حول إشكالية النهوض الحضاري
كيفية النهوض الحضاري تمثل إشكالية ضمن نسق الفكر العربي المعاصر وذلك مرجعه الى عدم تأصيل فكرة الاعتراف بالآخر كمرآة للذات وضرورة وجوده لاكتمال وجود الذات نفسها الأمر الذى أعطب قيام تعددية حقيقية تقوم على القبول والاعتراف المتبادل بين الذات ونقيضها أو صورتها المنعكسة من خلال وجود الآخر. أن وجود التعددية سنة كونية والتفرد ميزة آلهية هذا الخلط بين هاتين الخصوصيتين جعل من العقلية العربية ترى في الآخرين جحيماً لا يحتمل ولا يطاق ولا أعرف على مر تاريخنا العربي المتواصل اعترافاً حقيقياً بالتعددية اللهم إلا في أوقات قليله ونادرة لم تستمر حيث تغلبت ميزة quot; التفرد الآلهية quot; بعد استخدامها بشرياً من قبل أصحاب القوة والسلطان على قبول التعددية التي وضعت أساساً لنا نحن معشر البشر فلذلك كانت الدول ولا تزال فردية الطابع والمزاج والفكر لا تقبل معها شريكاً ولا مرافقاً ولذلك أيضاً كانت إفرازاتها على جميع الأصعدة تحمل جينات عدم قبول الآخر وبامتلاك التفرد دون غيرها وأن اكتست هذه الإفرازات ظاهرياً بصبغه مستعارة من الأسماء المقتبسة من هنا وهناك. ولتوضيح ذلك على صعيد الفكر العربي يمكن لنا تقسيم التيارات الفكرية العربية ذات التأثير في عصرنا الحاضر الى ثلاثـــة أقسام، تنقسم في داخلها الى تشكيلات عديدة تقترب وتبتعد من التيار العام لكل قسم. ولكن تبقى هذه التيارات الثلاثة هي الاتجاه العام وهذه التيارات هي، التيار الإسلامي والتيار القومي والتيار الماركسي، ولكل تيار على حدة مرتكز أساسي ينطلق منه في رؤية لكيفية النهوض الحضاري وأبرزها على الساحة اليوم ما يسمى بالتيار الإسلامي ورؤيته للأمور سواءً بالرجوع الى النموذج الأول في صدر الإسلام أو بمحاولات أسلمة القوانين والنظم بما يتوافق مع الشريعة الإسلامية وله من ألوان الطيف الكثير. أما التيار القومي فمرتكزه الأمة وضرورة اعتبارها حجر الزاوية في النهوض. في حين أن التيار الماركسي مرتكز على أهمية إزالة التفاوت الطبقي وعدم استغلال طبقة لطبقة أخرى وبالعكس عدالة توزيع الثروة. وبالرغم من أن هذه التيارات أخذت زخماً خلال فترت متعددة من تاريخنا المعاصر ما يلبث أن يتراجع بعد ذلك هذا الزخم دون تقديم حلول شافية أو برامج عمل تتناسب مع ظروف العصر وليس السبب على ما يبدو هو عدم صلاحية مرتكزات هذه التيارات ولكنه حسب ما أعتقـــد يرجع الى عاملين واضحين. الأول، أن جميع التيارات تنطلق لتشكل وتمتلك المجتمع والدولة من الخارج (( خارج نموذج quot; الدولة quot; )) فلذلك تبدو حديه فى اطروحاتها لاتراعى توازنات التعايش ضمن اطار الدوله الواحده. مع أن من المفترض أن تنطلق هذه التيارات من داخل الدولة أساساً بعد تشكيلها أي بعد قيام الدولة التي تسمح بالتعددية فالقضية هي في قبول التعدد أي في إيجاد الأرضية القابلة والحاضنة للاختلاف وهو الأمر الذى لا يشهد التاريخ على وجوده بشكل صيروره زمنية في محيطنا العربي وعالمياً حتى في الفترات القصيرة التي استطاعت مثل هذه التيارات أن تشكل الدولة كالماركسية في روسيا مثلاً عادت وانهارت هذه الدولة بفعل احتكارها للدولة وهو أمر مناف للطبيعة البشرية وللفطرة الإنسانية. والسؤال المطروح الآن كيف يمكن للايدولوجيا أن تشكل الدولة اليوم ونحن في مرحلة ما بعد الدولة أو ما يسمى بالدولة ( الرخوة ) التي لم تعد حدودها أبعاداً فاصلة عن غيرها من الدول ولا الثقافات، والأدهى من ذلك أننا لم نستطع قبل ذلك أن نشكل الدولة القوية التي تسمح بحرية التعبير والتعددية وهما أمران ضروريان لدخول عصر ما بعد الدولة بقوة حيث سيادة ثقافة كونية واحدة لا تجدي ولا تنفع معها الحدود التي لم تعد ذات تأثير يذكر. فقد أصبح من الضروري لهذه التيارات أن تنطلق من الداخل وأن تفتح لها الأبواب لتمارس مشروعيتها حتى تكتسي بصبغتها المحلية حيث أن استبعاد ذلك لا يعني عدم وجودها فالديمقراطية تتطلب أحزاباً ولا ديمقراطية حقيقية من دون أحزاب تمثل تيارات المجتمع المختلفة. والعامل الآخر في فشل هذه التيارات في تقديم حلول لمشاكل الأمة يتمثل في أن هذه التيارات تعتبر نفسها كل على حدة محتكرة للحقيقة لتصبح الأمور مدفوعة بالضرورة الى الصدام. إذاً فالسبب الموضوعي لعدم فاعلية هذه التيارات يتمثل في عدم قيام الدولة القوية التي تسمح بالعددية والرأي الآخر لتنطلق هذه التيارات بشكل مشروع من الداخل لإدارة الدولة وليس للسيطرة عليها واحتكارها ومفهوم القوة هنا مرتبط أساساً بالديمقراطية أي القدرة على تمثل وهضم الاختلاف بين أحشائها والسبب الذاتي يتمثل في ديكتاتورية هذه التيارات والإدعاء باحتكارها للحقيقة وبأنها صاحبة المشروع الوحيد والمناسب لإنقاذ الأمة دون السماح لغيرها من التيارات بالمشاركة وإبداء الرأي ناهيك عن أن كل من هذه التيارات يرنو ببصره بعيداً الى بؤرة تاريخية سابقة مثلت نموذجاً مجيداً لمشروعه يريد تكراره في عالم اليوم رغم تبدل الظروف وتغير الأزمان.
عبدالعزيز محمد الخاطر
كاتب قطري
[email protected]
التعليقات