شهد العالم الاسلامي تطورا جزئيا خلال الفترة من منتصف القرن التاسع عشر الى منتصف القرن العشرين وذلك اثر سيطرة الدول الغربية على غالبية اجزائه ولذلك شهدنا تطورات واضحة في مجالات الصحة والتعليم والاعلام والاقتصاد والثقافة والخدمات.


هذا ناهيك عن التقدم السياسي وتطور مفهوم الدولة وارتباطه بالنسق الليبرالي لكن هذه التطورات سرعان ما انتكست بعد انحسار موجة الاستعمار ليشهد العالم الاسلامي تراجعا كبيرا بلغت ذروته بسيطرة الوعي الميثولوجي على الساحة الاسلامية وشيوع الشكل المتطرف من الثقافة الدينية وهيمنتهاعلى الواقع الاسلامي.

والملاحظ على هذا التراجع انه لم يستثن مكانا دون اخر ما يعني انه مرتبط بالوعي الديني خصوصا وان هذا الوعي يمثل الجامع الاساس الذي يربط الشعوب الاسلامية بعضها مع بعض ولذلك اخذ التدهور مداه حتى شاعت في الاوساط العامة قيم الالغاء والتكفير واحتكار الحقيقة التي يزخر بها الخطاب الديني وبالتالي فان هذه الظاهرة ليست حالة جديدة او مفاجئة كما قد يطرح البعض لانها شكلت وعلى الدوام معلما بارزا من معالم تاريخنا وما ظهور هذه الممارسات والافكار الا استعادة للحال الطبيعي لحضارتنا الاسلامية بعد ان داهمها الوافد الغربي بقيمه الليبرالية غير المالوفة ولذلك فان ما نحتاجه ليس بناء نهضة تنطلق من اسس ورؤى الواقع السابق وانما انتاج وعي جديد ونهضة جذرية تلتمس طريق الحداثة ورؤاها العالمية المتقدمة لكن هل نستطيع ان ننجح؟ وهل بمقدور حضارة مثل حضارتنا عانت من الفشل والتدهور انتحقق مثل ذلك؟ وما الذي يضمن ان لاتفشل هذه المحاولة كما فشلت سابقاتها لان المحاولة السابقة حملت ايضا ذات الطموح واطلقت نفس الاهداف وبروحية متقدمة لم نشهد مثلها بعد ذلك. وللاجابة نقول ان الشرط الاساس للنجاح ينطلق من الانعتاق من الجذور التي امسكت بلبابنا طويلا ومنعتنا من استشراف الجديد بحجة الدفاع عن قيمنا وحضارتنا ولعل مكمن الفشل في نهضتنا القديمة انها لم تحقق ذلك بل بقيت عرجاء تنشد الجديد وتحرص على القديم أي بالطريقة التي وصفها (عادل حسين) حين قالquot;الارتباط بالتراث... يعني ان ننشئ مدارسنا الجديدة وفق المعتقدات الاولية نفسها التي قيدت نظرة القدماء... وحين نصل الى ذلك... سيكون فكرنا المعاصر تصاعدا مبدعا للفكر العربي الاسلامي المستند الى اصول معتقدية واحدة وسيكون فكرنا العربي المعاصر مواجهة مبدعة لمشاكل الحاضر والمستقبل... ومن هنا... ضرورة تقديس التراث طريقا للنهضةquot; ورغم ان بعض الطروحات كانت ضد ذلك كما في طروحات عبد الرحمن الكواكبي وخير الدين التونسي وطه حسين وغيرهم الا ان هؤلاء لم يستطيعوا ان يزاحموا اولائك وبقي صوتهم ضعيفا يكاد لا يسمع بل ان بعضهم تراجع حتى عن ارائه واختار خطا اكثر راديكالية كما هو الحال مع طه حسين الامر الذي قوض النهضة او حرفها عن اتجاهها الصحيح لتغدو سندا للغلواء والتطرف أي ان النهضة التي اريد لها ان تؤسس لواقع جديد ينفض عن الامة غبار مآسيها اصبحت هي ذاتها السبب في المأساة واخذ المجتمع العربي او الاسلامي اذا جاز لنا اطلاق هذه التسمية يتجه نحو الانغماس في الماضي والوقوع في فخ التزمت، يقول محمد عمارة في تاكيد لهذا الامرquot;اذا كان الغرب يفرق شعره الى جانب فنحن نفرقه الى الجانب الاخر واذا حلق ذقنه فنحن نطيله واذا اطاله فنحن نحلقهquot;واذا كان هذا حال المفكر فما هو حال الناس البسطاء من ذوي الوعي البسيط من الذين يؤمنون بسطوة الموروث وقدسيته فهؤلاء يشكلون المادة الخام للحركات الدينية المتخلفة والتطرف الاعمى الذي يشكل السمة البارزة لحضارة الحشود الغائبة عن الوعي والواقعة تحت ظل تنويم مغناطيسي ليس له مثيل لانه مشفوع بغطاء المقدس وبمباركته الامر الذي وضع فكر هذه الايديولوجيات ضمن نطاق المستوى الخرافي واصبحت اطروحاتها مبوبة لاعماء القلوب والنفوس ولعل هذا هو ديدن معظم الايديولوجيات التي نشرت ظلالها على واقع المنطقة والتي ادعت انها تمثل التغيير فيما انها في حقيقة الامر جزء اساسي من نسيج الواقع الدوغمائي الواقع الذي يستقي اسسه من الموروث والذي ارسى دعائم العقيدة الحشدوية المناهضة للتفرد فالامة كلها جسد واحد والفرد هو جزء من هذا الجسد لاقيمة له بدونه وبالتالي يجب ان يخضع لاجندة الجماعة ولا يحيد عنها ما خلق شعوبا فاقدة لكل شعور حر ولكل رغبة واضحة في التفرد.

هذا الامر لم يجر بغتة او بقرار سياسي انما هو نتاج لكل مراحل التاريخ السابقة بحيث عملت الوقائع الموجهة عملها في تضييع حدود الانا الامر الذي يجعل الفرد قابلا كما تقول (جانين سفرجل) لـquot;التوحد والتماهي لا مع كل عضو في الجماعة وحسب بل مع التكوين الجماعي باسره وفي هذا ارضاء لنداء العظمة عنده لان انا كل واحد يصير بمثابة امتداد للجماعة في جملتها وعندئذ يفقد اعضاء الجماعة تفردهم ويتشابهون تشابه النمل والدودquot; لذلك لم تستطع الايديولوجيات الماركسية والقومية العلمانية الا ان تكون مجرد ظل للعقيدة الحشدية وبالتالي يذهب كل شيء ولا يبقى سوى الاسلام الحشدي لانه وراء وخلف كل ايديولوجية اخرى، يقول منير شفيقquot;اثبت الاسلام انه قادر على النهوض بالا مة المرة تلو الاخرى بعد كل كبوة او نكسة او هزيمة او انهيار.. فمهما كان الخطب شديدا والهزيمة كبيرة والعدو بطاشا وماكرا كان الاسلام قادرا على ان يخرج في الامة من يقودها ويصلح امرها ويعبئها... وبالتالي شكل الاسلام تلك القوة الجبارةالتي تزود جسد الامة بعوامل الدفاع والمقاومة والهجوم... فالاسلام هو الذي يقوم اعوجاجها حين تعوج ويشفيها من امراضها حين تبتلى بالعلل ويدفعها للجهاد حين يغزوها الاعداء وينهضها حين تكبوquot;فالاسلام بالنسبة للا مة هو الروح الذي لن تكون حية بدونه فالامة بحالها ليست سوى ظل امة وستبقى كذلك ما دامت بعيدة عن الاسلام(الاسلام الحشدي ) فالامة-الظل والفرد - الدودة هما ركنا الواقع في حضارتنا الحشدية واي نهضة جديدة لابد ان تكون مؤهلة لمخاصمة هذا الواقع اذا ارادت ان تقوض الواقع القديم وهذا الامر لن يكون ممكنا بدون الانفتاح على الحضارات الاخرى والارتماء في احضان الحداثة باتم ابعادها والاندماج مع العالم المتحضر بكل ما يحمله هذا الاندماج من قوة وتفاعل فبدون ذلك لن يكون لنهضتنا اي نجاح ولن يكون حالها الا كحال من سبقها من نهضات ان لم يكن اسوا.

باسم محمد حبيب