من المعلوم اقتصاديا أن التجارة عرض وطلب فكلما زاد الطلب قل العرض والعكس صحيح فهذه المعادلة هي جوهر العملية التجارية لأنها تربط السعر بالسوق والاستهلاك بالإنتاج وهو أمر برعت به كثيرا من البلدان الصناعية فكانت أرباحها مرتبطة بقدرتها على التعاطي بمرونة مع منطق العملية التجارية والمعادلة التي تتحكم بها أما منطقتنا فيبدوا أنها برعت بنوع أخر من التجارة ليست له أي علاقة بالناحية الاقتصادية لأنه ارتبط بنمط التفكير الذي تشتهر به شعوبنا والذي ينطلق من سماتها الاجتماعية وموروثها الثقافي العريق بالوحشية و الذي يمجد العنف والقسوة فكان نزوعنا التراجيدي نحو الإقلال من قيمة الإنسان والحط من قدره أهم شاهد على ذلك بل والمعبر عن طبيعتنا العبثية غير المنضبطة بدليل أننا نستطيع أن نحيل غالبية الأحداث الدموية في منطقتنا إلى هذا المنطق الهجين بما في ذلك حوادث الإرهاب التي باتت تشكل العمود الفقري لما يمكن تسميته بخطاب المواجهة والتحريض.


فالإنسان بالنسبة لمنطقتنا ليس سوى سلعة عاقلة أو ناطقة فهو يمثل وسيلة لتحقيق ربح ما أيا كان شكل هذا الربح أو قيمته ففي سبيل الاشتهار والحصول على بعض المنافع الخاصة يمكن للكثير من القوى أن تضحي بما يكفي من الناس إشباعا لنزوى جسدية أو نفسية ومن اجل ذلك عبرت الكثير من القوى الجهادية عن هويتها المتطرفة دون أن تبالي بفداحة الخسائر الناجمة عن ذلك والتأثير الذي تخلفه لان الهدف الأساس لهذه الحركات ليس تحقيق الأهداف المذاعة إعلاميا وشعبيا وإنما الاستفادة من هذه الأهداف في توسيع درجة الشعبية والارتقاء بالمصالح إلى أعلى مستوى ممكن فليس المهم بنظر هؤلاء عدد الناس الذين يموتون والأموال التي تهدر والتي تقدر بالمليارات بل مقدار الشهرة التي يبلغون والنجاح الذي يحققون لان هذه الفئات الواقفة على هامش التاريخ لاتجد شيئا تفعله أو تثبت به جدواها غير الانصراف إلى تجارة الدم بعد أن وجدت فيها ماكانت تفتقده من إحساس بالوجود والشعور بالجدوى وبدلا من أن نسوق إلى الآخرين القيم الراقية والمفاهيم التي تعبر عن مضمون حضارتنا البشرية الحديثة انزلقنا إلى قيم مشوهة وبدائية ترتبط بخزيننا الحيواني وتاريخنا الوحشي فلم يعد الشرف بالنسبة لنا إشاعة السلام أو العفو عن ضعيف أو حماية مطلوب بل سفك الكثير من الدماء وممارسة أقصى أشكال العنف بإصرار وتلذذ غريبين لينتشر في الغرب رعب مصدره تلك المناظر المقززة والحوادث البشعة التي تصور هؤلاء الوحوش وهم يقطعون رأسا أو يعذبون طفلا أو شيخا أو امرأة من اجل أن يحصدوا بعض الشهرة أو يطمأنوا نوازع نفسية دفينة وهو أمر بتنا نراه ونسمعه يوميا حتى بدا جزءا أساسيا من حياتنا الأمر الذي دفع الذهنية الغربية إلى رؤية العربي المسلم وكأنه جزار يمتهن الذبح والاغتصاب حيث يشار إليه أحيانا بوضع الكف على الرقبة أو يوصف بأنه إرهابي وزير نساء وربما تعرض بسبب هذه النظرة المشوهة إلى بعض المضايقات والازدراء كما قد يحصل للجاليات العربية في الغرب.


لكن الأمر لم يتوقف عند نشوء الاسلاموفوبيا التي شاعت كثيرا لدى الغرب بل على المتاجرة بدم الإنسان لتحقيق مأرب معينة فمن اجل اختطاف فرد غربي يعرض حياة مئات الناس للخطر وتهدر الكثير من الأموال وتهتك الأعراض وكان النصر في التهور لا بمقدار الأرواح التي تصان كتأكيد لاحترامنا لهويتنا الإنسانية فقد آن أوان الالتفات لهذا الأمر لان ما نتعرض له من عنف أو تهميش نابع بالتأكيد من طريقتنا في التعامل مع أنفسنا لان هذا التعامل هو الذي يبين للآخرين مستوانا ويكشف معدننا فهو الذي يحدد أن كنا أهل لهامش الحرية المكفول لنا أم لا؟


لاشك أننا بحاجة إلى أن نمارس دورا ناصحا يتناسب مع حجمنا و تطلعاتنا الإنسانية بعد أن غدونا منبوذين تتناهشنا شتى الإشكالات بدءا من الدكتاتورية مرورا بالإرهاب والتطرف وصولا إلى العنف الأجنبي الذي يحاول البعض استدراجه بصيغ شتى لتحقيق أهداف لايتسنى تحقيقها بالوسائل التقليدية أو لكي يكون مصدرا لجلب العطف والتمتع بالتاييد العالمي فقد برعت بعض الأطراف في اعتماد هذا الأمر كسلاح جديد لتحصيل الحقوق بعد أن فشلت في تحقيقها بالوسائل القتالية المعروفة فإذا كان القتال لم ينفع ولم يؤدي إلى هزيمة الخصم لم يبقى إلا أن نعتمد هذا السلاح عسى أن يكون به بعض الرجاء ويحقق ماعجز عنه الاحتكام للميدان.

باسم محمد حبيب