&
القاهرة- نبيل شرف الدين: هذا الأسبوع، تكون قد مرت عشرون سنة بالتمام والكمال على سجن أشهر سجين سياسي في مصر، وهو عبود الزمر، وبدلاً من الإفراج عنه بعد انتهاء عقوبته، قررت وزارة الداخلية المصرية نقله من سجن طره بعيداً عن رفاق عمره من مؤسسي تنظيمي الجماعة الإسلامية والجهاد المحظورين في مصر، ونقل بالفعل عبود الزمر لسجن أبو زعبل، ليبدأ من جديد مع رفاق جدد، معظمهم لا يعرف الكثير عن هذا الضابط السابق الذي قاد أبرز التنظيمات الأصولية في مصر وهو تنظيم "الجهاد"، وشارك في التخطيط لاغتيال الرئيس المصري الراحل أنور السادات في حادث المنصة الشهير عام 1981.
وكان عبود قد حكم عليه بالأشغال الشاقة لمدة 20 عاما في قضية اغتيال السادات، و 15 عاماً أخرى في قضية تنظيم الجهاد وطبقا للقانون فإن العقوبة الأكبر تجب العقوبة الأصغر
ولا يتوقع المراقبون أن تطلق السلطات المصرية سراح الزمر الآن خاصة في ظل الظروف الأمنية الحالية بعد التطورات الأخيرة الخاصة بالهجمات التي وقعت في الولايات المتحدة وما أعقبها من هجمات على أفغانستان، بالإضافة إلى ما أعلنت عنه وزارة الداخلية المصرية من اكتشاف تنظيم إرهابي ينتمي إلى تنظيم القاعدة ويحركه أيمن الظواهري، ويضم العشرات من أعضاء تنظيم الجهاد الموالين للزمر والظواهري.
وتعتزم أسرة الزمر في حالة عدم الإفراج عنه إقامة دعوى قضائية أمام القضاء الإداري ضد وزارة الداخلية، لتبدأ جولة طويلة من إجراءات التقاضي قبل أن يُفصل فيها.
جدير بالذكر أن معظم الأصوليين المصريين المحكومين في قضية اغتيال السادات والذين انهوا مدة عقوبتهم أعيد اعتقالهم بموجب قانون الطوارئ ولم يتم الإفراج عنهم
ولم ينقل عبود الزمر وحده من السجن الذي أودع فيه منذ إدانته قبل& عشرين عاماً، لكن جرى نقل ثمانية مسجونين معه، أبرزهم ابن عمه وشقيق زوجته طارق الزمر (المتهم رقم 14 في قضية اغتيال السادات)، وأسامة قاسم (المتهم رقم 16)، وصالح جاهين (المتهم رقم 12)، ومحمد إمام محمد حسن وغيرهم، والملاحظ أنهم جميعاً من القيادات المؤسسين لجماعة "الجهاد"، والذين كانوا يتبعون فكرياً وتنظيمياً محمد عبد السلام فرج، منظر الجهاد الذي أعدم، وكان يطلق عليهم "مجموعة ناهيا" نسبة لبلدة ناهيا موطن "آل الزمر" الأصلي، وهي مجموعة لها تمايزها الفكري والحركي عن "الجماعة الإسلامية" التي نشأت في الصعيد بقيادة كرم زهدي وناجح إبراهيم وعاصم عبد الماجد وغيرهم ممن جرى الإبقاء عليهم في "سجن طره"، وهو أمر له دلالته.
لكن يبقى السؤال عن أسباب نقل الزمر ومجموعته، وبلغة السجون المصرية، "تغريبهم" عن السجن الذي قضوا فيه عشرين عاماً، وعن رفاقهم الذين شاركوهم التحالف الأصولي الأول، كما شاركوهم المأكل والملبس وكافة الأنشطة الحياتية خلف القضبان كل هذه السنوات الطويلة، يبقى لغزاً لم يكشف عنه أحد حتى الآن، فإدارة السجن أبلغت زوجة عبود بأن هذا النقل مؤقت لإجراء بعض الترميمات في الزنازين التي يقيم فيها عبود مع رفاقه الثمانية الذين جرى "تغريبهم" معه من سجن طره لسجن "أبو زعبل"
من جهة أخرى لم تقدم أي جهة رسمية تفسيراً لهذا القرار، كما امتنعت أيضاً المصادر الأصولية عن الإفصاح أو حتى التطرق للأسباب التي أدت لهذا القرار الذي لم تتخذه سلطات السجون حتى في أحلك ظروف المواجهة الدامية بين الأمن والجماعات الأصولية طيلة السنوات الماضية، فماذا حدث بعد أن توقفت عمليات العنف في مصر تماماً للعام الرابع على التوالي حتى يجري تغريب عبود ورفاقه على هذا النحو.. ولا أحد يعرف حتى الآن، لكن ربما تكشف الأيام القادمة عن حقيقة ما حدث أو خلفياته.
سيرة ذاتية
وفي البداية لابد من إلقاء بعض الأضواء على تلك الشخصية ذات الدور الأسطوري في تاريخ الحركات الأصولية في مصر.. عبود الزمر..الضابط الذي أصبح أميراً للجهاد كان ترتيبه الحادي عشر في لائحة المتهمين باغتيال السادات التي ضمت 24 متهماً، وجاء ترتيبه بعد الشيخ عمر عبد الرحمن مباشرة الذي كان المتهم العاشر في نفس القضية.
وجاء ترتيبه أيضاً بعد عمر عبد الرحمن في قضية تنظيم الجهاد الكبرى رقم 162 لسنة 1982، والتي ضمت 343 متهماً من بينهم 41 حدثاً، لكنه شغل في هذه القضية موقع "المتهم الثاني"، بعد أن انفرد الشيخ عمر عبد الرحمن بصدارة لائحة الاتهام.
ورغم ذلك.. كان الخلاف - منذ اغتيال السادات - واضحاً وعنيفاً بين عبود الزمر والشيخ عمر عبد الرحمن 00 فقد كان التحالف الأول انفض بينهما لحظة أريق دم السادات في حادث المنصة في& 6 أكتوبر سنة 1981، ومن يومها كان هناك صراع مكتوم بين الرجلين، لم يشأ أي منهما، أو من أتباعهما التصريح به علانية، حتى كانت المعركة الشهيرة باسم معركة "الضرير والأسير"، حينما قال عبود الزمر بألا "ولاية لضرير"، في إشارة للشيخ عمر عبد الرحمن الذي رد بأنه لا ولاية لأسير أيضاً في إشارة لسجن الزمر.
ويقول ملفه الأمني أن اسمه بالكامل : عبود عبد اللطيف حسن الزمر، كان ضابطاً متميزاً وصل حتى رتبة "مقدم" في المخابرات الحربية، وهو ابن أسرة عريقة في الجيزة.. بها سياسيون وعسكريون وقضاة وإعلاميون ورجال أمن وتجار.
وكان عبود منذ تخرجه في الكلية الحربية معروفاً بولعه بالرياضة وخاصة الفروسية، فضلاً عن حبه للقراءة، لم ينخرط في أية تنظيمات حتى التقى بالمهندس محمد عبد السلام فرج في صيف عام 1980 حينما عرفه به ابن عمه وشقيق زوجته طارق الزمر الذي اتهم ودين معه في ما بعد في نفس القضية التي هزت مصر بأسرها في تلك الأيام.
ويلخص عبود بدايته مع الحركات الأصولية في أقواله أمام النيابة العامة في قضية الجهاد الكبرى 1981، حين يقول : "توصلت من خلال قراءاتي في كتب السلف إلى مشروعية الخروج على الحاكم الذي لا يطبق شرع الله، وظل هذا الأمر فكرة مجردة حتى تحول إلى واقع حينما التقيت محمد عبد السلام فرج تبلورت بعد مناقشات طويلة بيننا فكرة تأسيس جماعة تكون بمثابة نواة ننطلق منها لإقامة الدولة الإسلامية".
وبلا شك أن عبود الزمر قد استفاد كثيراً، وأفاد "تنظيم الجهاد" بالتالي، من خبراته العسكرية، فقد شارك وهو لم يزل برتبة ملازم أول في حرب الاستنزاف، وكان أحد أفراد القوات الخاصة "الكوماندوز" المكلفين بالإبرار خلف خطوط العدو في حرب أكتوبر 1973، وبعد انتهاء الحرب رشح للعمل في المخابرات الحربية، وظل بها حتى أسس مع فرج "تنظيم الجهاد"، وتتضارب المعلومات حول طبيعة عمله في المخابرات، ودون الخوض في تفاصيل حول دوره في الجهاز، تبدو رواية أحد أقربائه هي الأقرب للمنطق، حيث يؤكد أنه كان مسؤولاً عن تدريب العناصر المسؤولة عن المهام القتالية الخاصة، تؤكد ذلك شهادة التقدير التي لازالت معلقة في صالة منزل أسرته، وتشير وثيقة "تطور الحركة الإسلامية"، وهي إحدى الوثائق السرية لحركة الجهاد، إلى حصول عبود الزمر أثناء خدمته على عدد من الفرق والدورات التدريبية من أبرزها فرقة الصاعقة والمظليين والرماية والاستطلاع والأمن والطبوغرافيا وغيرها من الخبرات والمهارات القتالية.
وفي البداية لابد من إلقاء بعض الأضواء على تلك الشخصية ذات الدور الأسطوري في تاريخ الحركات الأصولية في مصر.. عبود الزمر..الضابط الذي أصبح أميراً للجهاد كان ترتيبه الحادي عشر في لائحة المتهمين باغتيال السادات التي ضمت 24 متهماً، وجاء ترتيبه بعد الشيخ عمر عبد الرحمن مباشرة الذي كان المتهم العاشر في نفس القضية.
وجاء ترتيبه أيضاً بعد عمر عبد الرحمن في قضية تنظيم الجهاد الكبرى رقم 162 لسنة 1982، والتي ضمت 343 متهماً من بينهم 41 حدثاً، لكنه شغل في هذه القضية موقع "المتهم الثاني"، بعد أن انفرد الشيخ عمر عبد الرحمن بصدارة لائحة الاتهام.
ورغم ذلك.. كان الخلاف - منذ اغتيال السادات - واضحاً وعنيفاً بين عبود الزمر والشيخ عمر عبد الرحمن 00 فقد كان التحالف الأول انفض بينهما لحظة أريق دم السادات في حادث المنصة في& 6 أكتوبر سنة 1981، ومن يومها كان هناك صراع مكتوم بين الرجلين، لم يشأ أي منهما، أو من أتباعهما التصريح به علانية، حتى كانت المعركة الشهيرة باسم معركة "الضرير والأسير"، حينما قال عبود الزمر بألا "ولاية لضرير"، في إشارة للشيخ عمر عبد الرحمن الذي رد بأنه لا ولاية لأسير أيضاً في إشارة لسجن الزمر.
ويقول ملفه الأمني أن اسمه بالكامل : عبود عبد اللطيف حسن الزمر، كان ضابطاً متميزاً وصل حتى رتبة "مقدم" في المخابرات الحربية، وهو ابن أسرة عريقة في الجيزة.. بها سياسيون وعسكريون وقضاة وإعلاميون ورجال أمن وتجار.
وكان عبود منذ تخرجه في الكلية الحربية معروفاً بولعه بالرياضة وخاصة الفروسية، فضلاً عن حبه للقراءة، لم ينخرط في أية تنظيمات حتى التقى بالمهندس محمد عبد السلام فرج في صيف عام 1980 حينما عرفه به ابن عمه وشقيق زوجته طارق الزمر الذي اتهم ودين معه في ما بعد في نفس القضية التي هزت مصر بأسرها في تلك الأيام.
ويلخص عبود بدايته مع الحركات الأصولية في أقواله أمام النيابة العامة في قضية الجهاد الكبرى 1981، حين يقول : "توصلت من خلال قراءاتي في كتب السلف إلى مشروعية الخروج على الحاكم الذي لا يطبق شرع الله، وظل هذا الأمر فكرة مجردة حتى تحول إلى واقع حينما التقيت محمد عبد السلام فرج تبلورت بعد مناقشات طويلة بيننا فكرة تأسيس جماعة تكون بمثابة نواة ننطلق منها لإقامة الدولة الإسلامية".
وبلا شك أن عبود الزمر قد استفاد كثيراً، وأفاد "تنظيم الجهاد" بالتالي، من خبراته العسكرية، فقد شارك وهو لم يزل برتبة ملازم أول في حرب الاستنزاف، وكان أحد أفراد القوات الخاصة "الكوماندوز" المكلفين بالإبرار خلف خطوط العدو في حرب أكتوبر 1973، وبعد انتهاء الحرب رشح للعمل في المخابرات الحربية، وظل بها حتى أسس مع فرج "تنظيم الجهاد"، وتتضارب المعلومات حول طبيعة عمله في المخابرات، ودون الخوض في تفاصيل حول دوره في الجهاز، تبدو رواية أحد أقربائه هي الأقرب للمنطق، حيث يؤكد أنه كان مسؤولاً عن تدريب العناصر المسؤولة عن المهام القتالية الخاصة، تؤكد ذلك شهادة التقدير التي لازالت معلقة في صالة منزل أسرته، وتشير وثيقة "تطور الحركة الإسلامية"، وهي إحدى الوثائق السرية لحركة الجهاد، إلى حصول عبود الزمر أثناء خدمته على عدد من الفرق والدورات التدريبية من أبرزها فرقة الصاعقة والمظليين والرماية والاستطلاع والأمن والطبوغرافيا وغيرها من الخبرات والمهارات القتالية.
الأسير والضرير
وأيّاً كان الأمر فالثابت أن خبرة عبود العسكرية والاستخباراتية منحته القدرة على الرصد والتحليل، فضلاً عن المهارات القتالية والتخطيط الميداني، وكلها أدوات كان يفتقد لها أغلب العناصر الأصولية التي ساهمت في تأسيس تنظيمي الجهاد أو الجماعة الإسلامية.
ويؤكد هذه الخبرات تقرير رسمي أعدته لجنة أمنية رفيعة عقب أحداث أسيوط عام 1981، تشكلت من ثلاثة قيادات أمنية هم : اللواء حسن أبو باشا "وزير الداخلية المصري الأسبق الذي كان يشغل حينئذ منصب رئيس جهاز مباحث أمن الدولة"، واللواء فاروق الحيني مدير الأمن العام، واللواء عبد الرحمن الفرماوي قائد قوات الأمن المركزي، الذين تناولوا دور عبود في& التأصيل الفقهي لمبدأ السرية والعلم بقدر الحاجة، وهو أحد أهم المبادئ التي تحكم العمل السري في كافة أجهزة المخابرات في العالم، حيث يقول التقرير أن عبود الزمر تعامل مع التنظيم باحتراف حيث كان يلقن عناصره محاضرات في الأمن، مستنداً للقاعدة الشرعية التي تنص أن "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه إلى ما يعنيه"، ويترتب على ذلك أن يقتنع عناصر التنظيم بأنه لا ينبغي لهم طرح تساؤلات عما يتجاوز دور كل منهم، أو التكليف المنوط بهم.
ويمضي التقرير الوثيقة مشيراً إلى أن عبود رسّخ& عدة مبادئ، منها ألا يسأل عضو التنظيم حتى زميله عن مهمته المكلف بها، وليس له الحق في الحديث عن شئون الجماعة مع أحد مهما كانت درجة قرابته، فضلاً عن تعليم أعضاء التنظيم قواعد التعامل مع الشفرة وفك رموزها وتغييرها بصفة دورية، وضرورة أن يتخذ كل عضو اسماً حركياً أطلق عليه تعبيراً له جذوره التراثية هو "اسم الكنية"، وهو بهذا حسب التقرير قام بمهمة "التأصيل الفقهي للأمن"، وهو ما يعترف به عبود صراحة في تحقيقات قضية الجهاد الكبرى بقوله :
"كانت لقاءاتي مع الاخوة تتم بشكل فردي، وغير متتابع درءاً للشبهات، وكنت أحذرهم من اللغو، والدخول في مناقشات أو& جدل عقيم، ليس لزرع الشك في نفوسهم تجاه بعضهم البعض، لكن لأنه من الوارد أن تكون هناك أجهزة تنصت قد زرعت هنا أو هناك، كما أنني لم أُسقط من حساباتي مساحة للضعف البشري الوارد ".
وبديهي أن يصطدم رجل يمتلك هذا القدر من الحس الأمني الاحترافي، مع شخصية محورها "كاريزما المنبر" والقبول الجماهيري مثل الشيخ عمر عبد الرحمن، فعلى امتداد المسافة التي تفصل بين سجن يقع على أطراف القاهرة.. وسجن آخر يقع على الحدود الأمريكية الكندية ، تتسع دائرة الغموض الذي يلف علاقة السجينين المصريين الأشهر .. سجين "أبو زعبل" عبود، وسجين "روشيستر"عبد الرحمن، وكان منطقياً أن يدب بينهما خلاف أشارت مصادر أصولية مصرية إلى أن الذي فجره بالأساس عصام القمري، الضابط السابق الذي انخرط في تنظيم الجهاد، والذي قتل أثناء محاولته الهروب من السجن في عملية وصفت حينئذ بعملية "الهروب الكبير"، والذي كان يرى أن حلفائهم من قادة "الجماعة الإسلامية" ينفردون بسلطة اتخاذ القرار داخل التحالف الأصولي دون الرجوع إليهم، أو إقامة أي اعتبار لهم أو لدورهم التاريخي والحركي.
وهذا يعيدنا مرة أخرى إلى عبود الزمر الذي كان قد اعترف في تحقيقات قضية اغتيال السادات بأن ضلوعه في هذه العملية لم تكن محاولته الأولى، فقد سبقتها محاولة خطط فيها لتفجير معسكر بالإسكندرية أثناء زيارة السادات له، وذلك من خلال سيارة نقل محملة باسطوانات البوتجاز، وأن هذه التفجيرات سوف تتزامن مع عملية اقتحام لمبنى الإذاعة والتلفزيون المصري لإعلان بيان الثورة الإسلامية، إلا أن هذا المخطط لم ينفذ لعدم زيارة السادات يومها للمعسكر الذي خطط عبود الزمر وأتباعه لاغتياله فيه حينئذ.
ولم تكن هذه الاعترافات وحدها التي استندت إليها مباحث أمن الدولة في وصفها لدور عبود في مذكرة المعلومات التي قدمتها للنيابة حينذاك، فلم تكن تخلو أقوال متهم واحد بين المئات من المتهمين الذين شملتهم القضية من ذكر دور لعبود، مما حدا بالمباحث لوصفه بأنه أحد أبرز القيادات في تنظيم "الجهاد"، وأنه عضو مجلس شورى التنظيم، ورأسه المدبر، والمسؤول عن الجناح العسكري فيه، كما أنه تولى تدريب أعداد كبيرة من عناصر التنظيم على استخدام الأسلحة والمتفجرات، تمهيداً لتكليفهم بمهمة السيطرة على مرافق الدولة عقب اغتيال الرئيس المصري الراحل أنور السادات.
وأيّاً كان الأمر فالثابت أن خبرة عبود العسكرية والاستخباراتية منحته القدرة على الرصد والتحليل، فضلاً عن المهارات القتالية والتخطيط الميداني، وكلها أدوات كان يفتقد لها أغلب العناصر الأصولية التي ساهمت في تأسيس تنظيمي الجهاد أو الجماعة الإسلامية.
ويؤكد هذه الخبرات تقرير رسمي أعدته لجنة أمنية رفيعة عقب أحداث أسيوط عام 1981، تشكلت من ثلاثة قيادات أمنية هم : اللواء حسن أبو باشا "وزير الداخلية المصري الأسبق الذي كان يشغل حينئذ منصب رئيس جهاز مباحث أمن الدولة"، واللواء فاروق الحيني مدير الأمن العام، واللواء عبد الرحمن الفرماوي قائد قوات الأمن المركزي، الذين تناولوا دور عبود في& التأصيل الفقهي لمبدأ السرية والعلم بقدر الحاجة، وهو أحد أهم المبادئ التي تحكم العمل السري في كافة أجهزة المخابرات في العالم، حيث يقول التقرير أن عبود الزمر تعامل مع التنظيم باحتراف حيث كان يلقن عناصره محاضرات في الأمن، مستنداً للقاعدة الشرعية التي تنص أن "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه إلى ما يعنيه"، ويترتب على ذلك أن يقتنع عناصر التنظيم بأنه لا ينبغي لهم طرح تساؤلات عما يتجاوز دور كل منهم، أو التكليف المنوط بهم.
ويمضي التقرير الوثيقة مشيراً إلى أن عبود رسّخ& عدة مبادئ، منها ألا يسأل عضو التنظيم حتى زميله عن مهمته المكلف بها، وليس له الحق في الحديث عن شئون الجماعة مع أحد مهما كانت درجة قرابته، فضلاً عن تعليم أعضاء التنظيم قواعد التعامل مع الشفرة وفك رموزها وتغييرها بصفة دورية، وضرورة أن يتخذ كل عضو اسماً حركياً أطلق عليه تعبيراً له جذوره التراثية هو "اسم الكنية"، وهو بهذا حسب التقرير قام بمهمة "التأصيل الفقهي للأمن"، وهو ما يعترف به عبود صراحة في تحقيقات قضية الجهاد الكبرى بقوله :
"كانت لقاءاتي مع الاخوة تتم بشكل فردي، وغير متتابع درءاً للشبهات، وكنت أحذرهم من اللغو، والدخول في مناقشات أو& جدل عقيم، ليس لزرع الشك في نفوسهم تجاه بعضهم البعض، لكن لأنه من الوارد أن تكون هناك أجهزة تنصت قد زرعت هنا أو هناك، كما أنني لم أُسقط من حساباتي مساحة للضعف البشري الوارد ".
وبديهي أن يصطدم رجل يمتلك هذا القدر من الحس الأمني الاحترافي، مع شخصية محورها "كاريزما المنبر" والقبول الجماهيري مثل الشيخ عمر عبد الرحمن، فعلى امتداد المسافة التي تفصل بين سجن يقع على أطراف القاهرة.. وسجن آخر يقع على الحدود الأمريكية الكندية ، تتسع دائرة الغموض الذي يلف علاقة السجينين المصريين الأشهر .. سجين "أبو زعبل" عبود، وسجين "روشيستر"عبد الرحمن، وكان منطقياً أن يدب بينهما خلاف أشارت مصادر أصولية مصرية إلى أن الذي فجره بالأساس عصام القمري، الضابط السابق الذي انخرط في تنظيم الجهاد، والذي قتل أثناء محاولته الهروب من السجن في عملية وصفت حينئذ بعملية "الهروب الكبير"، والذي كان يرى أن حلفائهم من قادة "الجماعة الإسلامية" ينفردون بسلطة اتخاذ القرار داخل التحالف الأصولي دون الرجوع إليهم، أو إقامة أي اعتبار لهم أو لدورهم التاريخي والحركي.
وهذا يعيدنا مرة أخرى إلى عبود الزمر الذي كان قد اعترف في تحقيقات قضية اغتيال السادات بأن ضلوعه في هذه العملية لم تكن محاولته الأولى، فقد سبقتها محاولة خطط فيها لتفجير معسكر بالإسكندرية أثناء زيارة السادات له، وذلك من خلال سيارة نقل محملة باسطوانات البوتجاز، وأن هذه التفجيرات سوف تتزامن مع عملية اقتحام لمبنى الإذاعة والتلفزيون المصري لإعلان بيان الثورة الإسلامية، إلا أن هذا المخطط لم ينفذ لعدم زيارة السادات يومها للمعسكر الذي خطط عبود الزمر وأتباعه لاغتياله فيه حينئذ.
ولم تكن هذه الاعترافات وحدها التي استندت إليها مباحث أمن الدولة في وصفها لدور عبود في مذكرة المعلومات التي قدمتها للنيابة حينذاك، فلم تكن تخلو أقوال متهم واحد بين المئات من المتهمين الذين شملتهم القضية من ذكر دور لعبود، مما حدا بالمباحث لوصفه بأنه أحد أبرز القيادات في تنظيم "الجهاد"، وأنه عضو مجلس شورى التنظيم، ورأسه المدبر، والمسؤول عن الجناح العسكري فيه، كما أنه تولى تدريب أعداد كبيرة من عناصر التنظيم على استخدام الأسلحة والمتفجرات، تمهيداً لتكليفهم بمهمة السيطرة على مرافق الدولة عقب اغتيال الرئيس المصري الراحل أنور السادات.
(يتبع)
التعليقات