كما كان متوقعاً، أعلنت حركة المقاومة الإسلامية في فلسطين ( حماس ) إنتصارها على إسرائيل، بالرغم من الدمار الهائل الذي أحدثتها الآلة العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، و جعلت منه منطقة منكوبة بالكامل، فضلاً عن مئات القتلى و آلاف الجرحى و المشردين، ناهيك عن ما تسببت بها هذه الحرب من إنقسامات غير مسبوقة في العالم العربي، ما بين مؤيد للمقاومة الفلسطينية، و إنتهاج العمل المسلح، للوصول الى تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني من جهة، و معارض للمقاومة التي، تتسبب في مأساة شعبها، في سياق سياسات تخدم أجندات إقليمية، ولا تخدم مصالح الشعب الفلسطيني، وطموحه في الوصول الى تحقيق دولته الوطنية المستقلة.


كان من المنتظر ان تتحلى حماس بروح المسؤولية، و تعتبر ما حدث بمثابة نكبة جديدة على الشعب الفلسطيني، و إنتكاسة حقيقية للمشروع الوطني الفلسطيني الذي، لايستقيم مع حالة الإنقسام الفلسطيني، و التشرزم العربي، و وحدة المجتمع الدولي في وجه حليفتها إيران. كان مطلوباً من حماس، قبل أن تقدم على رفض التمديد للتهدئة مع إسرائيل، أن تاخذ كل ما سبق بعين الإعتبار، لأن في ظل الخلل الواضح في موازين القوى، بين إمكانات الشعب الفلسطيني الشحيحة و المتواضعة، و قدرات الدولة العبرية، و في ظل إنقسام العرب بين معتدلين و ممانعين، ورفض القوى العظمى في العالم لسياساتها و نهجها، لا يمكن لها و هي، محاصرة و معزولة في محيطها، ان تحقق نصراً في مواجهة إسرائيل.


و إزاء النصر الإسرائيلي، و هزيمة المقاومة الفلسطينية، حماس مدعوة لمراجعة أهدافها، و قراءة المشهد الدولي و الإقليمي بواقعية. فصواريخها لم توجع إسرائيل، بل تسببت في حالة إجماع في المجتمع الإسرائيلي على ضرورة ردعها، و إضعافها، حتى لو أدى الأمر الى سقوط ضحايا أبرياء بين أهالي غزة العزل. هي أعطت إسرائيل، سياسيين و عسكريين، المبرر، و الفرصة التي طالما إنتظرتها بفارغ الصبر. أولمرت الذي يعتبر أضعف رئيس وزراء عرفته تاريخ دولة إسرائيل، و أجبر على تقديم إستقالته بسبب قضايا الفساد، و النتائج التي تمخضت عنها تقرير فينوغراد بشأن حرب تموز التي أعتبرت حرب فاشلة لإسرائيل، جعل من غزة وسام إستحقاق على صدره، اما باراك و ليفني اللذان أشارت إستطلاعات الرأي الى تدني شعبيتهما، و إحتمال خسارتهما بأرقام قياسية أمام اليمين، نجحا من خلال دمار غزة و دماء أبناءها، و دموع الأمهات الثكلى من رفع أرصدتهما الجماهيرية و فرص نجاحهما في الإنتخابات القادمة في الشهر المقبل. كما إستطاعت إسرائيل أن تنتزع من إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش ضمانات غير مسبوقة بشأن أمن دولتها، تسمح بمحاصرة غزة جواً و براً و بحراً بأشد أجهزة المراقبة و التجسس تعقيداً، لمنع حماس و باقي الفصائل الفلسطينية من تهريب السلاح و الأموال الى غزة. إسرائيل إستطاعت أن تحقق من خلال حربها على غزة أكثر مما كانت تحققها في أثناء التهدئة، بينما إستطاعت حماس أن تكرس حكمها، و سيادتها على غزة في مرحلة التهدئة أكثر مما حققتها في الحرب.


حماس أثبتت في هذه الحرب أنها رقم مهم في أجندة إيران و سورية التي تتناقض مع مصالح شعوب المنطقة عامة و الشعب الفلسطيني خاصة، و ليست رقماً مهماً في المعادلة الوطنية الفلسطينية الرامية لحل القضية الفلسطينية دون إراقة المزيد من دماء الشعب الفلسطيني في معارك زائفة. الشعب الفلسطيني الذي سئم فقره و جوعه و تشرده لا يقو ى على تحمل المزيد من المأسي و الكوارث، و إنما يستحق قيادة عاقلة حكيمة تخفف عنه، تفتح له أبواب الأمل و السلام، و العيش الكريم إسوة بكل شعوب الأرض.


لن ير الفلسطيني أول الغيث، إلا إذا رأى هزيمته، و إستخلص الدروس و العبر منها. ليس مطلوباً من الفلسطينيين أن يكونوا في محور المعتدلين أو الممانعين، فدول كل من هذين المحاورين لهم مصالحهم التي يهتدون بها في رسم سياساتهم، و إنما مطلوب منهم أن يرسموا سياساتهم وفق إعتبارات تمليها مصلحة الشعب الفلسطيني أولا و أخيراً، و الخطوة الأولى في هذا الشأن تحقيق تفاهم فلسطيني ـ فلسطيني على ضرورة تأسيس مؤسسة فلسطينية حاضنة لجمع مفردات العمل السياسي الفلسطيني، تتجنب كل ما من شأنه تأذية الشعب الفلسطيني، وإبعاده عن تحقيق حقوقه و طموحاته. حاضنة محصنة بالممارسة الديمقراطية و ثقافة الإختلاف في وجه الإستقطابات و الأجندات الإقليمية. و مع هذا يجب و قبل كل شئ البدأ بمراجعة الذات و إستملاك القدرة على رؤية النصرنصراً و الهزيمة هزيمة، و عندها ربما يهتدي الفلسطينيون الى الطريق الصحيح.

زيور العمر