لا أدري ما هو الشعور الذي ينتابني حينما أقرأ خبر اعتناق أحدهم الإسلام، لا أجد وصفاً مناسباً لذلك إلا تلك الحالة التي تكون وسطاً بين الفرح والانقباض، أعتقد أن السطر السابق كفيل للبعضبتجريمي ورمي تهم التفسيق ووصفي بالزندقة فلو صبرت جموع الاستباقيين وما ابتلوا بشككية التلقي لتسنى لهم أن يفهموا لما يشعر كاتب هذه السطور بانقباض، لم أقل (يعوا) لأن الوعي مرتبة

أعلى من الفهم وهي مجازياً تتساوى مع الاقتناع لا تأتي إلا بعد مداولات رأي، أعود لصلب موضوعي بالضم وليس لصلبه بالفتح لأن هناك من سيكفيني مؤونة ذلك، لن أسوق مبررات لسروري فتلكواضحة لا تخفى حتى على الأعمى نفسه، أما التحرج والانقباض والأسى أحياناً فهو نتيجة أن بوصلة المناشط الدعوية دائماً ما تتجه نحو مناطق يكون الفقر فيها ظلاما ملازما لساكنيها حيث الفقر

هناك عبارة عن متوالية حسابية تبدأ بالفقر نفسه مروراً بطرق عدة لمحاولة الخلوص من قبضته والمحصلة لا شيء.

لا أدري هل هي الرغبة عند الدعاة في جمع أكبر عدد من حمر النعم لأن بساطة القوم في المناطق الأكثر فقراء تدفعهم إلى تجربة الجديد لأنه ليس هنالك ما يخسرونه. فإذاً إسلامهم مسألة حتمية ممايعني كسب تلك الخيرية للدعاة أم أنهم فعلاً يسلمون عن اعتقاد كامل (وهذا ما أرجوه) وليس لمجرد أنهم بإسلامهم سيضمن لهم الحصول على قوتهم الذي هم في أمس الحاجة له وهنا يأتي دور

الدعاة في محاولة ترسيخ الإسلام وتثبيته في قلوبهم.

لكن مشكلة النشاط الدعوي غالباً ما يتوقف عند ولوج الشخص الإسلام أما بعد ذلك فهو موكول للشخص نفسه، قد سقت أحد الأمور التي تجعل لامتعاضي مبرره وإن كان الأول لن يكون الأخيرحتماً، وأنا أقرأ حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف)، أستغرب تلك الرغبة المحمومة من الدعاة في التهافت على الإفطار الأكثر فقراً في العالم فمن

مخرجات الفقر. المجتمعات الضعيفة الأقل حظاً في التعليم المائلة إلى العشوائية في تصرفاتها فلا أجد مواءمة بين ما قاله من لا ينطق عن الهوى وبين ما يحدث على أرض الواقع، فلماذا لا توجهالمناشط الدعوية المكثفة إلى من تميل موازين القوى في مصلحتهم، لماذا لا يتسابق من يريدون حمر النعم في محاولة استمالتهم. أم أن القوم هناك يعتمدون المنطق العقلي أكثر ويحتاجون إلى وقت

أطول مما يعني محصلة أقل للداعية، لو أننا كثفنا مناشطنا هناك بالقدر الذي هو في القارة السمراء لوجدتنا أفضل حالاً فما الذي يفيد الأمة إن أسلم مائة شخص كانوا بمثابة العالة عليها، فالإسلام طبيبواحد كفيل بأن يعالج هؤلاء المائة وأن يفعل ما يفعله هؤلاء المائة مجتمعين، لكن قبل أن نحاول أن نحرف مسارنا ونحيد عن القارة السمراء وأخواتها الهزال إلى القارة العجوز الفتية وما جاورها

فباعتقادي أن أسلوب الدعوة يجب أن يتغير فإن كنت تستطيع أن تقنع قرية إفريقية كاملة بكيس بر من باب {وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} فالخواء الروحي عند الغرب يختلف عن خواء البطون في إفريقيا والدولالفقيرة، فالجوع يجعلك أبعد ما تكون عن التفكير، لذلك لا يهم ما تكون عليه وأنت لم تشبع، فهناك ما يلهيهم عن مسألة سد الفراغ الحاصل بعدم وجود مرجعية دينية يرجعون إليها، فحينما تدعو

شخص لا يبحث إلا عن الاقتناع فتلك مسألة يجب الإعداد لها مسبقاً بغض النظر عن التجارب السابقة التي بمجرد التلويح بالمعونات ستضمن أن نتيجتها ستكون في صالحك، فمن حيث الدعوة يجب أنيكون ما تدعو إليه يطبق تطبيقاً صحيحاً وليس مجرد شكليات تفتقد إلى روح ما دعي إليه، فالواقع المعايش يقول غير ذلك، فهناك مسلمون ولكن لا يوجد إسلام. إذاً كيف تدعو الآخر وواقعك مشوه.

. (لا تنهى عن فعل وتأتي بمثله... عار عليك إذا فعلت عظيم). فالإسلام ليس كائناً مادياً يتحرك ويعرف بنفسه، إنما هو معتقد أنيط بأبنائه التعريف به والمناداة له، فإذا كان واقع أبنائه أبعد ما يكون عنهفهل سيتقبل الآخر شيئاً تركه أصحابه، فباعتقادي يجب أن تركز جهود الدعوة على المسلمين حتى يعودوا إلى إسلامهم الصحيح، ولنا في رسولنا الأعظم -صلى الله عليه وسلم- خير قدوة حينما بدأ

دعوته فهو لم يذهب إلى الأبعد ويترك من حوله إلا بعد أن رأى أن من حوله ممن استجابوا لدعوته خير من يحملوا رايتها، فإننا بحاجة إلى دعوة المسلمين إلى إسلامهم أكثر من كوننا بحاجة إلىمسلمين جدد، عندها فقط ستجد أصحاب القوة يأتون إلينا خاضعين راغبين طواعية من غير إكراه.

كلمة قالها أحد الغربيين المسلمين بعد أن رأى واقع المسلمين (أحمد الله أني عرفت الإسلام على حقيقته قبل أن أعرف واقع أبنائه).

مشعل عطالله