حسين كركوش
&
&

حبوب فياغرا، واق جنسي، ملابس داخلية، قمصان قطنية، عطر، وربطة عنق غريبة.
&هذا هو متاع عدي صدام حسين، وزاده اليومي الأوحد، الذي ظل يحرص على الاحتفاظ به، حتى اللحظات الأخيرة قبل مصرعه. وفي بيان نعيه لولديه، قال صدام حسين بأنهما سينضمان ، بعد موتهما، الى (كوكبة من الشهداء، في سماء وضيافة الرب الرحيم، هناك حيث الجنة والصديقين والشهداء ومن رضى الله عنه).
عدي صدام حسين سيجلس، إذن، محتضنا حبوب الفياغرا والعازل الجنسي والملابس الداخلية، داخل الجنة، كتفا الى كتف خالد بن الوليد وصلاح الدين الأيوبي وطارق بن زياد، حتى لا نقول (نعوذ بالله) أبي بكر الصديق وعثمان بن عفان وعمر بن الخطاب وعلي بن ابي طالب (رض)، وبقية الصحابة الأجلاء.
عدي صدام حسين، أو (الأستاذ)، كما كان يطلق عليه الأعلام الرسمي العراقي، كان رئيسا لاتحاد أدباء العراق، ورئيسا لاتحاد الصحفيين، وصاحب صحيفة يمثل أسمها واحدة من حضارات العراق الراقية (بابل). وهو خريج إحدى الجامعات العراقية، وربما كان حائزا على شهادة دكتوراه في العلوم السياسية. مع ذلك، لم يعثر معه، قبل موته، على كتاب واحد، أو جريدة، أو قصاصة جريدة. أحتفظ عدي، فقط، بحبوب الفياغرا المنتجة ل(لفحولة).
لكن، لماذا يصر عدي صدام حسين على الاحتفاظ بمنشطات الفياغرا، حتى وهو يواجه أياما عصيبة؟ لماذا كان عدي يصر حتى اللحظات الأخيرة من حياته، على الاحتفاظ بمنشطات ل(فحولة) مؤقتة، متخيلة ووهمية؟ ألا توجد علاقة بمنشطات الفياغرا، وطبيعة تفكير نظام صدام حسين؟ هل كان النظام البعثي في العراق قادرا على الاستمرار لمدة ثلث قرن، بدون (منشطات) عراقية وإقليمية ودولية؟ هل كان نظام صدام حسين منتجا ل(لفحولة)، أم مستوردا لها؟ ما علاقة منشطات الفياغرا بالديكتاتورية وغياب الديمقراطية والحرب الباردة ومؤتمر يالطا؟ أليس لمنشطات الفياغرا علاقة بما سنسميه ثقافة الوهم؟
&صدام حسين، والنظام البعثي السابق بأكمله في العراق، ظل يعيش، منذ 17 تموز / يوليو 1968، بفضل منشطات سياسية وعسكرية، مستوردة من دول المعسكرين المتصارعين، عندما كانا يخوضان حربهما الباردة. وعندما كانت تلك المنشطات تؤتي فعلها، فان صدام كان يتصرف وكأن النشاط الفحولي، سياسيا وعسكريا وأمنيا ، الذي يتمتع به نظامه ، هو نشاط ذاتي، أصيل، يتم إنتاجه وفقا للقوانين الداخلية لجسد سليم ومعافى، وليس نشاطا مستعارا، مستوردا، مؤقتا، زائلا وزائفا. وبفضل تلك (الفحولة) الوهمية والمستعارة ، شن صدام الحرب ضد أيران. وبفضل تلك الفحولة الوهمية نفسها، أجتاح الكويت، وبفضل الفحولة الوهمية إياها، نفذ عمليات الأنفال ضد الضعفاء والمساكين من كورد العراق، وضد خصومه السياسيين، وضد رفاقه البعثيين الذين اختلفوا معه.
قبل 17 تموز / يوليو 1968، كان صدام وقادة حزب البعث الآخرين بحاجة الى (فياغرا) عراقية لإنتاج فحولة يستطيعون بفضلها ان ينزووا على نظام الرئيس السابق، عبد الرحمن عارف. وقد وجدوا ضالتهم عند أثنين من قادة الحرس الجمهوري، أنذاك. وبعد استلامهم السلطة، مباشرة، فأن صدام وقادة حزبه شعروا بحاجة الى فياغرا عراقية، ايضا، ينزوون بفضلها على كل العراقيين، فالتفتوا الى الحركة الكردية، أولا، ثم الى الحزب الشيوعي العراقي، فتحالفوا معهما. وعندما شعر صدام بحاجة الى فياغرا إقليمية، هذه المرة، ينزو بها على قيادة الحركة الكوردية في العراق، فانه شد رحاله الى العاصمة الجزائرية، متوسلا من شاه إيران السابق، فياغرا منشطة، فكان ان وقع على اتفاقية الجزائر، التي تنازل بموجبها العراق، أو بالأحرى صدام حسين، عن قسم من الحدود العراقية. وكان التبرير الرسمي العراقي للتوقيع على تلك الاتفاقية هو، نضوب الترسانة العسكرية من أية ذخيرة لمقاتلة الكورد.
وفي ذروة الحرب العراقية الإيرانية، واشتداد المنافسة بين موسكو وواشنطن، تلك الأيام، كان صدام حسين يحصل على أنواع مختلفة من الفياغرا : تنسيق مخابراتي عراقي / أميركي على الأرض، يرافقه تنسيق عسكري (زيارة وزير الدفاع الحالي، رامسفيلد الى بغداد)، طائرات حربية فرنسية معارة، جسر جوي روسي، على امتداد الساعة، ومعونات مالية خليجية بمليارات الدولارات. وبفضل تلك الأنواع من الفياغرا الدولية والإقليمية نجح صدام حسين أن يسقي الإمام الخميني (كأس السم)، ويرغمه على قبول وقف إطلاق النار.
&وخلال الحرب العراقية الإيرانية، كان صدام يتصرف ك(فحل)، بالمعنى الحقيقي، هذه المرة، مرددا أمام قادة البلدان الخليجية بان لولاه، أي لولا فحولته، هو، لقامت إيران بسبي النسوة الخليجيات وأخذهن رهائن، أو سبايا. لقد اصبح (الفحل) صدام حسين، آنذاك، ثملا جدا،وهو يتجرع المزيد من الفياغرا الدولية، حتى خيل له ان جميع حكام المنطقة من حوله، ليسوا سوى (دجاجات) ينتظرن تخصيب (الفحل) صدام حسين. وكان لا بد لصدام ان ينسى، في غمرة هياجه الفحولي العسكري (هذا هو مفعول المنشطات، من كل نوع) ، بان تلك الحرب التي خاضها العراق وإيران، لم تكن، في حقيقة الأمر، سوى مصيدة حقيقية، نصبتها أطراف دولية ، الهدف الرئيسي منها هو، منع تراكم الثروة في البلدين، وتدمير قدراتهما العسكرية والمالية والبشرية. ونسى صدام، ايضا، ان تلك (الفحولة) العسكرية التي كان يتمتع بها (كان الجيش العراقي يوصف بأنه رابع جيش في العالم)، ما هي إلا نتاج لهرمونات منشطة، لم ينتجها نظامه، إنما قدمت له من الخارج، لتحقيق أهداف محددة، داخل بقعة جغرافية محددة، لا يحق له ان يتجاوزها، بأي حال من الاحوال. والدليل على ذلك هو، ان تهديد صدام حسين ب(حرق نصف إسرائيل) لم يتحقق، وأسلحة الدمار الشامل التي كان يملكها، فعلا، لم تستخدم، قط، أثناء حرب الخليج الثانية. وكان تحذير وزير الخارجية الأميركي، وقتها، جيمس بيكر، بأنه في حال لجأ صدام الى استخدام هذه الأسلحة، فان النظام البعثي لن يظل على قيد الحياة، يعني، بصريح العبارة، ان مفتاح (فحولة) صدام لم يكن بيده، وإنما بيد الولايات المتحدة.
لكن، في اللحظة التي انتهت فيها حرب الخليج الثانية، وتم طرد القوات العراقية من الكويت، بانت (عنة) صدام حسين بأوضح ما يكون ، بعد ان نفد ما عنده من خزين الفياغرا، وتحتم عليه، وهو أمر لم يخطر على باله، قط، ان يتعامل مع (فحولة) مواطنيه العراقيين، الذين انتفضوا ضده، تلك الايام. وبعد ان تأكدت الولايات المتحدة بان الأمور أوشكت ان تسير بطريقة ليست على هواها، بادرت من جديد، ودخان حرائق تلك الحرب ما يزال يغطي سماء العراق، بتزويد صدام حسين بجرعات منشطة، عندما أعطته الضوء الأخضر وسمحت له بالقضاء، عسكريا، على الانتفاضة.
ومرة ثانية ، بدأ صدام حسين يتصرف كفحل، يستمد فحولته من قدرته الذاتية، وليس، كما يقول الواقع، من منشطات خارجية. ففي أول خطاب ألقاه في مدينة الموصل، بعد هزيمته القاسية والشنيعة في حرب الخليج الثانية، اخرج صدام مسدسه من غمده، وصوب طلقات في الهواء، أراد ان يؤكد بها، من جديد، على فحولة نظامه. ولكن بعد اشهر قليلة ، كانت وزيرة الخارجية الأميركية، وقتذاك، مادلين اولبرايت، تعلن ان بلادها وضعت صدام حسين داخل قفص، لا يمكنه ان يتحرك خارج المسافة المرسومة له، بانتظار موته النهائي. وكانت المسؤولة الأميركية تعني ما تقول. ففي اللحظة التي كانت تعلن فيها اولبرايت عن إدخال صدام حسين داخل القفص الأميركي ، كان الوضع الدولي الذي رسمه مؤتمر يالطا، عشية انتهاء الحرب العالمية الثانية، يلفظ أنفاسه الأخيرة، ويحل بدلا عنه نظام دولي جديد بقطب واحد، هو الولايات المتحدة. أي، ان الولايات المتحدة لم تعد بحاجة، مثلما كان الأمر زمن الحرب الباردة، الى أنظمة عربية أو أفريقية، أو آسيوية، أو أمريكية لاتينية، تمدها بمنشطات عسكرية وسياسية، ومالية، لتقاتل نيابة عنها، خصمها اللدود السابق، الاتحاد السوفيتي. في الواقع، ان تلك السياسة الاميركية وجدت لها تطبيقا قبل ذلك الوقت، عندما أصطادت القوات الاميركية (الفحل) نرويغا في مقره الرسمي في بنما، ونقلته الى أحد السجون الأميركية. كذلك، فان الاتحاد السوفيتي، عدو أمريكا اللدود، كان قد اصبح في ذمة التاريخ، وبالتالي، لم تعد الحاجة قائمة، مثلما أيام الصراع البارد بين العملاقيين، الى (فحل) عربي أو أفريقي، أو آسيوي، يسطو على دار الإذاعة في بلده ويذيع (البيان الأول)، ليصبح (قائدا لحركة التحرر الوطني)، ويخوض بعد ذلك معارك (بطولية)، بفضل منشطات سوفيتية.
هذه حقائق. لكن (الفحل) صدام حسين لم يكن مستعدا لقبولها. صدام ظل يعيش (لدنياه كأنه يعيش أبدا)، ورفض ان يعيش (لأخرته كأنه يموت غدا). وقناعته هذه، أورثها لذريته. وهكذا، سار عدي وقصي على طريق أبيهما. كان هوسهما يتركز على القوة العسكرية وحدها، باعتبارها الوسيلة الأوحد للتأكيد على فحولتهما. لم يعرف العراقيون شيئا عن الجانب (الحقوقي) لدى قصي، بأعتباره خريج كلية الحقوق، مثلما لم يعرفوا شيئا عن الجانب (الهندسي) لدى عدي، باعتباره خريج كلية الهندسة. ما عرفه العراقيون، لدى عدي وقصي، هي الفحولة العسكرية. العلوم الهندسية، والثقافة الحقوقية، والفنون التشكيلية، والغناء والمسرح والموسيقى ... الخ، لا تنتج، وفقا لمقاييس ثقافة الفحولة، (فحلا) حقيقيا. البندقية وحدها، هي التي تنتج (الفحولة). ولم يكن من باب الصدف، أبدا، ان يمنح صدام لنفسه، ولصهره حسين كامل، ولابن عمه، حسن على المجيد ولمرافقه، عبد حمود ، أعلى الرتب العسكرية. الرتبة العسكرية، أو السيف، تتقدم، وفقا لمعايير ثقافة الفحولة، على (القلم). هذا الأخير يصبح مجرد أهزوءة، عندما تسود ثقافة الفحولة. ولان هذه الفحولة هي، كما قلنا توا، مستوردة وزائفة ووهمية، فأنها لا يمكن ان تكتمل إلا بعناصر، هي ايضا، وهمية، زائفة وتسطيحية : فياغرا، واق جنسي، ربطة عنق غريبة، ولا بأس من ملايين الدولارات، أيضا. أنها الألوان الزاهية التي يتبختر بها الطاووس لإظهار فحولته، حتى وهو يلفظ أنفاسه الاخيرة.
ومن يدري، فربما ما يزال صدام حسين ينشغل بتخضيب شعره الأبيض بالحناء، وهو يواصل بث نداءاته الداعية لقتال أعدائه. فليس مهما عنده أن يعيش (رئيسا) بالمراسلة ومتشردا من مأوى الى أخر. المهم عنده ان يظل ديكا فحلا يصيح، رغم أنه يجلس على المزبلة، كما يقول العراقيون في أمثالهم.