في ختام جولته الشرق أوسطية وعلى هامش منتدى دافوس
شرم الشيخ تشهد اللقاء الأخير لبوش الراحل ومبارك الباقي
كتب ـ نبيل شرف الدين: لعلها المناسبة الرسمية الأخيرة التي تجمع الرئيسين المصري حسني مبارك والأميركي جورج بوش الذي يختتم جولته في المنطقة بزيارة منتجع quot;شرم الشيخquot; للمشاركة في فعاليات المنتدى الاقتصادي العالمي حول الشرق الأوسطrlm;,rlm; المعروف اصطلاحاً باسم منتدي دافوس الاقتصاديrlm; .
وبالطبع فهناك حزمة من الملفات الشائكة التي يمكن أن يتحدث عنها الدبلوماسيون الأميركيون والمصريون، باعتبار أنها ستتصدر quot;أجندة المحادثات الرئاسيةquot;، لكن الحقيقة الدامغة في هذا السياق التي لن يتحدث عنها أحد بشكل رسمي، لكنها ستراود مخيلة أي مراقب للعلاقات المصرية ـ الأميركية، خاصة في عهد رئاسة بوش، وهي أن الأخير يتأهب للرحيل بينما نظيره المصري سيبقى في موقعه حتى آخر يوم في حياته، فضلاً عن أنه استطاع أن يثبت لبوش أن أحلامه بإمكانية تغيير أسس الحكم في المنطقة وأنظمتها هي مجرد خرافة يصعب تحقيقها على صعيد الواقع، حتى لو كانت أميركا هي من يتصدى لهذا .
وتأتي زيارة بوش ومحادثاته المرتقبة مع نظيره المصري بعد مرحلة من الفتور والخلافات المكتومة، انتهت مؤخراً بانفراجة ملموسة بعد أن عدلت واشنطن عن التلويح بتقليص مساعداتها العسكرية والاقتصادية لمصر، وخاصة في ظل الدور المحوري الذي تحتاج واشنطن من القاهرة أن تلعبه في عدة ملفات إقليمية شائكة، وفي الصدارة منها ملف التسوية السلمية الإسرائيلية ـ الفلسطينية، فضلاً عن ملفات العراق ولبنان وإيران والسودان وغيرها من الملفات الملتهبة .
الباقي والراحل
وسيتوقف التأريخ للعلاقات بين القاهرة وواشنطن طويلاً أمام حقبة quot;ولاية بوشquot;، لكي يسجل تراجعاً وتقدماً، صعوداً وهبوطاً، وحالات من الارتباك التي ضربت العلاقات طوال تلك الأعوام، غير أنها مضت وخلصت إلى نتيجة نهائية واضحة، انتصرت فيها رؤية أنظمة الحكم العتيدة في الشرق الأوسط، والتي طالما سخر عرابوها من quot;نبوءات بوشquot; وإدارته بشأن التحول الديمقراطي، والإصلاح السياسي واحترام حقوق الإنسان والحكم الرشيد وغير ذلك من الوعود التي يمكن الجزم بأن أياً منها لم يتحقق، بل حتى لا يبدو في وارد التحقق في المدى المنظور على الأقل .
هذا المعنى أشارت إليه صحيفة quot;واشنطن بوستquot; الأميركية التي وصفت الرئيس المصري حسني مبارك بأنه quot;الحاكم الذي لم يكتف بتحدي أجندة الحرية الخاصة ببوش، وإنما أجبر الإدارة الأميركية على العودة إلى مساندة الحكومات السلطويةquot;، حسب الصحيفة الأميركية .
وفي سياق تعليقها على اللقاء الذي يجمع الرئيس مبارك بنظيره الأميركي جورج بوش، خلال جولته الحالية في الشرق الأوسط، قالت الصحيفة في افتتاحيتها quot;إنه لا يوجد الكثير أمام بوش ليفعله لمواجهة كل هذه الانتكاسات خلال جولته خاصة ما يتعلق بعملية السلام أو أحداث لبنان، لافتة إلى أنه quot;ليس من الواضح أنه حتى سيحاول بذل مجهود جدي، وأن مبارك قد يشعر ببعض الحرج على الأقل إذا دعا الرئيس الأميركي علانية خلال زيارته لمصر للإفراج عن السجين السياسي أيمن نور مثلاً، معتبرة أن بوش في ما يبدو لم يعد متحمساً كثيراً لمثل هذه القضاياquot;، كما تقول الصحيفة .
ويرى مراقبون في القاهرة أنه منذ عودة العلاقات بين البلدين عقب حرب تشرين الأول (أكتوبر) 1973 فقد حرصت كل من مصر والولايات المتحدة على صيغة تأسيسها وفق الأهداف والمصالح المشتركة, وفي الوقت ذاته الاهتمام بإعلاء جوانب الاتفاق، مع تخفيف الخلافات على قاعدة كون الولايات المتحدة قوة دولية رئيسة، ومصر قوة إقليمية مهمة لا يمكن تجاوزها في إطار المعادلات السياسية في المنطقة .
متشائمون ومتفائلون
وفي ما يرى مراقبون أن لقاء الرئيسين الأميركي والمصري يأتي في وقت تجاوزت فيه علاقات البلدين أكثر أحوالها توتراً، بعد خلافات حول دور مصر الاقليمي، ورفض ممارسة الضغوط على الحكومة الاسرائيلية لإبداء الحد الأدنى من المرونة تجاه الفلسطينيين لإعادة استئناف مسيرة التسوية، فضلاً عن الانتقادات المصرية والحملة الدبلوماسية التي قادها مبارك ضد المشروع الاميركي للإصلاح المسمى بمبادرة الشرق الاوسط الكبير ودعت الى اصلاحات داخلية غير مفروضة من الخارج، وقيام القاهرة بطرح مشروع بديل للإصلاح في المنطقة .

ويروج فريق من المحللين السياسيين المقربين من دوائر السلطة في مصر لوجهة نظر مفادها أن المحافظين الجدد المرتبطين بادارة الرئيس بوش يضعون مصر نصب أعينهم منذ أمد طويل بسبب علاقتها الفاترة مع إسرائيل، غير أن فريقاً آخر يرجع الأمر إلى ما يصفونه بالجمود الذي يحول دون إجراء أي إصلاح في النظام السياسي المصري الذي لم يشهد انتقالا ديمقراطيا للسلطة طوال ما يزيد على نحو نصف قرن، ولا يبدو ذلك ممكناً في المدى القريب .

غير أن مراقبين آخرين أكثر تفاؤلاً رأوا أن الرئيس الأميركي جورج بوش سيكون خلال هذه الزيارة (الأخيرة) أكثر اهتماما بالاستماع إلى ما سيقوله الرئيس المصري بالنظر إلى المصاعب المتنامية التي تواجهها الولايات المتحدة في المنطقة عموماً، والوضع في العراق على نحو خاص، وبتقديرهم أيضاً فإن لهذا السبب اختار بوش أن تكون محادثاته مع مبارك في نهاية جولته الشرق أوسطية كي يصبح أمامهما متسع من الوقت للحوار وتبادل وجهات النظر بغية التوصل إلى نتائج ملموسة وإعادة التأكيد على أهمية التعاون المصري الأميركي، وإعادة بناء أسس للتفاهم بين البلدين، خاصة في أعقاب ما شهدته العلاقات من مشكلات وأزمات خلال السنوات الماضية وفق رؤية هذا الفريق المتفائل من المراقبين، الذي يرى أن مصر استعادت دورها التاريخي في قلب السياسة العربية، الأمر الذي من شأنه أن يتيح لها الحديث مع واشنطن مدعومة بثقل سياسي كبير كممثل للتيار الأكبر من الأنظمة الحاكمة في المنطقة العربية .

وتعليقاً على هذا الأمر يرى الدكتور عبد المنعم سعيد مدير مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ان الأميركيين باتوا quot;يحتاجون مصر لمواصلة جهودهم في تهدئة الامور في المنطقة المتوترة أساساً، حتى تجري انتخابات الرئاسة الأميركيةquot;، وأعرب عن اعتقاده quot;بأنه توجد أسباب عديدة لجعل الأميركيين أكثر اعتدالاً، فلديهم ما سيطلبون من المصريين مساعدتهم فيه في هذه المرحلة تحديداًquot;، حتى أنه لم يستبعد أن يزور الرئيس المصري الولايات المتحدة قبيل نهاية ولاية بوش الرئاسية .