قبل أن يبرد جثمان شيخ الدراما العراقية ؛ الكاتب والمخرج والسيناريست الشهير عبد الباري العبودي، الذي رجع إلى ربه ( عصر 18/2/2009 ) إثر جلطة دماغية، رقد عقبها في غيبوبة بمستشفى الحسين التعليمي بالناصرية طوال اثني عشر يوما ً، منـّت قناة quot; الشرقية quot; على روحه الطاهرة والمبدعة ماادّعت تقديمه لعائلته من دعم مادي، إذ قال ملحق جريدة quot; الزمان quot; الثقافي quot; ألف ياء quot; على موقعه الألكتروني بالنص ّ : quot; وكانت ( الزمان ) قد تفقدته [ الراحل العبودي ] قبيل رحيله بساعات، مترافقة مع المتابعة المادية والمعنوية لقناة ( الشرقية ). quot; ونقلت عن شقيق العبودي ( صباح ) ماوصفته بتثمينه مبادرة quot; الشرقية quot; بمدّ يد المساعدة للعبودي قبيل رحيله وللمثقفين والفنانين بشكل عام، على حد ّ تعبيرها.


وليست هذه هي المرة الأولى التي تفضح فيها قناة quot; الشرقية quot; أسرار ذوي العزة والكرامة من فناني وكتـّاب العراق الذين يحسبهم الناس أغنياء من التعفـّف وهم طاوون على الجوع وعاضون على النواجذ لئلا تهرب من بين شفاههم الذابلة صرخة آه. فقبل أيام ٍ فقط، ظل شريط quot; الشرقية quot; يجري جيئة ً وذهابا ً زاعما ً أنها خصصت طائرة خاصة لنقل جثمان الفنان الكبير الراحل عبد الخالق المختار من دمشق إلى بغداد، حتى بعد إعلان مراسلة قناة quot; البغدادية quot; في دمشق شيماء عماد زبير أن الطائرة الوحيدة التي توفرت لنقل جثمان المختار كانت طائرة وزير النقل العراقي الزائر، الذي كان هو نفسه من اقترح ذلك.


وإذا كانت قناة quot; الشرقية quot; والقائمين عليها لم يسمعوا بحديث شريف يقول إن صدقة السرّ تطفىء غضب الرب ّ، ولم يقرؤا الآية الكريمة التي تحذر المؤمنين من إبطال صدقاتهم بالمن ّ والأذى، فمابال الحكومة العراقية ؛ الراعي المفترض للمبدعين، أهملتهم وتركتهم نهشا ً للحاجة والشـُّحّ وضيق ذات اليد، بعد كل ذلك العطاء الذي قدموه للوطن وثقافته وأهله.


لقد قيلت معلـّقات ومطوّلات في quot; مساوىء quot; و quot; نواقص quot; رئيس الوزراء العراقي السابق ورئيس تيار الإصلاح الوطني إبراهيم الجعفري، لكن الأيام الخوالي تحفظ له سرّا ً تستحب إذاعته، وهو أنه لم يبخل وهو رئيس وزراء الزمن العاصف، لا بالوقت الثمين ولا بالإمكانيات الرسمية، بغية إنقاذ حياة أحد المبدعين العراقيين في منفىً بعيد ( أ. د عبد الإله الصائغ في كندا ) وشاءت إرادة الله أن يفلح مسعى الجعفري ويتم إنقاذ الصائغ، فيما بخلت الأقدار على شيخ الدراما الراحل عبد الباري عبودي بسيارة إسعاف أخرى تخرج سيارة مستشفى الناصرية من يتمها المؤلم وتتيح نقله على عجل إلى العاصمة لإنقاذ حياته، فمن السائل ومن المسؤول، وإلى متى ستستمر دراما الخراب في محافظات الجنوب، في كل العهود.


لاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم...
ولد الفنان والكاتب والسيناريست الكبير عبد الباري العبودي في قضاء الشطرة بمحافظة ذي قار ( 45 كم شمال الناصرية ) العام 1946، وعمل في مجال المسرح والتلفزيون والإذاعة، وكانت عبارة quot; إخراج عبد الباري العبودي quot; بصوته الدافىء سمة مميزة للإذاعة العراقية في الستينيات والسبعينيات، وعربون صداقة يتسلل إلى قلوب المستمعين وهواة الراديو في ذلك الزمن الجميل، بدون حاجة لأي استئذان.


وقدّم الراحل العبودي أعمالا تلفزيونية اجتماعية منذ الستينيات، وعـُرف بمسلسلاته الدرامية الرائعة مثل quot; أمنيات صغيرة quot;، quot; محطات الذاكرة quot;، quot; أيام الإجازة quot;، quot; بيت الحبايب quot; و quot; أجنحة العصافير quot;. وكان من أفلامه أيضا ً ( قصة وسيناريو وحوار ) quot; عمارة 13 quot; ( 1987 ) للمخرج صاحب حداد، و quot; وجهان في الصورة quot; ( قصة وسيناريو وحوار أيضا ً ) ( 1989 ) للمخرج حسن الجنابي. ومن مسرحياته كذلك quot; حب في الدبّخانة quot; إخراج أسعد عبد الرزاق ( 1993 ).


غادر الفنان الراحل بلاده إلى الأردن مطلع التسعينات لعسر مالي بالغ الشدّة وعاد إليها العام 2000، وكتب العديد من الأعمال التي تنتظر من يزيح عنها غبار التجاهل والتي لم تر النور بعد، وأصيب بجلطة دماغية أولى العام 2000 شفي منها العام 2001 ( وتلتها ثلاث جلطات أخرى وكانت الرابعة القاتلة ). وفي عام 2004 أحيل على التقاعد، لكن حبه للأدب والفن والثقافة دفعه إلى التعاقد مع شبكة الإعلام العراقي للعمل فاحصا ً للنصوص التلفزيونية العام 2005 حتى رحيله إلى بارئه في الناصرية بعد ظهر الأربعاء الثامن عشر من شباط ( فبراير ) الجاري.


أستمطر رحمة الله العليّ القدير على روح الفنان الفقيد عبد الباري العبودي، وأتقدم بالعزاء إلى عائلته الكريمة، وأخص ّ منها بالذكر شقيقه السيد صباح وحرم الفقيد وبناته السبع وأصهاره وعموم أقربائه، ومنهمً عديله و شقيقي الأستاذ حكمت جبار.
إنـّا لله وإنـّا إليه راجعون.

علاء الزيدي

www.elaphblog.com/alzeid

[email protected]