نبيل شرف الدين من القاهرة: في الوقت الذي يتطلع فيه الصحافيون المصريون إلى رفع القيود القانونية والإدارية التي أثقلت كاهل المهنة والعاملين بها، ومع دخول التعديل القانوني الذي استبشروا به خيراً بحظر الحبس في قضايا النشر، سرداب البيروقراطية، خرج التقرير الدوري الذي يعده سنوياً المجلس الأعلى للصحافة في مصر، والذي وصفه القائمون عليه بأنه يشكل "محاولة لمراجعة الذات، ووقفة مع أساليبها للاستمرار في التطوير والحرص على اكتساب قراء جدد، بحيث لا تتوقف فقط عند قرائها الحاليين أو تتراجع عن سلم أولوياتهم"، حسب ما ورد في صدارة التقرير الذي تجاهل الإشارة إلى مناخ غياب تداول المعلومات من السلطات العامة ومؤسسات الدولة للصحافة، أو حصرها على فئة من المتعاونين مع شتى أجهزة الدولة من المحررين المعروفين بمندوبي الوزارات، والمتهمين بالقيام بدور دعائي للسلطة .

صحف الحكومة

ورصد التقرير الحكومي مسيرة الصحافة المصرية خلال العام المنصرم، سواء القومية أم الحزبية، أم المستقلة، واستحوذت الصحف القومية (الحكومية) ـ كما يشير التقرير ـ على ثلث مجمل أخطاء الصحافة، إذ اعتبرها التقرير تخلط بين الإعلان والإعلام في نشر المادة التحريرية، كما رصد التقرير ملاحظاته على كافة الصحف، ليس فقط حصريا على مدار العام المنصرم، ولكن على مدار كل شهر منه، حتى أتخمت صفحاته بالعديد من الملاحظات، التي يطالب المجلس دوما بأن تنشرها الصحف لقرائها، لإطلاعهم على تقييم التجربة الصحافية من داخلها، وعموما فإن هذه الملاحظات فضلا عن نشر الأخبار المجهلة تتركز أيضا في عدم مراعاة آداب نشر الإعلان الصحافي نفسه، بالشكل الذي يكاد يغيب عنه في كثير من الأحيان ضوابط المجتمع وقيمه واعتماده على الإثارة بنشر الصور العارية، إضافة إلى ترويج بعض الصحف لخرافات، اعتمدت فيها على إثارة القارئ، فيما اعتبر التقرير أن هناك صحفا قليلة للغاية راعت احترام القارئ وذكرها التقرير بالاسم وهي صحف "الأهالي"، و"الأحرار"، و"العربي" وهي الصحف الثلاث الصادرة عن أحزاب "التجمع" و"الأحرار" و"الناصري"، وهي كبرى أحزاب المعارضة في مصر.

وفي سياق رصده للممارسة الصحافية في الصحف القومية اليومية أظهر التقرير أن صحيفة "الأهرام" ـ وهي كبرى الصحف المصرية ـ أتت في المقدمة مسجلة 262 ملاحظة بنسبة 39% تليها "الجمهورية" بعدد 166 ملاحظة بنسبة 7.24%، وفي المركز الثالث جاءت جريدة "الأخبار" بعدد 138 ملاحظة بينما جاءت "المساء" في المركز الرابع مسجلة 73 ملاحظة، تلتها "الأهرام المسائي"، في المرتبة الأخيرة، وسجلت 32 ملاحظة بنسبة 8.4% ، وفق ما أورد ذلك تقرير المجلس .

صحف المعارضة

ورغم هذه الانتقادات التي وجهت إلى مجمل أداء الصحف المصرية، فقد سجل التقرير أيضاً أن صحف أحزاب المعارضة تحتل المرتبة الأولى في عدم توثيق المعلومات كأعلى معدل للملاحظات المسجلة تأتي بعدها الملاحظات المتعلقة بعدم مراعاة آداب نشر أخبار الجريمة والتي وصلت في أحد الشهور إلى 33 ملاحظة، بينما جاء في المرتبة الثالثة عدم مراعاة الآداب العامة والذوق العام 30 ملاحظة، والترويج للخرافة والجدل في المرتبة الرابعة، فيما سجل عدم مراعاة آداب نشر الإعلان المرتبة الأخيرة في هذه الملاحظات للصحف الحزبية. ولا يختلف الصحافيون والأكاديميون ذوو الصلة على أن احتلال عدم توثيق المعلومات المرتبة الأولى للصحف الحزبية أو المعارضة عموما سببه الأساسي حجب المعلومات ومنها الأرقام عن الصحافيين خاصة إذا ارتبط الأمر بالأنشطة المعارضة لسياسة الحكومة وخاصة في مجال الاقتصاد، ويرجع الخبراء ذلك إلى القلق الذي ينتاب الموظف أو الكادر الحكومي عموما مع تسريب الأرقام والمعلومة إلى الصحف، مما يهدد الكثير منهم بالمعاقبة من رؤسائهم في الوقت الذي يخالف ذلك حق المواطن الطبيعي في معرفة ما يدور حوله، فضلا عن أحقية الصحافي في الحصول على المعلومة وتقديمها إلى قرائها باستثناء ما يتعلق منها بالأمن القومي.

كما احتلت الصحف الحزبية أيضاً خلال شهر واحد المرتبة الثانية بعد الحكومية من حيث الممارسة الصحافية، في الوقت الذي حصدت فيه الصحف القومية الأسبوعية 194 ملاحظة موزعة على 12 صحيفة وعلى أربعة معايير هي عدم توثيق المعلومات وعدم مراعاة آداب نشر أخبار الجريمة، وعدم مراعاة آداب نشر الإعلان وعدم مراعاة الآداب العامة والذوق العام، غير أن اللافت في هذه الصحف أنها خلت من ملاحظات عدم احترام الحياة العامة، وعدم احترام الأديان، في ما سجل التقرير هذه الملاحظات على الصحف الأخرى، خاصة تلك الصادرة بتراخيص أجنبية والتي أدرجت العام الماضي لأول مرة ضمن ملاحظات المجلس الأعلى للصحافة الأمر الذي يوجب مراجعة هذه الصحف من قبل جهات الموافقة المختصة .

وفي القراءة الشاملة للتقرير، فإن ملاحظاته بشكل شهري عن الصحف كافة تعطي مؤشرات يمكن الاعتماد عليها في تقييم الالتزام بميثاق الشرف الصحافي، ففي شهر واحد وهو كانون الثاني (يناير) من العام الماضي، رصد التقرير ألفاً و978 ملاحظة، احتلت فيها الصحف القومية موقع الصدارة في الالتزام بميثاق الشرف الصحافي، فيما بلغت الملاحظات عليها في هذا المعيار ،671 تليها الصحف الحزبية بنسبة 3.23% وفي المركز الثالث جاءت الصحف الخاصة بنسبة 2.12%، ثم الصحف القومية الأسبوعية بنسبة 8.9%، ثم الصحف المحلية بنسبة 9.7% وفي المراكز الأخيرة احتلت الصحف العامة والصادرة بلغة أجنبية بنسبتين متقاربتين هما 7.1% و3.1% ، كما ورد في تقرير المجلس الأعلى للصحافة في مصر.

وطالب الصحافيون في مصر مراراً بإلغاء النصوص القانونية التي تقضي بمعاقبة صاحب الرأي بالسجن كما لو كان مجرماً. لأن في هذه النصوص ـ التي تطبق بالفعل كما نرى ـ تهديداً للحريات العامة، وقمعاً لحرية الرأي والعقوبات التي يقترحها الصحافيون كان معمولاً بها وتوجد نصوص ومواد في القوانين العامة تشملها وتقضي بالغرامات المالية الكبيرة في قضايا القذف والسب، وكذا حرمان الصحافي من ممارسة المهنة وشطبه من جدول النقابة لكن بقرار من النقابة ذاتها، وفي حال إخلاله بواجبات عمله أو استغلال حرية التعبير في تحقيق مآرب شخصية .