حمل كامل شياع كتبه وعاد الى العراق ليس فرحا ً كما كان يأمل في الماضي وكذلك ليس حزينا ً،لكنه مبتهجا ً على كل حال فهو يعود الى العراق الذي فارقه مدة خمسة وعشرين عاما ً، لم يعد الدكتور شياع كما عادت العمائم واللحى البيض والصفر والسود، بل اشترى تذكرة مواطن وعاد، وما دام قد عاد فقد أصر الناس عليه وكذلك (الرفاق ) أن لا يصمت فهو الباحث والدكتور وعلم ثقافي عراقي،وهكذا أصبح مستشارا حديثا لوزراة الثقافة العراقية ( الخربانة)،قبل ثلاثة أيام نزل كامل شياع يتسوق ليس بطاطا ولا طماطا ولا سمك ولا لحم بل يتسوق كتبا ً وحين عاد حاصره القتلة، وبطلقات نارية لاثمن لها، تلطخ الدكتور كامل شياع بدمه مثل فرخ بط لا يعرف سوى المسير خلف أمه العراق،كتب شياع قبل موته يصف موتى العراق الآخرين quot; بعد هذا الانغمار المكثف في وقائع الموت وأخباره، يسألني البعض أحياناً، ألا تخاف من الموت؟ فأجيب أنا الوافد أخيراً إلى دوامة العنف المستشري، أعلم أنني قد أكون هدفاً لقتلة لا أعرفهم ولا أظنهم يبغون ثأراً شخصياً مني، وأعلم أننيأخشى بغريزتي الإنسانية لحظة الموت حين تأتي بالطريقة الشنيعة التي تأتي بها، وأعلم أنني قبل ذلك كله كثير القلق على مصير أخي ومرافقيّ الذين بملازمتهم لي في سكوني وحركتي يجازفون بحياتهم وحياة عوائلهم. رغم ذلك كله، وبمقدار ما يتعلق الأمر بمصيري الشخصي، أجد نفسي مطمئناً عادة لأنني حين وطأت هذا البلد الحزين سلمت نفسي لحكم القدر بقناعة ورضى. وما فعلت ذلك كما يفعل أي انتحاري يسعى إلى حتفه في هذا العالم وثوابه الموعود في العالم الآخر، فالقضية بالنسبة لي تعني الحياة وليس الموت. وهذه الحياة ينبغي ألا تكون بالضرورة آمنة شرط أن تشبع الرغبة في الوجود والفعل والانغمار.quot; أي متاهة هذه وإلا من الشكوى..!!

*****
قبل يومين بثت قناة سي أن أن الأميركية شريط فيديو لفتاة عراقية مراهقة وهي محزمة بـ(الناسف )، و تقسم أمام الشرطة بأنها متورطة، وانها لا تنوي قتل الناس، لكنها تتلكأ ثم تقول ( أريد أن أتبع والدي )،الفتاة لم يظهر وجهها على الشاشة بسبب أخلاقي على ما يبدو، لكني شاهدت وجهها والفيديو على موقع صحيفة أسترالية، وكانت تتراجف مرتبكة، خمسة عشر ربيعا ً من العمر، وان صدقنا إنها كانت تريد الانتحار فهل من يلومها؟ طبعا أول الناس أنا أقول هنيئا لك الموت (غير الإرهابي ) فالنساء هناك لا كرامة لهن سوى الموت لكي يحس البعض بأهميتهن، أما الموت المرافق لقتل بشر لا تعرفينهم يا ( رانية ) وهذا أسمها، فهذا شغل الرجال الكبار الذين يعتبرونك جارية ووعاء جنسي وضلع لا معنى له.

*****
شرح الباحث الكبير حنا بطاطو في الجزء الأول من كتابه (العراق ) وبكل تفصيل دور العشائر والقبائل العربية والكوردية أثناء العهد العثماني ثم الإنكليزي، وبين في جداول واضحة ودقيقة كم استفاد زعماء ورؤساء العشائر والقبائل من الإنكليز خاصة في امتلاك الأراضي الخصبة الشاسعة،بل أطنب في ذكر ان أحد الحكام السياسيين البريطانيين نصح أن يتم تأسيس مدارس خاصة لأبناء العشائر الذهبيين لكي لايتم اختلاطهم بأبناء المدن الفاسدين،لكن فيصل ملك العراق الأول وافق على الفكرة لمدة ثلاثة أعوام ثم صرف النظر عنها.


وعلى ما يبدو ان العراق هو مجموعة من عشائر ومجتمعه عشائري قبلي ولا يمكن تغييره،وان المثقفين العراقيين على كثرتهم المليونية لم يستطعوا،وان استطاعوا في أواخر الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم أن يغيروا شيئا في دينماكية المدن نحو التمدن مع إهمال القرى،إلا أن العشائر هي الأقوى والأعزّ والأفضل في المجتمع،على الأقل أنقى عرقا ً وتاريخا ً حسب الآن من رجال الدين التابعين لإيران !! وهم يعتقلون (العقال العراقي) التقليدي بمختلف طياته،وهذا ما تبين من المؤتمر الأول لقبيلة بني لام الذي عقد في فندق الرشيد ببغداد وحضره السيد نوري المالكي رئيس وزراء العراق.


ومن الواضح فأن من العلمانية والديمقراطية العراقية الحديثة هي الانتماء لعشيرة وقبيلة قوية كبني لام والمشاركة في مؤتمراتها،أو إذا كنت بلا عشيرة فعليك الانتماء الى حزب أو ميليشيا إسلامية فتكون إسلاميا ً محميا ً،وإذا كنت مستقلا تبيع شربتا ً أو كبابا ً فأنتظر رحمة من السماء قبل سقوطها على رأسك وأقرأ دعاء:


اللهّم أنت أسمع السامعين فبحق آدم وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد و الأوصياء العظام علي والحسين وفاطمة والعباس، جفف بقدرتك نفط العراق وأرسل ملائكتك البيض على ظلامه..آمين.

واصف شنون

[email protected]