quot; إن العنصرية موضوع لا يمكن للبلاد أن تتجاهله... انه طريق مسدود يعيقنا منذ سنوات quot;.
على هذا النحو تكلم السيناتور باراك اوباما ابان ترشحه للرئاسة الامريكية في شهر يوليو تموز المنصرم بعد أن خيم حديث العنصرية على حملته الانتخابية الرئاسية.


على انه قد خيل للكثيرين ان مجرد انتخاب الرجل لهذا المنصب وللمرة الاولى في تاريخ البلاد يعني ان العنصرية قد ذهبت الى غير رجعة لكن مشهد الشمبانزي الذي يتعرض لطلقات رجال شرطة مدينة نيويورك قد الهب المشاعر العنصرية من جديد، بعد ان فسره الكثيرون على انه اشارة من طرف خفي الى الرئيس الامريكي الاسود والاول في تاريخ الولايات المتحدة والى اخفاق خططه الاقتصادية في انتشال الامريكيين من جحيم الازمة المالية المطبق عليهم.
وفي وسط تلك الأجواء المشحونة تكثر التساؤلات : هل تكشف أمريكا عن وجهها العنصري في هذا التوقيت،ولماذا أشار اوباما وقتها إلى حديث العنصرية البغيض من جديد؟


ببساطة لان نتائج أخر استطلاعات الرأي حول صراع السود والبيض في أمريكا والذي اجرته صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية و شبكة ABC للأخبار قد جاءت لتثير القلاقل بشان مستقبل التعايش المشترك في البلاد وهو الأمر الذي كان ولا يزال ساكنا تحت جلد الرجل الأبيض وقد حركته فكرة ترشيح أمريكي من أصول افريقية لمنصب الرئاسة وحتى لو فاز الرجل بالمنصب.
وبتفصيل الكلام فقد اعترف 6 من اصل 10 أفريقيين أمريكيين بان العلاقات العرقية quot; ليست على ما يرام quot; أو أنها quot; هزيلة quot; وذهب أكثر من نصف البيض بقليل لوصف باراك اوباما بأنه اختيار خطير للبيت الأبيض فيما أشار نحو60% إلى أن ماكين هو الاختيار السليم ليس هذا فحسب بل أن 3 من اصل 10 أمريكيين اعترفوا بمشاعرهم بالتحيز العنصري.


و التساؤل هل كشفت المعركة الرئاسية الاخيرة وبحق عن وجه أمريكا العنصري الذي تفشل الأقنعة في مداراته أو مواراته؟
تلزمنا الإجابة ـ ولو مختصرة ـ بالعودة إلى بعض من مشاهد التاريخ القريبة والبعيدة نسبيا فعلى سبيل المثال كان شهر آب أغسطس من العام 2001 شهرا فاضحا وكاشفا للعنصرية الأمريكي ففيه أكدت الأمم المتحدة انتشار التمييز العنصري في أمريكا واتهمت واشنطن بعدم اتخاذ الإجراءات الكافية بمحاربة التمييز العنصري، وقد أعلنت لجنة مكافحة التمييز وقتها أن رد الإدارة الأمريكية على اتهامات وفد اللجنة بشان اضطهاد الأقليات لم يكن مقنعا.


فيما المشهد البعيد نسبيا فقد ذكر به مؤخرا الناشط العربي الدكتور جيمس زغبي رئيس المعهد العربي الأمريكي في واشنطن بقوله quot; انه بالعودة إلى الوراء عام 1964 كانت صكوك الملكية العقارية في شمال غرب واشنطن تتضمن تعهدا يمنع بيع ذلك العقار إلى أمريكي من اصل إفريقي، وبعد نحو أربعة عقود من إعلان هذه المواثيق باطلة ولاغية فقد ظلت واشنطن دي سي عاصمة الولايات المتحدة عاصمة منقسمة بشكل غير عادي، ذلك انه رغم أن ثلثي سكان المدينة من الأمريكيين الأفارقة فان واشنطن تنقسم تقريبا إلى نصفين من الشمال إلى الجنوب بواسطة حديقة quot;روك كريكquot; احد جانبي الحديقة يسكنه أكثر من 90% من البيض والأخر ما يزال 90% من سكانه من السود وبذلك الانقسام الفعلي نجد الفروقات الواضحة في الداخل، البنية التحتية، الخدمات،والفرص، كلها أشياء تذكرنا بان هناك لا تزال أشياء غير مكتملة لإنجاز عمل الدكتور القس مارتن لوثر كينج.


ومن أحاديث التحليلات والتنظيرات إلى قراءة الوقائع والأرقام ففي العام 2005 على سبيل المثال كانت أرقام مكتب المباحث الاتحادية FBI تشير إلى أن حوالي 4700 جريمة قتل ارتكبت في الولايات المتحدة استهدف السود منها بنسبة 68% ولعل هذا الرقم إضافة إلى جرائم كراهية مماثلة هي التي حملت الآلاف من الأمريكيين السود للتظاهر في نهاية شهر نوفمبر المنصرم في واشنطن مطالبين السلطات الاتحادية بمزيد من الحزم في مواجهة الجرائم العنصرية ففي جو قاس البرودة سار المتظاهرون الذين قدم بعضهم بحافلات من عدد من الولايات الجنوبية بهدوء في شوارع العاصمة باتجاة وزارة العدل وهم يرددون هتافات من بينها quot; لا عدالة لا سلام quot; وقد تبلورت هذه الحركة حول مدينة quot; جينا quot; في ولاية لويزيانا والتي يهزها توتر عرقي منذ خريف 2006 ولم يلاحق معظم البيض المتورطين في أعمال عنف وترهيب ضد السود في المدينة وقد وصل شان العنصرية حد تعليق مشانق رمزية في أماكن عدة من البلدة في تذكير بالماضي الأليم الذي عاناه السود، مما دعا القس الأسود quot; آل شاربتن quot; احد زعماء حركة المطالبة بالحقوق المدنية للسود للقول quot; إن تعليق حبل مشنقة ليس مزحة في نظرنا quot;.


ويمتد التمييز الى مجال العمل اذ تبلغ البطالة بين السود نحو 8% مقابل 4% للبيض فيما يصنف 25% من السود بأنهم يعيشون دون خط الفقر كما يقدر معدل دخل الاسود بحوالي 32 ألف دولار سنويا مقابل 51 ألف الابيض، أما على صعيد الحالة الصحية فالتفاوت كبير أيضا إذ يقل معدل الرجل الأسود بست سنوات عن معدل نظيره الأبيض فيما يشكل السود 47% من ايجابي المصل لفيروس مرض نقص المناعة المكتسبة quot; الإيدز quot; مقابل 34% من البيض.


ويطول مشهد التمييز كذلك السجون الأمريكية حيث تقود المعاملة العنصرية إلى زج الآلاف من السود في السجون لتبلغ نسبتهم اليوم ستة أضعاف عدد البيض ولهذا لم يكن غريبا أن تكشف دراسة أجرتها جامعة شيكاجو عن أن 60% من الشبان السود يشعرون بأنهم منبوذون من المجتمع الأمريكي quot;.


هل كان اوباما يدرك هذا الواقع الأليم المحيط به؟
بالقطع نعم وهذا ما ورد على لسانه في خطابه التاريخي الذي القاه في فيلادلفيا في الاسابيع الاخيرة لحملته الانتخابية الرئاسية مشيرا إلى الألم والغضب والإحباط الذي عانت منه أجيال من البيض والسود على حد سواء شارحا رؤيته الخاصة حول كيفية تجاوز مرارة quot; ابيض واسود quot; ومحنة معاناة السود على يد البيض ونسيانها وقد دخل التاريخ يومها بعبارته quot; عانقوا أخطاء الماضي لكن لا تصبحوا ضحايا لذلك الماضي quot;. مطالبا الأمريكيين بالسمو بأنفسهم عن الآراء العنصرية التي تغذي الفرقة والخلاف والانقسام والصراع والتركيز على الأمور التي يعاني منها الأمريكيون جميعا بيضا وسودا وهي المشاكل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأمنية المشتركة التي تواجههم جميعا.


وعلامة الاستفهام هل ستغير حماسة اوباما من واقع الحال العنصري الأمريكي؟
ربما يكون ذلك كذلك شريطة ألا يضحى اوباما نفسه حجر عثرة تعيد أمريكا سودا وبيضا إلى زمن المواجهة العنصرية في أسوا صورها... ماذا يعني ذلك؟
بحسب استطلاع الواشنطن بوست،يقول نحو 3 مقابل 1 أن التأثير سيكون ايجابيا، ويرى 4 مقابل 10 انه لن يحدث تغييرا كبيرا على الأرجح وفي هذا الصدد يتفوق الافريقيون الأمريكيون بتفاؤلهم على البيض إذ يقول 60%أن ترشيح اوباما سيعمل أكثر على تحسين علاقات السباق مقارنة مع 38% من البيض.


أما إشكالية حجر العثرة فتتاتى من الاشارات والتلميحات الخاصة باحتمالات اغتيال اوباما تلك التي اشارت اليها هيلاري كلينتون من قبل عندما قارنت اوباما بروبرت كيندي الذي قطعت العنصرية المذهبية عليه الطريق للرئاسة كما اغتالت اخيه الرئيس جون كيندي من قبله، وحال ذلك تعود الصراعات العنصرية لتطفو على السطح من جديد داخل أمريكا معلنة أنها لم تغب يوما وأنما توارت وجاءت اشكالية ترشح امريكي من اصل افريقي للرئاسة لتكشف الزيف الذي يدعيه البعض هناك حول قيم المساواة والعدالة داخل المجتمع الامريكي.


ويبقى القول هل ستفلح محاولات اوباما في انتشال أمريكا ولو بقدر ما من عنصريتها الضاربة الجذور أم ستكون سيرته و مسيرته الرئاسية مدعاة لعواصف وأعاصير لا تصد ولا ترد حال حدوث القارعة؟.

إميل أمين
كاتب مصري
[email protected]