منذ أن أصدرت جمعية العلماء المسلمين فتواها بدكّ أسوار المكتبة الوطنية الجزائرية و تكفير الشاعر أدونيس و من تجرأ على استضافته في الجزائر، انطلقت حملة واسعة استهدفت كل صوت لا يذهب في اتجاه الجمعية، بدعوى أن الذين يقفون إلى جانب الشاعر يدافعون عن quot;ّملحد إباحيquot; و هم في ذلك ينافحون عن الإلحاد و الإباحية و يستهترون بقيم الإسلام و يعبثون بها على أرض الجهاد.

و الواقع إن الهجمة الشرسة التي صيغت تحت عنوان quot;يا للهوان و يا للصغارquot; تهدف أصلا إلى خنق الربيع الذي بدأنا نتعود على نسائمه بالنكوص إلى صحراء الخطاب الآمر الناهي الذي يعمل على نشر ثقافة غزو و اختراق الوعي من طرف كهنوت الرقابة. إن بيان جمعية العلماء و ما تلاه من كتابات صدرت من أنصار التيار الإسلامي السلطوي لم تخلُ من دعوات مبطنة تارةَ و صريحة تارة أخرى إلى نشر الذعر و كبح وسائل التفكير الحر و ما يتبعه من حرية التعبير. فالدينيون و قوادو السلطة أثبتوا عبر الأزمنة و الأمكنة أنهم يخافون الدخول في النقاشات العقلانية للقضايا التي تمسُّ جوهر الحياة و الإنسان. و ليس أدلُّ على ما أذهب إليه إلا زلزال أدونيس، الذي كشف بكلمات و أفكار أعلنها صاحبها منذ أمد طويل مدى هشاشة السلطة السياسية و الدينية عندنا. و أني لأميل إلى تفسير عقد القران الذي حصل بين السلطتين في بلادنا على أنه احتماء بين مذعورين، يدخل في خانة الشراكة المرحلية لحماية المصالح المغشوشة.

و حتى لا تبقى الحريةّ مفهوما عقيما، و لكي تتحول أيضا زيارة أدونيس للجزائر إلى لحظة وعي حادة بمخاطر التراجع عن قيم حرية الفكر و حرية الرأي و الديمقراطية، أورد بعض الأسئلة البريئة التي راودتني و أنا أقرأ ردود بعض المتأسلمين الجزائريين الذين أعطوا لأنفسهم حق إطلاق الأحكام على كل من يخالفهم. أليس أولى بالجمعية و quot;علمائهاquot; أن ينددوا بالفساد و الرشوة التي أصبحت تمارس على نطاق واسع و بتغطية من السلطة في كل مؤسساتها ؟. لماذا سكتت جمعية quot;العلماء المسلمينquot; و سكت الشيخ شيبان عن قرار ترخيص استيراد و بيع الخمور في بلد الإسلام و الجهاد ؟ ثم، لماذا لم نسمع للشيخ و من لفّ لفّه رأيا في مسألة انتشار المواخير الرسمية في الجزائر الحرّة و الأبية ؟ هل هذه الأسئلة مناطق محرمة أم أنها لا تعني الدين الإسلامي و لا تعني الجمعية ؟

إن الحرص على الإسلام و تعاليمه يقتضي موقفا منسجما و شجاعة و نزاهة فكرية لا تخشى في الله لومة لائم. فالدين كل لا يتجزأ، و لا يمكن أن نحترم من ينتفضون لمحاضرة واحدة و يسكتون على سلسلة من الانتهاكات التي تؤكد التواطؤ بجلاء شديد أسلوب التقية الذي يطبع عمل الجمعية. الصادقون سيقولون لكم بأنكم تؤمنون ببعض الكتاب و تكفرون ببعضه الآخر.

إن تطور أي مجتمع من المجتمعات مرهون بتنوعه و بمدى تقاطعه و قبوله للآخر، بل إنني أنزع إلى القول بأن أي بلد لا يضمن لأبنائه بمختلف مشاربهم وتوجهاتهم وتنوعاتهم واختلافاتهم الحرية في إبداء الرأي و حقهم اللامشروط في الاختلاف إنما هو جحيم يتشابه فيه الجميع.

إن الله و الدين للجميع، و لا أحد (مؤمنين و علمانيين، أحبارا و ملاحدة، أتقياء و إباحيين) يملك الحقيقة، كل الحقيقة.

أخيرا، أدعو من موقعي كشاعر يقدس حريته و يتغنى بالجمال و يرفض القبح و القمع، كل الأحرار قائلا : تعالوا نحلم بجزائر أكثر تسامحا و أكثر انفتاحا.

جيلالي نجاري