نشرت جريدة المصري اليوم بتاريخ 13-1-2009 موضوع تحت عنوان مشادات على الهواء مباشرة بين صحفية مصرية (نور الهدى زكي) ونائبة عراقية حول ديمقراطية الاحتلال وديمقراطية الـ ٩٩.٩٪. والصحفية المصرية والنائبة العراقية ضيفتا قناة البغدادية المشاركتان في برنامج (ساعة ونصف) على الهواء وكان موضوع الحلقة الدور السياسي المفقود للمراة العربية.
ومن خلال العرض الذي تم صياغته من قبل الصحيفة المذكورة بناء على شهادة الصحفية المصرية نور الهدى زكي، ومن خلال ردود القراء عليه، بدت قناة البغدادية وكانها منحازة لديمقراطية الاحتلال ونوابه في البرلمان العراقي، ومسيئة الى ضيفتها المصرية وبالضد منها.
وهذا الايحاء يمثل اشكالية، لانه يعطي فهم ووعي ملتبس لدى الراي العام، لكونه من جهة موجه ضد فضائية معروفة بمناهضتها للاحتلال، وبتوجهها الوطني والقومي الواضح. وهو نفس التوجه الذي تنتمي اليه الصحفيه المصرية نور الهدى، وغالبية الشعب المصري الشقيق، فالصحفية المذكورة، نائبة تحرير صحيفة (العربي) التي تمثل التيار القومي العربي.
ومن جهة ثانية، نحن في مرحلة حساسة، تحتاج منا الى تجاوز حال الضدية والاستقطاب، الى مرحلة التصالح والتوافق في اطار الاهداف المشتركة. والمفروض الا يتعارض عمل الناشطين في مجال قضايا الوحدة الوطنية والقومية. وان تراشق التهم بين اصحاب هذا المشروع، يقود الى الالتباس والتخبط؛ وألتباس وتخبط النخبة المثقفة، يؤدي الى التباس وتخبط الراي العام، وبالتالي يصب في صالح تمرير المشروع الامريكي / الصهيوني، الذي تشترك الصحفية المصرية وقناة البغدادية في مناهضته.
وهذه الدعوى، لا تعني تجاهل المشكلات ونفي وجودها لصالح التوافق والتصالح، بل بالعكس ان مشروع الموافقة والمصالحة، يستلزم الشجاعة والثقة بالنفس، من اجل التصدي للمشكلات ومعالجتها وتقديم الحلول العملية لها.
وكان لحديث النائبة العراقية ميسون الدملوجي، التي نرى وجهها على الفضائيات العراقية والعربية بشكل مستمر، تدافع عن اصحاب السيادة في البرلمان والحكومة والاحتلال، الدور الاكبر في الالتباس والتخبط. فقد تحدثت عن الديمقراطية في العراق، كتجربة رائدة لصالح حقوق المراة، ودليلها في ذلك، زيادة حصة المراة في مقاعد البرلمان. وقد وصل انبهار الدملوجي بديمقراطية العراق الجديد الى حدود الهلوسة ! ويشاركها في هلوستها الديمقراطية، جميع رفاقها في البرلمان والحكومة والاحتلال.
وهذا ما جعلها تنتقد ديمقراطية مصر والانظمة العربية الاخرى. وقد تقاذفت معها الصحفية نور الانتقاد بالمثل بل وباحسن منه، محاولة دك حيز السلطة الجديدة المندرجة تحت الاحتلال الامريكي والايراني وحمايتهما، ومشيرة الى عدم امكانية اقامة الديمقراطية تحت سلطة الاحتلال!
وقد اثارت الدملوجي، استفزاز الصحفية المصرية، بالاشارة الى تخاذل الشعب المصري ووقوعه تحت الاحتلال، فالدملوجي تتقن فن تحريك التهم ضد الاخر، وخصوصا تحريض الشعوب العربية، ضد الانظمة القائمة للاطاحة بها كما جرى في العراق، في اطار تغير خارطة المنطقة العربية، وفقا لمشروع الشرق الاوسط الكبير، وقد حصلت الدملوجي على هذه الخبرة مع رفاقها في البرلمان والحكومة، في مراكز البحوث الامريكية.
وحماسة النائبة الدملوجي للديمقراطية الامريكية التي طبقها المحافظون الجدد في العراق، تبرهن بان تجنيد الصوت النسوي، لم يحدث اي تغير في المجتمع لصالح قضايا المراة، بل كان الاكثر نفعا للاحتلال والنظام الجديد؛ وقد ساعد طيلة السنوات السابقة على دعم واستمرار وجودهما. فكانت الدملوجي النموذج الامثل للدور السلبي للمراة في السياسة !
وكان بالاحرى للصحفية نور الهدى، ان تلفت نظر المشاهدين، الى هذا الدور الذي لعبته الدملوجي، والتركيز عليه (كمثال) واقعي، يثبت بأن ادخال العنصر النسوي في السياسة، لم يحدث اي تغير في بنيته السلطة القمعية، ولم يخدم قضية المراة العراقية، التي عُقدت لها، العديد من المؤتمرات والمنتديات وورش العمل، بل بالعكس، كان عنصر دعم قوي لبنية السلطة القائمة، وهي سلطة طائفية / اثنية قمعية، تابعة للولايات المتحدة وحركة العولمة للشركات المتعددة الجنسيات !!
واكتفت الصحفيه نور، بالاشارة الى الواقع الاجتماعي للنساء العراقيات، واختصاره بمسالة الدعارة، وطرح المسالة بشكل يسيء الى سمعة المراة العراقية، مما اثار استفزاز قناة البغدادية والراي العام العراقي !!
ويعني هذا المقطع تعميم ظاهرة الدعارة، كصفة تتصف بها المراة العراقية. وبهذا الوصف تصبح ظاهرة الدعارة جزء من ذات الموصوف، ومسنودة الى المراة العراقية، كانها هي المريدة لهذه الظاهرة. وبهذه الحالة، يكون العيب في المراة العراقية والمجتمع العراقي وليس في الاحتلال. وتكون النتيجة ألقاء المسؤولية على الضحية وليس على الجاني!!
ولم تكتفي الصحفية نور الهدى بهذا القدر من الاساءة، وردود الفعل الطبيعية المترتبة عليها، ونتائجها السلبية على وحدة العمل الوطني والقومي، بل قامت باعادة انتاج الخلاف، بتزويد صحيفة ( مصر اليوم) بمعلومات مقلوبة؛ حيث قالت للصحيفة، بان حديثها مع ميسون الدملوجي اقتصر على التسائل بأن (المراة العراقية تحت الاحتلال تتعرض للقتل والاختطاف والاغتصاب وان نسبة 25% التي حصلت عليها المراة العراقية من مقاعد البرلمان والتي يتشدق بها الاحتلال لم تفيد المراة العراقية في شي)
وهذا المقطع يختلف كل الاختلاف عن المقطع الاول، لعدم الاشارة الى ظاهرة الدعارة، بل الى عمليات القتل والاختطاف والاغتصاب التي تعرضت لها المراة العراقية من قبل قوات الاحتلال والمليشبات المرتزقة التابعة لها.. وهذه ظاهرة من نتائج الاحتلال، وليست مقدمة مسببة له، وبالتالي تكون مسؤوليتها على الجاني، وهو الاحتلال واعوانه، وهو عكس ما يوحي اليه المقطع الاول.
ومن المعروف بان ظاهرة الدعارة، مرتبطة في كل زمان ومكان، بالفقر والاستبداد والاحتلال. وان الاخير يشجع دائما على نموها في الاراضي المحتلة، من خلال خلق الظروف الملائمة لها. فمثلا يقوم الاحتلال بطرد سكان الاراضي المقاومة للاحتلال، كما حدث في فلسطين والعراق، ومنح اراضيهم ومنازلهم لسكان جدد موالين ومخلصين له، فيضحى اهل البلاد مشردين في كل مكان، وعاطلين عن العمل. وبحكم الحاجة والضرورة او الاجبار قد تمارس بعض النساء الدعارة.
وهدف الاحتلال من هذه السياسة معروف، وهو افساد سكان الاراضي المحتلة، والحط من قيمهم الاجتماعية، ليكونوا عاجزين عن الحاق الاذي بالاحتلال والثأر منه. وبنفس الوقت، ليخيف الاحتلال بهذه السياسة بقية السكان من المقاومة، التي قد تعرضهم لنفس المصير، الذي لحق من هجر وطرد من ارضه ومنزله.
وتتضمن سياسة الاحتلال ايضا، حرمان السكان من التعليم والتضيق عليهم في العمل، ونشر الافكار المبخسة لقيمهم الدينية وثقافتهم، واحاطتهم بشبكة مسمومة من العملاء، تعرقل اي تعاون او جهد منتج ومثمر. وهذه السياسة ( الماكيافيلية ) مناسبة جدا لاستقرار الاحتلال واعوانه واستمرارهم في السلطة في المناطق المحتلة. وقد نفذتها سلطات الاحتلال الامريكي/البريطاني وعملائه في العراق بطرق ماهرة.
وهنا لا بد من التاكيد، بان اي اساءة الى المراة العراقية المظلومة والمعذبة، من الطبيعي جدا، ان يستفز كل العراقيين الوطنيين نساءا ورجالا، وانا على يقين بأن الصحفية المصرية نور الهدى، لم تكن تعني هذه الاساءة، وانما جاءت لخطأ في التعبير ليس اكثر، لمعرفتي الشخصية بها، فهي ناشطة ومناهضة للاحتلال ومناضلة في مجال حقوق الانسان، وهو هدف لا يتناقض مع النهج الذي تسعى اليه قناة البغدادية منذ تاسيسها. ونحن نحتاج في ظروفنا الصعبة الراهنة الى توحيد الجهود، وليس الى مزيد من التشرذم الذي يخدم الاحتلال واصدقائه !!
د. راقية القيسي
باحثة في جمعية الحقوقيين العراقيين-بريطانيا
التعليقات