اليوم الاول من عام 2008 كان بداية الخمسين عاما من حياتي، بمعنى اننى قد قطعت اكثر من ثمانين بالمائة من العمر المتوسط لمنطقة الشرق الاوسط و كنت دوما انتظر هذا اليوم لاحتفل به و لكنه جاء على غير ما خطط له.


خمسون عاما سقطت فيه الضفة الغربية و احتلت سيناء و انهزم العرب وبسطت اسرائيل ارجوانها على الشق العربي ومات ناصر زعيم القومية العربية و احتلت العراق الكويت البلد الذي احتضن اربعمائة الف فلسطيني و اعدم رئيس العراق على يد جنود امريكيون في اكبر عملية اذلال و سقطت الجولان و رحل الاسد و الفهد و الحسين والحسن و ابوعمار و لم يرحل السوط الامريكي و ارتفع علم المغتصب الاسرائيلي على بلاد عربية.
سنوات ثمان ضاعت في حرب عراقية ايرانية بلا هدف ولا نتيجة و سنوات عشر ضاعت في حرب الخليج و تداعياتها و سنوات سبع ضاعت في النكسة و غيرها الكثير.


و انتصر الجيش المصري والسوري في 1973 وعقدت اول مفاوضات الكيلو 101 واوسلو و كامب ديفيد ووادي عربه، و اغتيل الملك فيصل ملك السعودية و الرئيس السادات و الرئيس رفيق الحريري، و ارتفع النفط من ثلاثة دولارات الى ما يقرب المائة و تضاعفت الاسعار الف بالمائة و دخلت التقنية و الانترنت و البلو توث و هواتف تعمل عبر الاقمار الصناعية...و التهمت الامية التكنولوجية اكثر من ثلثي الشعب العربي...
و كل هذا و حلمي لم يتحقق، و لكن اي حلم كان هو في زمن الاحلام ممنوعة قهريا، لقد كانت اصعب حقبة في تاريخ العالم العربي عاشها ابناء جيلي مع اغنيات ام كلثوم و عبد الحليم حافظ و محمد عبد الوهاب و شعر نزار قباني، و كنت ممن عاصروها و اعتصروا معها بالدموع و الحزن و الالم و لكن العزيمة لم تقهر و الايمان لم يدفن.


حزن فراق الاحبة و ضياع الارض و اختلاط القيم و الغاء المواريث وغياب الذمم و دخول الطائرات في ناطحات السحاب.
خمسون عاما نجحت كما نجح العديد من ابناء جيلي، في كل ما اردت ان انجح فيه، ووصلت الى كل ما تمنيت، و ارتقيت كل الدرجات لاجد ان السلم الذي صعدت الى اعلاه مع ابناء جيلي هو سلم نهايته القفز في هواء لا نملكه و بحر ليس لنا. لايوجد الباب العالي في اعلى قمة الدرج و لا حتى باب فيلم الاطفال quot;نارنيا quot;، فقط رحلة زمنية قطعها ملايين من الشعب العربي تحت اقدام المؤامرات الداخلية قبل الخارجية و المديونية الاستهلاكية.
كنت اتمنى ان اعيش في زمن النهضة العربية و الانتصارات و الفتوحات، ايام مع صلاح الدين او محمد على باشا او في زمن مستقبلي افضل اراه يقينا قادما الى المنطقةخلال خمسين عاما اخرى، و قتها قد يكون هنالك وسيلة اتصال حديثة مع القبور الالكترونية لاطمئن على ان بلاد العرب لا تزال اوطاني..!!!


خمسون عاما كان الفشل لدى البعض عنوان الناجحون لان القيم تبدلت و الهزيمة عندهم تعادل الانتصار من خلال ابواق اعلامية كاذبة و الذل يمسح الكرامة و يغرر بها، و مع كل هذا فقد صمد ابناء جيلي و تحمل و بقى على الحياة، غذاءه العلم لانه سلاح المعركة بين الجهل و التطور، بين القطرية و العولمة، بين السخرية و القدر، بين الاحرار و البقر.و جزء اخر هجر الاوطان و اعتلى الجدران ووصل الى رقعات العالم عبر المحيطات تاركا خلفه الهم و الكدر ناجيا بعمره املا في العودة يوم القدر.


بين نوبلية محفوظ الادبية و زويل الكيمائية سقطت نوبلية السلام في يد من سلموا الارض و تنازلوا عنها.
خمسون عاما و لا يزال ابناء جيلي على قيد الحياة و لديهم الامل و لم يقهر حلمهم حاكما فقد ولدوا و اعتادوا على هزيمة قدريات الخطر.
حلمي لم يكن هروبا من خمسون عاما اضنت المنطقة العربية و ارهقتها، و انما كانت رغبة في ان ينجح العلماء في جعل الانسان ان يحيا في العصر الذي يريد ما تبقى له من عمر، لان الاعمار بيد الله، و هو حلم راود الانسان في الة الزمن التى تنقله الى المستقبل او تعيده الى الماضي،
و لقد نجح بعض من حكم اجزاء من المنطقة في اعادة الزمن العربي الى الخلف عشرات السنوات وفي المقابل هنالك اليوم رؤى تبشر بالخير في مناطق عربية اخرى تنقل العرب الى المستقبل الواعد، و مع هذا فمن حقي ان احلم و ان احلم و اعيش حلم ابناء جيلي و اعمل على تحقيق حلمي فالحلم هو الحقيقة التى يجب ان تعاش، حيث ان الواقع المعاش حاليا هو اغلاق العين عما يجرى من حولنا و فينا و تلك هي الخطيئة التى تولدت من محاولات اندثار جينات القلم.

د.عبد الفتاح طوقان
[email protected]
.