تطرق الدكتور جوزيف بشارة في مقالته بتاريخ 18-8 عن فصل الدين عن الدولة.. ما أود أن أضيفه للموضوع هو الحاجة الماسة أن يكون هذا الفصل خيار الإنسان العربي والمسلم.. بتبسيط للمفاهيم يتقبلها العامه قبل الخاصة..


ففي عصر الفضائيات وسهولة تبادل المعلومة وإخضاعها للبحث والتحليل والحوار.. لإختيار الأصلح لإستفادة الإنسان وبني البشر جميعا.. في عصر الحداثة التي إستطاعت نزع سحرية المقدس وتحجيمه لإرساء قوانين إجتماعيه إنسانية لمصلحة الإنسان الذي أكدت على أنه القيمه العليا وله ومن أجل الحفاظ على كرامته الإنسانية أقرت بقوانين إنسانية تكفل جميع أشكال الحريات بما فيها حرية إختيار العقيدة والمساواة بين الجميع امام القانون المدني الذي أقرته لحماية هذه المساواة وبإقرار أن العدل كفيل بحماية المجتمع بأكملة..
ومن أجل الإنسان العربي أجرؤ على كتابة هذا المقال. مستعملة حقي في الحرية الفكرية بموضوعية وبدون حدود.
في عالم اليوم وبرغم كل الإكتشافات العلمية وما وصل إلية العلم والعلماء لازال هناك نوعان من الخوف لا يستطيع أي إنسان الفكاك منهما..


الأول : يبدأ في مرحلة الشباب حين يتملك كل إنسان خوف على المستقبل ومن المستقبل...تتراوح حدة هذا الخوف تبعا للبيئه الإقتصادية التي نشأ فيها.. والبيئه الإجتماعيه التي يوفرها المجتمع من ثقافة ترتكز على الحريات أم التابوهات.. من سلطة سياسية تسمح بتعدد الآراء والأحزاب.. أم تقوم على سلطة فردية متمركزه تقمع الحريات للمحافظة على نفسها.. ولكن ألأهم هنا هو مدى ما توفرة الدوله من غطاء إجتماعي أمني لإنسانها بحيث تؤمن له الإستقلالية.. وتضمن حماية كرامته الإنسانيه بدل ذل الحاجه....هذه العوامل مجتمعه هي التي تساعد في تحديد مسار الإنسان.. وفي تنمية إنسانية لمجتمع يستند إلى قيم وأخلاق تحد من الجريمة..وتتعامل بمنطق وعقلانية في كل قضاياها السياسيه وعلاقاتها مع العالم حولها.


هذا النوع من الخوف إستطاعت الدول الغربية تحجيمه من خلال نظام سياسي يقوم على كفالة التعددية والحريات وسيادة القانون.. ديمقراطية تكفل إستمرارية خطط التنمية الإقتصادية.والسياسيه والإجتماعيه..على قمة أولوياتها ضمان فرص عمل لجميع مواطنيها بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين.. أي أن هذه الدول نزعت عن مواطنها الخوف من فقدان العمل أو تسييرة بشكل يجبره على عدم التفريق بين الحق والباطل حفاظا على مصلحته.. بنظام إجتماعي أمني يكفل حماية كرامة الفرد سواء كان يعمل أم لا..أي أنها بشكل آخر أكدت إستقلالية الفرد.. وعدم حاجته المطلقه للتجاوب مع عشيرته والإنصياع المطلق لها.. وأن إلتزامه بعلاقته معها إلتزام أخلاقي فقط..
بينما في العالم العربي والإسلامي.. هناك خلط وإلتباس في مفهوم الديمقراطيه.. ومحاولة للإلتفاف والتحايل على مفهومها وتحجيم إيجابياتها حفاظا على العادات والتقاليد...والمفاهم الدينية..وقمع تام للحريات خاصة الفكرية منها، وما يتعلق بها من أي بتساؤلات تتطرق للدين.. إضافة إلى كبت جنسي رهيب...


أما القيمة الفردية للإنسان فتبقى متصله إتصالا وثيقا بالقبيله والعشيرة بحيث ان لا وجود له بدونها.. وأن إلتزامة بها إلتزام شرعي..
أما الثاني.. فهو الخوف الأكبر الذي يتملك الإنسان بحيث يسيرة في كل مراحل حياته وهو الخوف من الموت الخوف الذي إستعصى على العلم.. وهنا تكمن خطورته.. فهذا الخوف قد يقضى على الإنسان كبيرا كان ام صغيرا إن لم ينزع عنه غطاء الشرعية الإلهية.. التي تنتج ثقافة التسليم بالأمر والخنوع والتواكل..


هذا الخوف والإيمان بالغيبيات متمثلة بالأديان.. قد تكون أراحت الإنسان من جنوح تفكيرة في البحث وإستقرار وعيه على الإيمان بها.. خاصة حين أتى بها رجال عظماء في عصورهم.. ليحملوا عنه عناء هذا التفكير متضافرة مع حلول مجتمعيه أدت إلى تنظيم المجتمعات والمحافظة على بقائها..


ولكن عالم اليوم الذي نعيش فيه.. والخوف من المستقبل الأمني الذي نريده للأجيال القادمه.. يدفعنا دفعا إلى إعادة البحث في هذه الغيبيات.. ليس بهدف سحقها أو التقليل من شأنها. بل بهدف إخضاعها للعقل الواعي للإختيار بين أن نسلم بها كأساس للتفرقه بيننا كبشر.. أم نعززها كأساس يجمعنا بإنسانية تربط بيننا بهدف حمايتنا جميعا..


خيار الإنسان نفسه في كل المجتمعات وفي كل الأديان على القبول بالرأي الأول بهدف تعزيز الثاني.. هو الطريق الوحيد لعالم القرن الواحد والعشرين..


ففي عالم اليوم.. عالم المعلومات والفضائيات لا مجال لوجود فقهاء الدين من أي دين.. لا إسلامي.. ولا مسيحي.. ولا يهودي.. لأن يسيروا مجتمعاتهم بمثل هذه الغيبيات إن لم تكن بهدف توحيد المبادىء الأساسيه للقيم والحياة.. فمطالب الإنسان الشرقي والغربي.. المسلم والمسيحي.. واليهودي والبوذي كلها واحدة ولا تختلف لا بإختلاف الزمان ولا المكان..


لقد إستطاع المجتمع الغربي القفز فوق هذه الغيبيات حين تحدى فلاسفة ومثقفي القرون السابقه سلطة الكنيسه..ونجحوا في الفصل بين الدين والدوله. ونجحوا في ترسيخ أنماط جديده للمجتمعات تعتمد الديمقراطية كحل أمثل للمشاكل المجتمعيه وللتنمية الإقتصاديه والسياسية والبشرية.. حتى قبل وجود الفضائيات وسهولة إنتقال المعلومة.


بينما الإنسان العربي في القرن الحادي والعشرين لا زال يتأرجح في فهمه لهذه المبادىء.. مشحونا بثقافة فكرية محكمه الإغلاق بدءا من التسليم بالأمر سواء لرجال الدين.. أم لأولي الأمر وللمجتمع..بحيث أصبح لا يستطيع الخروج من سياج هذه الثقافه التي تقضي على أي تطور مجتمعي..


أضافة إلى تفسيرات الفقهاء عن الجهاد وربطة بالرساله الإسلامية كحل وحيد صالح لجميع مشكلات الكون..مستغلين آية إن الدين عند الله الإسلام.. والتي تناقض تماما ما يدعونة من الحرية.كدليل على قبولهم بتواجد أهل الديانات الأخرى.. في آية لكم دينكم ولي دين.... إضافة إلى آية لا إكراه في الدين. والتي يقدمونها كبرهان على حرية المسلم في المعتقد.. ولكن المشكلة تكمن بان كلا الآيتين لديهما من المساحه الفضفاضة في التفسير والتاويل ما ضمن لفقهاء الظلام المراوغه في تفسيرها للمسلمين.. بينما يختلف هذا التفسير للغرب. وهذا ما يخيف العالم الغربي من مواطنية المسلمين. ومن العالم الإسلامي كله.. حيث تؤكد العديد من أبحاثهم على أن الإسلام ديانة تبشيريه إعتمدت العنف سابقا.. حين فرضت إما الجزية أو الإسلام.. وإضطر البعض من الديانات الأخرى إلى إعتناقها خوفا من النفي.. أو عدم المقدرة على دفع الجزية..


السؤال هنا ليس في شرعية الديانات أو حرية الفرد في إعتناقها.. فهذا أمر خاص وحرية يجب ان تكون مكفوله لكل إنسان.. فمن منطلق إحترام جميع الديانات علينا تقبلها وإحترامها إحتراما للرجال العظماء الذين حملوا رسالتها.. ولكن علينا مسؤولية إبقائها في أماكنها بدون الخروج أو التعامل بسلبياتها في المجتمعات التي نعيش فيها..


السؤال الأهم الذي يجب ان يطرحه المسلمون أنفسهم.. هو.. هل يضمن الأخذ بتشريعات الديانة الإسلامية في هذا العصر التطور المجتمعي المطلوب للتنمية الإقتصاديه والسياسيه والإنسانية أم أن مساحة الحرية الكبيرة في تفسيراتها.. تعرقل أي شكل من أشكال التنمية.. وتقف حائلا بين المجتمعات الإسلامية والعالم كلة.. بحيث يقتنع العامه قبل الخاصة بضرورة فصل الدين عن الدولة...والأدلة على الفشل كثيرة ومتعددة.. بدءا بأفغانستان.. وإنتهاء بالتفتت الحاصل في المجتمع الفلسطيني ذاته؟؟؟

أحلام أكرم

باحثه وناشطه في حقوق الإنسان