منذ إنكشاف ملابسات جريمة حقن عدد من الأطفال الليبيين بفايروس الإيدز من قبل الممرضات البلغاريات والطبيب الفلسطيني وأنا أتابع هذه القضية التي أعتقد أنها لم تنل حظها من الإهتمام العربي أوالعالمي بالقدر الكافي رغم إندراجها في خانة جرائم القتل الجماعي وفق القانون الدولي.

أعتقد أن المحكمة الليبية أصدرت حكما قد يكون أقل بكثير من حجم الجريمة البشعة التي إرتكبها المتهمون بحق الأطفال الليبيين، لأن المتهمات في الجريمة لسن من الناس العاديين، بل يمارسن مهنة تصفهن بملائكة الرحمة، فأين هن من مقام الملائكة وقد تجردن من كل أنواع الرحمة والوازع الإنساني بحقن أطفال إبرياء بالفيروس القاتل من أجل حفنة من الدولارات!!
فالجريمة النكراء التي إقترفتها الممرضات البلغاريات توازي في بشاعتها المجازر البشرية التي دأبت بعض الأنظمة الدكتاتورية تنفيذها ضد مواطنيها هنا وهناك ويستحق مرتكبوها المثول أمام المحاكم الدولية، لأن مثل هذه الجريمة لا يمكن النظر اليها من حيث حجم الضحايا بقدر ما يتوجب على القانون الدولي أن يتعامل معها على أساس مدى بشاعتها والأهداف الشيطانية التي تقف وراء إرتكابها، فلا يمكن لأي قانون أرضي أو سماوي أن يغض الطرف عن بشاعة جريمة تستهدف حياة أكثر من 400 طفل بريء قضي منهم العشرات وينتظر المئات الآخرون حتوفهم بسبب تلك الجريمة النكراء.


ورغم أنني لست من أنصار نظرية المؤامرة السيئة الصيت ولا أهتم كثيرا بما يكتبه بعض المنظرين والمحللين العرب في تأويل ملابسات هذه الجريمة، ووضعها في خانة نظرية المؤامرة الصهيونية والإمبريالية ضد الجماهيرية العظمى لأسباب سياسية، أكاد أكون متيقنا من أن تلك الجريمة حصلت بدفع من جهة ما..


فمن خلال شخوص الجريمة، أي المتهمين المتورطين فيها يمكن إستنتاج إمكانية ضلوع هؤلاء المتهمين بجريمة إغتيال طفولة بريئة من أجل الحصول على حفنة من الدولارات من هذا الطرف أو ذاك، فالمعروف أن مواطني دول أوروبا الشرقية ومنهم البلغار بطبيعة الحال هم على العموم ضعفاء أمام الإغراءات المادية بسبب الأوضاع الإقتصادية المتردية في بلدانهم الشيوعية السابقة،وكذا الحال بالنسبة للطبيب الفلسطيني، مما يستسهل ذلك الضعف شراء ضمائرهم وتجنيدهم في مخططات جرمية، فمثل هؤلاء الذين يهجرون بلدهم للعمل في دول عربية غنية ويتغربون عن بلدانهم من أجل المال من السهل إقتناصهم وتسخيرهم لأعمال شيطانية من قبل من يدفع، بدليل أن الكثير من الجرائم التي ترتكب في البلدان الأوروبية اليوم تنتشر في العادة بين الجاليات الأجنبية في تلك البلدان، فمن غير المألوف أن تجد في دولة مثل السويد أو النروج أو بريطانيا مواطنيها وهم يسرقون شيئا من سوبر ماركت أو محل للبقالة إلا في حالات نادرة.وهناك شواهد كثيرة بهذا المجال كتب عنها الكثير من الكتاب العرب في وسائل الإعلام.


على كل حال ليست هذه قضيتنا الأساسية طالما نحن نتحدث عن جريمة الممرضات البلغاريات التي أصدرت المحاكم الليبية قراراتها بحكم الإعدام بحقهن وشريكهن الفلسطيني بعد ثبوت تورطهم جميعا في جريمة قتل هؤلاء الأطفال بتلقيحهم بفيروس الإيدز.


وأعتقد أن المحكمة الليبية أصدرت حكما قد يكون أقل بكثير من حجم الجريمة البشعة التي إرتكبها المتهمون بحق الأطفال الليبيين، لأن المتهمات في الجريمة لسن من الناس العاديين، بل يمارسن مهنة تصفهن بملائكة الرحمة، فأين هن من مقام الملائكة وقد تجردن من كل أنواع الرحمة والوازع الإنساني بحقن أطفال إبرياء بالفيروس القاتل من أجل حفنة من الدولارات!!.


وإستغربت جدا من الدعوات التي سمعتها هنا وهناك ضد قرار المحكمة الليبية، ويزيد إستغرابي أكثر من ردود الفعل غير المبررة من عدد من الدول الأوروبية التي أرادت تسييس القضية بإدانة قرار المحكمة الليبية في الوقت الذي يفترض بهذه الدول وهي تدعي إحترامها للقوانين وحقوق الإنسان أن ترحب بصدور مثل هذه العقوبات لا أن تعارضها!!..
فلماذا تكون دماء ضحايا لوكربي عزيزة على الأوروبيين أكثر من دماء أطفال أبرياء، فهل دماء هؤلاء ماء لأنهم أطفال عرب؟؟!!.


ولم يعجبني كذلك الطلب الليبي الذي سمعته مؤخرا حول تقديم تعويضات لأسر الضحايا توازي ما قدمتها ليبيا لعوائل ضحايا لوكربي، أو إطلاق سراح المتهم في عملية تفجير الطائرة مقابل العفو عن المجرمين في قضية أطفال الإيدز، لأنني أعتقد أن أموال الدنيا لا تساوي قطرة من دماء 400 من الأطفال الأبرياء الذين قضوا في هذه الجريمة الغادرة من دون أن يرتكبوا ذنبا..


وأدعو من هنا جميع المسؤوليين الليبيين وعلى رأسهم العقيد القذافي الى عدم الرضوخ لكل الدعوات والتهديدات الصادرة من أي جهة كانت للمساومة على دماء هؤلاء الأطفال لكي يرتدع كل من يجرؤ على إغتيال الطفولة البريئة في هذا العالم من تكرار جريمة أخرى. وعلى ليبيا أن لا تستن سنة تتيح لمن يرتكب جريمة بهذا الحجم أن يستهتر بدماء البشر ثم ينال العفو والرحمة خصوصا عندما تطال مثل هذه الجرائم البشعة أطفالا صغار لا حول لهم و لا قوة، فالدولة يفترض بها أن تكون الحامية لحقوق الضعفاء وإلا فهي لا تساوي جناح ذبابة.

شيرزاد شيخاني

[email protected]