من اغرب ما تعارف عليه العرف السياسي في كل بلدان العالم ما نسمعه هذه الأيام من تصريحات حول موضوع الاتفاقية العراقية الأميركية لا سيما وبشكل خاص تلك التصريحات التي يصدرها البعض بشان ضرورة أن تتسم المفاوضات العراقية الأميركية حول الاتفاقية بالشفافية حتى تحضى بالقبول والموافقة وبطبيعة الحال فان مكمن الغرابة ليس في شرط الشفافية الذي هو حق أساسي و يريده الجميع وليس جهة واحدة وحسب بل في جهة إطلاقها لان من المفهوم والمنطقي أن تطالب المعارضة أو حتى الشركاء الحكوميين الآخرين بضرورة أن يجري اطلاعها على دقائق وحيثيات الاتفاقية نزولا عند حقيقة اشتراك هذه القوى بمسؤولية القرار السياسي لكونها متشاركة في العملية السياسية لان هذه القوى ربما لاتكون ممثلة بشكل مناسب ضمن الوفد المفاوض وقد لا تستطيع أن تعرف الكثير عن ظروف المفاوضات وما يدور فيها ما يدفعها إلى المطالبة بكشف ما يدور خلف كواليس هذه المفاوضات لكن أن يصدر التصريح من مصدر حكومي ومن جهة تمثل احد الأركان الأساسية للحكومة فهذا مايثير التساؤل فعلا لان المفروض أن يطالب الآخرون الحكومة بالشفافية وليس العكس فقد كشفت هذه الاتفاقية عن أمور غاية في الغرابة وأثبتت أشياء لم يكن بالإمكان كشفها حيث بدت الحكومة وكأنها بلا سيادة البتة على عكس ما تعلنه في مناسبات كثيرة لان قرار الموافقة على الاتفاقية أصبح يتجاوز نطاق الحكومة بكثير بعد أن غدا قبولها مشروطا بموافقة جميع الكتل الممثلة بالبرلمان بل وجميع الفئات والكتل السياسية في البلد وإذا كان بالإمكان تبرير ذلك انطلاقا من حساسية الاتفاقية وأهمية أن تحضى بإجماع وطني فليس بالإمكان تبرير اشتراط موافقة دول الجوار عليها لكونها شان سيادي محض ومن الطبيعي أن يثير هذا الرأي حفيظة البعض أو يثير بعض اللغط لأنه يطرح الحكومة أما ضعيفة وقليلة الخبرة أو مرتبطة بأجندات خارجية حتى وان لم يكن هذا الأمر صحيح فعلا فنحن لا نرجح بالتأكيد هذا الأمر الذي يعطي بلا شك المبرر للتشكيك حتى بسلامة العملية السياسية وبنظافة دروبها وهو أمر من المبكر الحكم به انطلاقا من وجود تفسيرات أخرى لهذا الأمر فالحكومة المحاصرة بالعنف والإرهاب لاتملك الكثير من الأوراق لتواجه بها دول الجوار القوية ما يضطرها أحيانا إلى مهادنتها أو حتى القبول ببعض أجندتها تلافيا لمواجهات غير مأمونة العواقب مما لا تمس جوهر مصلحة العراق لكن حتى هذا التفسير الافتراضي لا يمكنه أن يضع الحكومة بمأمن من النقد أو اللوم لأنه يدفع بشان داخلي ليكون سجالا ل دول أخرى بعضها لها ملفات مفتوحة مع العراق وكان العراق بلد مباح ومن حق الجميع الوصاية عليه أو التدخل في شانه الداخلي وقد نجد بفعل هذه الحسابات من يطالب بمناقشة الاتفاقية في برلمانات الدول المجاورة وليس في البرلمان العراقي وبغض النظر عن الدافع وراء دولنه القرارات العراقية أو أقلمتها أن كان يقصد به دولة ما أم انه قرار بريء من ذلك فانه يؤشر على تناقضات عميقة داخل المشروع السياسي العراقي ويدعم ولو نظريا تلك الافتراضات القديمة عن حتمية النزوع الطائفي لأي مشروع سياسي تتبناه الدولة العراقية.

باسم محمد حبيب