دون سابق انذار ودون مقدمات تناقلت وسائل الاعلام تصريحات غاية في الخطورة لبعض المسؤولين في العراق. تشير الى quot; امكانية وقوع حرب بين عرب واكراد العراق في حالة انسحاب القوات الامريكية دون حسم بعض الامور وخاصة موضوع كركوك quot; نسب هذا التصريح الى السيد نيرجفان البرزاني رئيس حكومة اقليم كردستان العراق. وسوى كانت هذه التصريحات صحيحة او مفبركة من قبل وسائل الاعلام، فان مثل هكذا خبر وفي كلا الحالتين لم ياتي من فراغ بل له اسباب قد طفحت للسطح من خلال الخلافات في وجهات النظر حول بعض التصرفات او التفسيرات لبنود الدستور بين الحكومة العراقية الرسمية والحكومة المحلية في اقليم كردستان العراق. وهذه حالة طبيعية في بلد يشهد منذ خمسة سنوات بداية بناء وتكوين وانقلاب جذري من اقصى درجات الديكتاتورية الى اقصى درجات الديمقراطية وفي وسط محيط اقليمي سماته الرئيسية quot; ديكتاتورية وتوريث الحكم وايضا وهذا الاهم اتفاق واجتماع هذا المحيط على تعطيل هذا التقدم الدستوري والديمقراطي في العراق الجديد على الرغم من كثرة التناقضات والمشاكل بين نفس هذا المحيط quot;

ان العراق ومنذ عام نيسان 2003 خرج من سجل اسود من صفحات الابادة الجماعية بكل انواعها الاجرامية حيث مئات المقابر الجماعية في الجنوب والفرات الاوسط وايضا جرائم تجفيف الاهوار وحتى جرائم الابادة البشرية واستخدام اسلحة الدمار الشامل في كردستان العراق وتهديم واخفاء مئات القرى هناك. ناهيك عن الاقصاء والتفرد في الحكم. لذلك بعض الشكوك وعدم الثقة يمكن ان تكون في خانة التفهم المنطقي، ولكن السؤال الذي يبحث عن جواب منطقي ايضا ماهي الحدود النفسية والزمنية لانهاء مثل هكذا quot; هواجس quot;.؟ وايضا ماهي السبل للمساعدة في تجاوز هذه الشكوك؟ اعتقد ان الجواب وبدون تفاصيل كثيرة يجب ان يكون من خلال تثبيت احترام الدستور والقانون وايضا حسم موضوع التعديلات التي نص عليها الدستور العراقي الجديد لان هذه التعديلات التي يطرحها البعض لايمكن ان تبقى معلقة الى مالا نهاية، بل يجب ان تحسم من خلال الاليات الدستورية نفسها بما يضمن نهاية قانونية ودستورية لكثير من الامور المعلقة او المختلف عليها لحد الان من خلال الموافقة او عدم الموافقة عليها.

وحتى يحين ذلك الوقت لايجب ولايمكن القبول بلغة التهديد او لغة الحرب بين العراقيين انفسهم، لان ثقافة الاختلاف السلمي واللجؤ الى الدستور او المحاكم الدستورية او القضاء العراقي يجب ان تكون هي السبل الوحيدة لحسم كل الامور، يجب ان تسود ثقافة الدستور والاختلاف السلمي الحضاري، فلقد شبع العراقيين الاكارم من الحروب ومن الموت الجماعي حد quot; التخمة quot; ولقد انثلمت امالهم وطموحاتهم الانسانية بشكل فاق كل تصور بل ان تخلف وتراجع العراق كبلد عن موقعه المميز اصبح لايطاق و لايمكن القبول به ولو في الحدود الدنيا، وثقافة ولغة تستوطنها اشارات الحرب والدم والخراب والتدمير لايمكن قبولها والتعاطي معها من اقصى الجنوب العراقي وحتى اخر قمة جبل في كردستان العراق. واي سياسي يحاول امتهان هذه quot; الصنعة quot; التدميرية سيجد نفسه هو الخاسر الاول والاكبر في عراق اليوم، لان استحقاق وثمن استخدام لغة السلاح في عراق اليوم ستكون عقوبتها القضائية والتاريخية اسرع بكثير مما يتصور بعض العاملين في السياسية العراقية الحالية، لان العراق كبلد اصبح اليوم جزء من المنظومة الدولية التي لاتغمض عينيها عن مثل هكذا جرائم لو حدثت لاسامح الله، و ايضا العراقيين جميعا كشعب لم تعد تنطلي عليهم الشعارات الفارغة لذلك ستجد ابن العمارة يدافع عن حرمات ودماء ابن دهوك وستجد ابن اربيل يقارع لاجل دعم اخيه في البصرة وستجد ابن الناصرية يدعم اهله في الانبار بكل قوة وعزم. والخوض بدماء العراقيين لايجب ولن يمر مرور الكرام مهما توهم البعض غير ذلك.

اما مسالة التهجم في وسائل الاعلام على رئيس الحكومة العراقية المنتخبة السيد نوري المالكي وبشكل خارج حدود الكياسة الشخصية وحتى السياسية كما فعل بعض اعضاء البرلمان العراقي خلال هذا الاسبوع. فان ذلك بصراحة الامر هو ليس افضل الحلول ولا افضل طرق المعالجة للمشاكل، لان المالكي هو نتاج عملية دميقراطية ودستورية ومن يرغب في اقالته من المنصب فالطريق واضحة ولاتحتاج الى عناء للوصول اليها من خلال البرلمان العراقي، وايضا من خلال استيعاب وفهم الوضع الجديد الذي افرزته نتائج انتخابات مجالس المحافظات. فالمالكي ليس صدام حسين ولا يتصرف بشكل ديكتاتوري بل هو رجل في موقع المسؤولية الكاملة للدفاع عن حقوق العراق وكل العراقيين. لذلك هذه البورصة قد خسرت بشكل واضح من خلال تصويت العراقيين الذي جرى خلال هذا الشهر. كما سقط خيار الحرب والارهاب والاستهداف بين العراقيين، لانهم تصرفوا بشكل حضاري غاية في التطور من خلال خروجهم الى صناديق التصويت. وهذه ابسط اشارة يمكن ان يتلفقها العاملين في السياسة العراقية الجديدة. الا اذا اصر البعض على العيش في الماضي.


محمد الوادي
[email protected]