البريستول، واشرت إلى ان هناك تباينات في مواقف المعارضة، و هناك فروقات في الموقف من القرار الدولي 1559، ومن استعادة الجنوب اللبناني، ونحن لا نطالب بعودة الجيش إلى الجنوب بل بعودة مؤوسسات الدولة إلى ارض البلاد هناك.
الصراع بيننا وبين اسرائيل قائم منذ العام 1948 وكانت ثكنات الجيش موجودة في مرجعيون والخيام، ومن كان ليتهم هذه الثكنات بتأمين حماية لاسرائيل؟ ولماذا الان يمكن اتهام الجيش بتأمين الحماية لاسرائيل؟


• بالتالي انتم مع دخول الجيش إلى الجنوب اللبناني؟

- نعم، بلا ريب، ولكن مع اعتباره جزء من اجزاء هيكل الدولة، ومع دخول كل هيكل الدولة إلى الجنوب. وفي الجنوب اليوم قوتين امر واقع، تقومان بمقام الدولة على كل صعيد.

• قوتان امر واقع؟

- نعم، بالتحديد قوة امل، او بالاحرى رئيس مجلس النواب (نبيه بري)، وقوة حزب الله، متحالفان متألفان، والدولة اللبنانية بكاملها في الجنوب تقع بكاملها بقبضة نبيه بري تحديدا، من مستخدم بالمدرسة إلى الامن إلى القضاء إلى الامن إلى كل شيء.

• بهذا المعنى تعتقدون ان القرار الدولي 1559 هو الحل النهائي لهذا الوضع؟

- لا، ابدا، نحن ضد الرهان على الخارج أي كان هذا الرهان، فان رفضنا الرهان على بلد عربي شقيق فمن الاولى ان نرفض الرهان على دولة مثل الولايات المتحدة، وهي ضد مصالحنا القومية. وهذا القرار اعطي الصفة الشرعية، ونحن نتعامل معه بصفته قرار للشرعية الدولية، ولكننا نسأل من اين اتى هذا النشاط المتطرف نسبيا من دول الغرب في تنفيذ هذا القرار، بينما القرار 425 بقي 20 عاما، ولم يطبق الا بفضل المقاومة الوطنية والقوى الشعبية التي حررت البلاد. وبرغم انه اضفي عليه سمت الشرعية، الا انه يتضمن بنود ليست في مصلحة استقرار وامن هذا البلد، ولكن كونه يخاطب لبنان وسوريا، وبفعل سلوكهما غير السليم الذي شكل عامل من عوامل اصدار هذا القرار، وعلى كلا الدولتين ان تعمل بحكمة لمنع المجتمع الدولي من الضغط على لبنان، ولكن حتما ليس بالعناد.


• تابعتم ولا شك التقسيمات الإدارية للدوائر الانتخابية، فما تعليقكم عليها؟

- نحن نتحرك تحت سقف الطائف سياسيا، وهو قال باعتماد المحافظة شرط اعادة التقسيم الاداري بتحويل الاقضية إلى محافظات، وهو ما لم تبادر التركيبة الحاكمة إلى تنفيذه. وما دام لم يتم هذا الأمر فنحن لسنا مع المحافظة التي يسودها قانون "المحدلة" الذي عانينا منه الامرين في الجنوب تحديدا إلى البقاع إلى اقصى الشمال. ربما كانت الدائرة الفردية تعبر إلى حد بعيد عن توفير شروط صحة التمثيل، ولكن هذا الأمر قد يكون مستبعدا في لبنان. واتت العودة إلى قانون الانتخاب للعام 1960، وهي فترة من الحكم التي سادها شيء من الاصلاح خلال حكم الرئيس (فؤاد) شهاب، واستمر ما قبل الحرب الاهلية، ونحن الان التجأنا إلى خيار الضرورة بالعودة إلى القضاء كدائرة انتخابية، خاصة ان هذه التركيبة الحاكمة عملت على عدم تنفيذ ما جاء في اتفاق الطائف.

اضف إلى ما سبق انه لا يجوز اصدار قانون انتخاب كل اربعة اعوام، فالقوانين تتسم بالثبات النسبي، ثم انه لم يحصل ان يصدر قانون انتخاب قبل شهر او شهرين من الانتخابات، وعودوا إلى العام 2000 بعيد الانتخابات كل المسؤولين الرسميين اعلنوا انهم لن يتركوا امر البت بالقانون إلى اللحظات الاخيرة، وها هم الان يتركون كل شيء إلى اخر لحظة، وهذا امر مقصود.

* انتم اعتبرتم انه بموجب مشروع القانون الانتخابي لن يكون هناك صحة تمثيل، و بالتالي عمليا هناك تزوير فهل توافقون على ما ذهب إليه النائب وليد جنبلاط بالاتجاه إلى الأمم المتحدة في حال حصول تزوير؟

- يكتسب الوضع الانتخابي في لبنان اليوم سمتين بارزتين لم تكونا سابقا: السمة الأولى: في الماضي كانت المعارضة مشتتة، فنحن في الجنوب كان لدينا معارضة من دون أي علاقة بالمعارضة خارج الجنوب، السمة الجديدة في الانتخابات الراهنة انه يوجد هناك حركة معارضة متجهة لوحدة العمل و بالتالي الانخراط في العملية الانتخابية موحدة وأصبحت المعارضة تتحرك في سياق حركة عامة. السمة الثانية: هي دخول البعد الدولي على الانتخابات، في الماضي لم يكن هذا البعد بهذا العمق والزخم، دائما في لبنان منذ الاستقلال كان هناك بعد عربي مشتبك مع البعد الدولي في كل الانتخابات. وهذا امر لا يسعدنا. اما ألان الوضع اختلف اختلافا كبيرا أصبح البعد الدولي ثقل وحجم و أصبح المجتمع اللبناني تحت المجهر الدولي وبشكل حاد كما لم يحصل في الماضي. لذلك هذه السمة الثانية التي يتسم بها الوضع الانتخابي في لبنان.

* إذا اعتبرتم أن هناك تزويراً في الانتخابات ستلجأون إلى الأمم المتحدة؟

- لو سمحت لي، أولا وقبل كل شيء سوف نعتمد على العامل الداخلي ينبغي على المعارضة ان تخوض حملة شعبية واسعة جدا لرفض عملية التزوير اذا ما وقعت هنا في الداخل. ثم هذا الطوق الداخلي ينبغي أن يخرج إلى خارج حدود لبنان و بالتالي حتى نكشف لدى الرأي العام العالمي عملية التزوير التي حصلت وهذا أمر يقتضي ان يكون لنا علاقات مع الخارج دون ان يمس استقلال قرارنا بالعمل. نحن نناضل من اجل استعادة قرارنا الوطني من الخارج وليس فقط من سوريا والوطن العربي بل من كل الخارج و ليس من دولة دون أخرى.

اذا أردنا فقط استعادته من سوريا فالأولى ان نستعيده من الخارج الذي على عداء مع قضايانا الوطنية والقومية ويجب ان يكون حاسما يجب ان يكون هذا المر واضحا لان هذا المر ملتبس عند بعض المعارضة ينبغي ان نكون بمنتهى الحرص على الا يمس استقلال قرارنا الداخلي من أي جهة خارجية.

* تحدثت عن بعدين مستجدين في الانتخابات الحالية هل تعتقد ان المعارضة ستخوض هذه الانتخابات موحدة؟

نحن لم نخدع الناس وأنفسنا ان هناك تباينات في المعارضة قلنا هذا الأمر صراحة ولكننا قلنا انه ينبغي ان نغلب القواسم المشتركة بيننا على ما عداها خصوصا في العملية الانتخابية يجب على المعارضة ان تغلب المصلحة العامة على المصالح الفئوية او الشخصية بقدر ما يتم هذا الأمر اعتقد ان المعارضة ستنال مكاسب كبيرة في هذه الانتخابات.

* بالنسبة للقانون الجديد هل تعتقد أن المحدلة الانتخابية ستظل قائمة و لماذا لم تتعاونوا مع حزب الله في الماضي؟

- انتم أدرى، لم يعد الامر خافيا على احد هناك تباين بين حركة أمل وحزب الله ولكن هناك عاملين أساسيين في تحالفهما: العامل السوري والعامل الداخلي لكي تمنع قوى الاعتراض والممانعة – والتي هي بغالبيتها قوى يسارية – من ان تصل إلى السلطة ويوجد تلاقي مصلحي أيضا، علما بان المتضرر الأكبر هو حزب الله لأنه لا ينال مع هذا التالف الثنائي حقه كاملا. وعلى سبيل المثال في بنت جبيل معروف ان الغالبية من الناخبين لحزب الله و تقدر بـ 70% و فيها 3 مقاعد نيابية يأخذ منها نبيه بري مقعدين و مقعد لحزب الله. اذا هذا التالف تنفيذا لقرار سوري يحصل على حساب حزب الله لمصلحة نبيه بري.

وهكذا في بقية المناطق، نحن لسنا ضد التحالف ونحن ندعو إليه، وفي العام 96 كدنا نصل الى قرار كان قد غير خارطة الجنوب كله عبر تالف بيننا وبين حزب الله ولكن في اللحظة الأخيرة، ورغم أننا كنا قد حددنا موعد إطلاق اللائحة، واسألوا الشيخ نعيم قاسم، آتى القرار الفوقي- السوري - وانتهى كل شيء.

هذا يعني ان المشكلة ليست فينا، نحن منفتحون ونسأل حزب الله هنا، انتم تقولوا أنكم ضد الظلم والقهر ولكن لماذا انتم فقط ضد الظلم الخارجي ومع الظلم الداخلي حليفكم يمارس يوميا الظلم الداخلي.

* الا تعتقدون ان هذه المحدلة كما تسمون هي تعبير عن نسبة قوى موجودة في مجتمعها؟

- لا يوجد شيء في الخاص والعام لا يخضع لقانون نسبة القوى، كل شيء يجب ان يخضع لهذا الميزان نحن لسنا ضد التحالف ولكن الدولة لا يجب ان تكون مكرسة لمصلحة فرد او طرف سياسي الدولة ملك للمجتمع. المال العام يجب الا يصرف لمصلحة فرد او فئة، إدارات الدولة، القضاء، الأمن، يجب ان لا تكون كل هذه المكونات تحت تصرف فرد او فئة. اين الحرية للمواطن في الجنوب مزارع التبغ الجنوبي و هو يمثل 60% من المقيمين في الجنوب يعيشون على زراعة التبغ. عندما تكون مصلحة التبغ بكاملها من المدير العام حتى اصغر موظف بيد فرد واحد وهو نبيه بري يتحكم بهم هذا المواطن يبدأ بالخضوع من إعطائه الرخصة للزراعة إلى إعطائه السماد إلى تسليمه الإنتاج، ماذا تريد من هذا المواطن؟ انه مضطر لاستجداء (نبيه بري). اين ميزان القوى والحرية؟ كل ما نناضل من اجله هو ان نعيد للدولة استقلاليتها واحترام مؤسساتها ان لا يأتي رئيس هيئة تشريعية و يضع كل مقدرات الدولة في يده كما هو حاصل اليوم. ميزان القوى يجب ان يقوم على الشروط النعادلية، وعلى الدولة ان تكون محايدة تماما من القوى المتصارعة في لبنان.

* هل تعتقدوا ان انتخابات 2005 ستكون مختلفة عن الانتخابات السابقة؟

- اولا نظرا للبعدين المستجدين على الانتخابات الحالية نعتقد ان العملية ستكون مختلفة عن الماضي. ثانيا علينا ان ننتظر اقرار القانون في المجلس النيابي ومجلس الوزراء، فنبيه بري يريد القانون السابق والرئيس يريد القضاء، و لنرى ما هي توجيهات الاخوان في (سوريا) بالنسبة للموضوع. وطبعا هناك ادعاء يومي بعدم التدخل ،هل يعمل وزير الداخلية وحيدا هل هي مناورة لننتظر و نرى.

المنبر الديموقراطي في سطور

انطلق المنبر الديموقراطي على خلفية ما سبقه من تحركات سياسية كانت تتخذ المركز الثقافي للبنان الجنوبي مقرا لها، ومنها الحركة الشعبية الديموقراطية وغيرها، واواخر العام 2000 بدا تحرك جديد من قوى ذات طابع عام جغرافيا وسياسيا، ولكنها تتخذ الطابع الديموقراطي التغييري، وشكلت المنبر الذي يعتبر نفسه مساحة للتلاقي على العمل من اجل اسهام للتغيير الديموقراطي للحالة القائمة في لبنان. وتم اطلاق الوثيقة التأسيسية للمنبر الديموقراطي العام 2001 ووقع عليها المئات ن الشخصيات السياسية والنقابية والثقافية والحزبية. واعد المنبر عدة وثائق حول القضية الفلسطينية والعراق.