جاء القرار الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله ـ حفظه الله ـ بإنشاء المركز الوطني للحوار كأهم مشروع سياسي وطني في ضوء التحديات الكبيرة التي تواجهها المملكة. وقد تناولت المؤتمرات التي عقدها المركز عدة قضايا وطنية هامة وأحدثت حراكاً فكرياً وناقشت جملة من القضايا الوطنية الحيوية التي تهم المجتمع السعودي بمختلف شرائحه وأطيافه، حيث تعددت تلك القضايا التي تم تناولها بالنقاش بدءاً من نحن والآخر ومشكلة الغلو والتطرف وقضايا التعليم والمرأة والصحة وغيرها.

إن الاعتراف بوجود مشكلات وفتح قضايا اجتماعية وثقافية هامة هو في حد ذاته نصف الطريق للحل الصحيح، فالمجتمع كله تنتظمه الآن آمال عريضة ويسوده تفاعل ملحوظ ويعلق آمالاً كبيرة لمؤتمرات الحوار، فالحفاظ على هذه الإيجابية واستمراريتها من قبل المجتمع مطلوبة بشدة، إلا أن هنالك عدة محاذير لهذا المشروع السياسي الهام أولاها أنه يتوجب المواءمة بين الفكر والفعل بحيث تنفذ توصيات الحوار على أرض الواقع ولا تكون حبيسة الملفات والأدراج بما يمنح الحوار وهجاً وفاعلية ومصداقية وثقة أكبر لدى أطياف وشرائح المجتمع، كما يجب الأخذ بمبدأ التدرج لا القفز فوق المراحل إلى المجهول واختزال التجارب في نفس الوقت الذي لايتم فيه الركون لدعاة الجمود والتحجر وأنه ليس في الإمكان أحسن مما كان.

كما يجب أن تتسع الصدور لمناقشة كافة الهموم من جميع الاتجاهات الفكرية، وأن لا يحتكر الحقيقة اتجاه دون الآخر، وان يتم تقبل الجميع دون إلغاء أو إقصاء أو وصاية من أحد، كما أن الصبر على الحوار والترفع فوق الاختلافات هو صمام الأمان لجدوى الحوار، فقضايا كثيرة لا يمكن حلها إلا بمزيد من الحوار، وما ظاهرة اختلاف الرؤى والأفكار إلا مؤشر صحة ودليل عافية على أن الحوار يسير في استراتيجيته السليمة، فالبرغماتية والديناميكية مطلوبتان في هذه الثقافة الإيجابية بدءاً من الأسرة باعتبارها حجر الزاوية في البناء المجتمعي العريض، ومن المهم ايضاً طرح المواضيع التي يتم مناقشتها للتصويت من قبل مركز الحوار واعتماد الموضوع وفقاً للأصوات التي حصل عليها، ومن شأن هذا الأمر أن يعطي الحوار زخماً وتفاعلاً أكبر من المواطنين.

كما أن ثقافة الحوار آن لها أن تتنزل إلى كافة مدارسنا وجامعاتنا ومكاتبنا وأنديتنا بعيداً عن الغرف والصالات المغلقة إلى واقع الناس على أن تمارسها الشرائح المستهدفة الحوار بالأصالة عن نفسها، خاصةعلى صعيد واقع الشباب كمنهج ممارس فعلياً في مدارسهم وجامعاتهم باعتبارهم عماد الأمة ومستقبلها وهذا من من صميم الواجب والتنشئة المثلى، فهذه الشريحة الهامة كثيراً ما يتبدى فيها الخطر بحسبانها أكثر الشرائح ضعفاً وأكثرها انكشافاً، فكثير منهم يعتريه التناقض وعدم التوفيق بين قدراتهم وطموحاتهم الكبيرة ومنها تأتي المشكلة، وفي غياب ثقافة الحوار في أوساط الطلاب، حيث لم يحدث أن استضافت جامعة واحدة رئيس مركز الحوار او نائبه في لقاء مفتوح مع الطلاب للنقاش حول مفهوم الحوار، كما لا توجد نشرات مدرسية تزكي هذه التوجهات لدى الطلاب وتجعلهم على اتصال بهمومهم الوطنية، في غياب ذلك كله فقد يصل بنا الحال إلى جدالات عقيمة كما يحدث سنوياً في معارض الكتاب وقضية تحية العلم في المدارس والمؤسسات التعليمية كقيمة وطنية كبيرة بصرف النظر عن أية تفسيرات أخرى، أو الجدال في عرض مسرحية اجتماعية أو ثقافية على خشبة المسرح، وغيرها من الكثير من القضايا التي يجب تناولها عبر آلية الحوار لا متصاص كل مظاهر الاحتقان والتطرف والغلو، وبسط ثقافة الحوار للشباب وللكافة حتى نتصالح أولاً مع الذات قبل التصالح مع الآخرين وتتم حتمية التغيير بأنفسنا قبل أن تفرض علينا تداعيات العصر وسنن الحياة تغييرها شئنا في ذلك أم أبينا.

د. خالد النويصر

محامٍ ومستشار قانوني

[email protected]