اختتمت القمة العربية الرباعية، التي عقدت في الرياض بدعوة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وحضرها الرئيسان المصري حسني مبارك والسوري بشار الأسد وأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح.


واعتبرها القادة الأربعة بداية لمرحلة جديدة في العلاقات تسعى فيها الدول الأربع لخدمة القضايا العربية بالتعاون فيما بينها والعمل الجاد والمتواصل لما فيه خير الدول العربية والاتفاق على منهج موحد للسياسات العربية في مواجهة القضايا الأساسية التي تواجه الأمة العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.


يقول الرئيس الاسد للشرق الاوسط انها بداية فعلية لتنقية الأجواء العربية، مؤكداً على اتفاق قادة الدول الأربع على آليات لإدارة الخلافات العربية، لافتاً إلى أنها لم تنته.


الرئيس السوري بإسلوبه اللغوي يشير الى عبارة quot; لم تنته quot; وبعض الكُتاب اعتبروها قمة مصالحة قد تفجر خلافات، اما قناة الجزيرة وكما وصفها وزير الاعلام المصري أنس الفقي بأنها انشأت بأيدلوجية معينة وسقط قناعها بعد احداث غزة. أيضاً لم تأخد قمة الرياض على شاشتها الاعلامية كما هو معتاد، قد تكون اشارة قلق الحكومة القطرية لعدم دعوتها للحضور او دوامة خجل لاحقت الجزيرة بين اولويات التركيز على قمة ايرانية يحضرها الامير القطري في ظل غياب حليفه السوري عن القمة الايرانية من اجل قمة المصالحة واللحاق بالعمالقة العرب.


يرى الكثير من الجماهير العربية ان ايران وحليفها الوحيد في الشرق الاوسط سوريا على حلف عهد وميثاق وان السعودية وحلفائها العرب اوكلوا الى رجال الدين مهمة الدعاء والتضرع الى الله لفرج قريب صادق. فبعضهم يصفها بالهرولة السنية بين سوريا وايران من اجل اللحاق بسفينتهم ومركب النجاة والسلام كمركب صدام حسين الذي غرق قبل ان يُبحر. وسرعان ما فرح بعض الفلسطينيين بمن سوف يحرر لهم مملكتهم التى طال انتظارها حتى لو قامت على انقاض العرب. وفريق اخر يرى ان المد الشيعي اقترب وحلفاء ايران يطوقون المنطقة وانفاقهم وصلت الى البيت الابيض شرقا في حرب جديدة من نوعها حرب بين صواريخ تسقط من السماء الاسرائيلي وقذائف تخرج من تحت الارض في وقت أصبح اهل الارض لا حيلة لهم ولا قوة الا عبارة صامدون تُبث على هواء الفضائيات.


ليس الامر كذلك.. الواقعية هي المخرج الحقيقي لكل كاتب ومحلل ونصره الصادق لامته وقوميته وعرقه ودينه. وليست معركة تحرير الكويت بعيدة ذكرياتها المؤسفة بالغزو والعظيمة بنصر التحرير عندما انتفض السوريون في تحالفهم مع السعودية ومصر وغالبية الدول العربية للوقوف ضد العدوان العراقي المنكر لواقعية وتاريخية الكويت كدولة عربية مستقلة، وما سقط نظام صدام حسين ( وليس العراق ) المرافق للدعوة العربية المشتركة بأن يكون العراق لاهله فقط دون تدخل القوى الاقليمية، ظهرت الملامح السورية الصامتة وقبول التدخل الايراني في العراق على امل ان يكون لها جزء من الكعكة الايرانية في العراق، وسرعان ما تحول الصمت السوري الى الوان متعددة تارة يقر وتارة يطالب بحقه الى ان اصبح الوجود الامريكي في العراق يشكل خطراً على سوريا أكثر من ايران وما كانت الصدمة لهم ان العراق الجديد اعلن عودة العراق الى جامعة الدول العربية ودعمه المطلق لمبادرة السلام العربية التى اقرتها جارتها السعودية.


ونظرة الى العلاقات السورية مع ايران ومتابعة مختصرة تتسم بالحيادية والواقعية حيث ان سوريا هي الدولة العربية الوحيدة التى وقعت مذكرة التعاون الدفاعي مع ايران عام 2006 وكما شهدت العلاقات الثنائية الجوانب الاقتصادية والثقافية، وتمارس المستشارية الثقافية الايرانية نشاطاتها الثقافية الايرانية بقوة داخل الاراضي السورية، لكن هذا الامر لا يعني ان ايران وسوريا على توافق تام فالمعطيات الواضحة تتنافى مع اشاعة بما يسمى الحلف السوري الايراني في المنطقة، حيث ان:
سوريا لم تستفد من الوجود الايراني في العراق، الرئيس بشار ادرك ذلك عندما سمحت سوريا بدخول المجاهدين العرب الى الاراضي العراقية عبر حدودها وهي تعلم ان من دخل عبر حدودها من العرب كانو ضد الوجود الايراني، قد تكون محاولة بعد يأس في بناء قاعدة سورية داخل الاراضي العراقية كما فعلت ايران ونجحت لاستخدامها ضمن اوراق تمتلكها في المنطقة وقد خاب ظن السوريين في ما يسمى بالكعكة العراقية يتناولها الاصدقاء في ليلة قمراء، فقد صدقت امريكا عندما قالت العراق للعراقيين فقط.


بلا شك سوريا فقدت الورقة اللبنانية وخرجت دون رجعة والواضح انتصار الاغلبية السنية بقيادة الشيخ سعد الحريري، والرهان السوري على الثغرات الأمنية في لبنان وتخبط الاوضاع كرهان المليشيات العراقية ضد الوجود الامريكي ليست الا صيحات برق ورعد تنقشع غيومها متى اشرقت شمس الديمقراطية والقيادة الشعبية. وللوجود السوري في لبنان كان له الاهمية الكبيرة بعد ان تاهت حركة امل الشيعية المدعومة من سوريا امام حركة حزب الله المدعوم من ايران بل اصبحت حركة امل موالية لحزب الله وايران ولم يبقى لسوريا في لبنان الا قواتها التى ايقظت الشعب اللبناني بأنه بات احتلال يتنافي مع الشرعية اللبنانية التى اُخرجت من لبنان بأمر دولي فوري واضطرت سوريا على التنفيذ الصامت دون اي تحرك يذكر للموالين السوريين في لبنان سوى تأكيدهم انتمائهم لايران.


لعنة الحريري تطارد سوريا فالمحكمة الدولية من اجل ملاحقة المدانين بقتل رفيق الحريري مازالت تحتفظ بأوراق التحقيقات وما تورطت القيادة السورية او احد من قيادتها فسوف تدفع سوريا الثمن الغالي والباهظ على كل نسمة هواء تنفسته في لبنان.


سوريا قد تفقد حماس وهو أمر حتمي متى شعرت ايران بأهمية استضافة حركة حماس داخل الاراضي الايرانية وقد تكون هذه رغبة قيادة حماس السورية، فقد لا توافقهم نبضاتهم كلما سمعوا بالحوار السوري مع جارتها اسرائيل او قد يكون مصيرهم الطرد. ومتى حدث ذلك تكون سوريا خسرت اوراقها في المنطقة. وما حدث في غزة مؤخراً يدلل على ذلك عندما كانت تقصف اسرائيل مدينة غزة انشغلت غزة عن ذلك بحرب اعلامية ضد مصر تتهمها بالخيانة فالنصر الذي حققته حماس من تلك الحرب هو رفع مكانة ايران دون سوريا بين العرب، وسرعان ما انتهت الحرب سارع خالد مشعل بالسفر الى ايران ليشكر امير المؤمنين المرجع الديني على خامنئي وليطلعه على ما حدث في غزة ولماذا لم يطلع الرئيس الاسد كما اطلع ايران. وما يثير الدهشة من مواقف حماس هو الرجوع الى الوساطة المصرية بعد اتهامها بالخيانة يبدو ان حماس تستخدم مصر ورقة جديدة لكي تكون جسرها في بناء دولة غزة في المستقبل وينجح خالد مشعل بعد اخفاق حزب الله في الجنوب اللبناني ودخول القوات الدولية التى حالت بين حزب الله ومعسكراته في الجنوب مع الحدود الاسرائيلية.


سوريا غير قادرة على خلق مقاومة في الجولان تنطلق من الاراضي السورية ليس لتحرير الجولان بل تكون ورقة ضغط تجبر اسرائيل على تقديم بعض التنازلات من اجل العودة الى طاولة المفاوضات، وسوريا تعلم ان رصاصة مقاومة من اراضيها تعادل كل الصواريخ التى اطلقتها حماس وحزب الله على اسرائيل امام الرأي العام.


سوريا لن تجعل ايران من اولوياتها الاستراتيجية نظراً لفروق عظيمة كالبعد الجغرافي والثقافي والايدلوجي والعرقي وتعلم الحكومة السورية التى جعلت القومية العربية رسالتها الاولى في وحدة الشعوب العربية وان شعبها السوري العربي السني يميل الى الصفوف العربية السنية ضمن أسس ومبادئ وعقيدة مشتركة، وقد تكون هذه نقطة انطلاق السعودية نحو الدول العربية في دعم روابط الشعوب قبل المصالح الحكومية والخاصة.


سوريا تواجه الخطر التركي الجديد وهي الدولة العربية الاكثر تضرراً من الاستعمار التركي السابق وشعبها السوري كان في الصفوف الاولى عندما اندلعت الثورة العربية ضد الوجود التركي التى قادها الشريف الحسين جد العاهل الاردني عبدالله الثاني. وليس من مصلحة تركيا وجود قوة سورية جنوبها تحول بينها وبين رغبتها بالشرق الاوسط وجاء دفاع تركيا عن حماس كإشارة وجود البعد الثالث لاستضافة هذه الحركة في المنطقة.


سوريا تدرك الطموح الكردي ( اكراد سوريا ) في المنطقة وحق الحكم الذاتي هو ادنى الحقوق أسوة بأخوانهم اكراد العراق، ولا تتوقع سوريا المد العربي عندما يطالب اكرادهم بحقوقهم كما فعلت الدول العربية مع البحرين وعلى الرغم من جامعة الدول العربية اغلقت ملف البوليساريو بقطعية ثبوتية ان الصحراء جزء من مملكة المغرب لم تخجل المغرب عندما قطعت علاقاتها مع ايران من اجل اخويتها وعروبتها مع البحرين التى تبعد عنها اميال الشرق والغرب.


سوريا تدرك ان ايران في مأزق ومهما وصلت في طموحها النووي سوف يكون نقمة عليها في ظل الرفض الاقليمي والدولي لهذه البرامج في الشرق الاوسط دون الرقابة الغربية الكاملة، وما يثير الدهشة الرفض الايراني الشديد اللهجة لهذه الرقابة على الرغم من تأكيدها على نواياها الحسنة وانه برنامج يخدم الاغراض السلمية ولماذا لا تنظر ايران الى جنوب افريقيا التى اصبحت الدولة الاولى على مستوى القارة الافريقية واقتصادها المصنف بالنمو القوي كالهند والبرازيل وذلك عندما قالت لبرنامجها النووي اخرج ولا عودة لك وفعلا جنوب افريقيا الان تطالب بمقعد دائم بمجلس الامن الدولي وبدعم فرنسي تحقق من خلاله ما يفيد شعبها اكثر مما سوف يحققه لها كل البرامج النووية في العالم. والكارثة الاكبر هو ان يكون الشعب السوري متضرراً من برنامج ايران النووي بسبب المواقف السورية المؤيدة حسب مصالحها الخاصة واي مصلحة سوف يجنيها الشعب السوري من برنامج نووي قد لا يخدم الشعب الايراني بل يضره.


سوريا تدرك ان المعسكر الاشتراكي ( روسيا والصين ) لا يحبذ التحالف مع سوريا، فالمعسكر الاشتراكي يقرأ التصريحات السورية ذو الميول للمصالحة مع المعسكر الاوربي الغربي الامريكي ورغبة الشعب السوري بالحياة الرأسمالية، روسيا والصين تدركان الدور السوري في احياء القومية العربية وما تمر به سوريا اليوم هو زوبعة مصالح لا تصب الا في الفنجان العربي الامريكي.


سوريا تدرك خطر المعارضة السورية في الخارج ومن ابرز قيادتها عبدالحليم خدام عضو حزب البعث السوري وابرز مرافقي الرئيس السابق حافظ الاسد والذي تولى منصب نائب رئيس الجمهورية ووزير الخارجية وشهد شاهد من اهلها عندما قال ان سوريا تعاني من الفساد الذي تحول الى مؤسسة وسلطة في الهيمنة على الثروة والمال وخاصة عندما اصبحت القوات المسلحة السورية الى أداة لحماية النظام والأسرة الحاكمة.


سوريا تدرك ان قناة الجزيرة الفضائية ليست دولة ولن تدافع عنها اذا وقعت اسيرة حرب في المنطقة وما دفاع الجزيرة الا موجات الكترونية تُبث عبر الاقمار الصناعية فهي لا تمتلك اي ارادة سياسية، ولو ارادت الولايات المتحدة الامريكية واسرائيل لقطعت الكهرباء فيصبح حوار الجزيرة بين المذيع والمصور فقط، كما ان موقف الجزيرة والذي اصبح يتضح الان لكل المشاهدين بتحيزه للرأي الاخر دون ان يُسمعنا ما هو الرأي الاول حتى نعلق على صحة الرأي الاخر او يستطيع الجمهور المقارنة بين الرأي الاول والرأي الاخر، وان كنت اعتقد ان عبارة الرأي والرأي الاخر بات عهد قديم لاننا في عصر تتعدد فيه الاراء فهناك الرأي الثالث والرابع.. هكذا الديمقراطية، وبالنسبة للموقف القطري الرسمي الذي اصبح يميل لمفارقات الجزيرة لكن لا نعلم ان كانت الحكومة القطرية تدرك ما هو خطورة اختراق قيادة حماس وحزب الله لقناتهم الفضائية وتأثيره السلبي على عضويتهم في مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية. وهل تدرك قطر ان ادارة القناة تفتقد السواعد القطرية الوطنية التى من حقها ان تعبر عن رأي الجمهور القطري والخليجي قبل اي جمهور اخر.


ايران وسوريا تدركان ان المملكة السعودية لا تهرول نحو تحالفهما ولا مطامع لها في المنطقة وما تقدمه في رعايتها للمقدسات الاسلامية ( مكة المكرمة ومدينة الرسول عليه السلام ) والتى اصبحت معقل المسلمين السنة من العرب والعجم بعدد يفوق المليار مسلم ينتمي للمذهب الاسلامي السني كفيل للسعودية وجزيرة العرب بأن يحقق لها مصالحها وبسط نفوذها على العالم الاسلامي بقوة التاريخ وعقيدة الدين الاسلامي واقوى العلاقات مع العالم الخارجي كما تدركان ان السعودية قادرة على توسيع قنوات الاتصال مع روسيا والصين بالقوة السياسية والاقتصادية. والسعودية ليست عاجزة عن ذلك بقدر ما هي تسعى الى تحصين البيت العربي وربطه بالعالم الاسلامي بالاخوية الاسلامية وربطه ببقية دول العالم بالاخوية الانسانية. كما ان ايران وسوريا ادركتا فشل نظرية الهرولة السعودية يوم اتفاق مكة عندما شد رجال حماس الرحال الى ارض العهود والمواثيق العالمية بعد ان وصلت حماس الى مرحلة النهاية والضيق والخناق السياسي مع منظمة التحرير الفلسطينية ولم تستطع ايران وسوريا تقديم اي شيء لحماس حتى عبارات المساندة الشفوية على ما اذكر. ورغم قدرة السعودية على استضافة حماس في السعودية وبكل تأكيد لن تعارض حماس ذلك، لكن السعودية لم ترغب بسحب الاوراق الاخيرة التى تمتلكها شقيقتها السورية بل عملت على دعم ورقتها الحمساوية فالسعودية لا ترى اي ثقل تشكله حماس في المنطقة حتى على اسرائيل ولا تراها البديل عن منظمة التحرير الفلسطينية وعلى هذا استضافت السعودية الاخوين فتح وحماس وخرجا من السعودية بسلام وأمن وربطهم بعهد وميثاق وعدم استغلال احد الطرفين على حساب الاخر او لحسابات خاصة.


نعم.. هذه الاوراق السورية في المنقطة والتى نراها ارث قديم من النظام السوري السابق ( المرحوم حافظ الاسد ) فقد كانت جوانب فعالة في عهد قديم، لكن لابد من ان تفعل الادارة السورية وتبدلها بما هو من مصلحة الشعب السوري ليكمل مسيرته مع باقي الشعوب العربية.


كما ان سوريا مازالت ترفض حق ايران بالسلاح النووي وتدين الاحتلال الايراني للجزر الاماراتية بل ترفض التدخل الايراني غير المشروع في المنطقة العربية وتعتبر علاقتها مع ايران ليس الا تحالف لمواجهة الخطر الاسرائيلي وهذا هو حقيقة الجوهر السوري سوف تعلنه علانية متى دخلت في مفاوضات حقيقية مع جارتها اسرائيل وهذا ما يسعى العرب له.


وما قصدت من مصطلح الهرولة السنية هو احداث محدثة او ابداع بدعة لم يعرفها العرب ولم يدونها تاريخهم، بل مصطلح اخطأ من اعتقد بهرولة المسلم وسعيه بين الصفا والمروة من شعيرة نمارسها مع القوي لكي نهرب من ضعف نحن فيه، وما قبلنا الحجر الاسود الا بعد ما قبله الفاروق امير المؤمنين عمر بن الخطاب الرجل الثاني في دولة الرسول عليه الصلاة والسلام اسوة بفعل الرسول. هكذا اعتقد البعض اننا امة هرولة من صديق الى صديق بل نحن امة محمد ومن بعده الصديق ومنهم تعلمنا من هو الصديق وعدوا لن يكون بعدها صديق.


بلال الصباح
جنوب افريقيا