ما وقع يوم الأربعاء الماضي في بغداد، يشابه ما وقع في أمريكا لبرجي التجارة العالمية والبنتاغون في 11 سبتمبر من عام 2001!
وإذا أخذنا باعتبارنا عدد سكان العراق وإمكاناته البشرية والمالية والعسكرية فهو يفوق 11 سبتمبر الأمريكي في هوله وفي الخسائر في البشر، والثروات،وفي الروح المعنوية!
11 سبتمبر الأمريكي هز العالم وتداعت حكوماته وأحلافه العسكرية ووسائط إعلامه متضامنة مع أمريكا وواضعة إمكاناتها في خدمة الرئيس الأمريكي والشعب الأمريكي!
الإدارة الأمريكية شنت حربين هائلتين بل عالميتين رداً على 11 سبتمبر، ووضعت ما أسمته بدول محور الشر، ودولاً أخرى في قائمة أهدافها للرد والردع عند الحاجة، وما يزال العالم رغم مرور سنوات على تلك الأحداث يعيش بسببها توتراً شديداً!
في العراق سبق سبتمبره الدموي ألف 11 سبتمبر، ولا يعرف كم سيتلوه من سبتمبرات دموية! ماذا فعلت الحكومة العراقية؟ ماذا فعل العالم من أجل العراق؟
حتى الأمريكان الذين صنعوا العهد الجديد في العراق على أنقاض 11 سبتمبر اكتفوا بعبارات إنشائية فضفاضة عن (هذا الجنون)، وفسروا الماء بعد الجهد بالماء!
لا نريد من الحكومة شن حرب على الجيران أو الأشقاء، نريدها فقط أن تقول: من هي هذه الدول التي تقف وراء هذا العمل الكبير والهائل؟ والذي تكاليفه الباهظة ليست بمقدور أفراد أو حتى جماعة،بل دول،ودول نفطية غنية! ليقولوا للناس، للضحايا،وذويهم: الأسماء المبجلة لهذه الدول، ومن هم عملاؤها في أجهزة الدولة وفي الأحزاب والبرلمان والجيش والشرطة وبالأسماء وأرقاء الدور والعناوين والصور؟
صار حقيقة مسلماً بها أن الإرهاب شقيق الفساد،ومنذ فترة طويلة ورئيس الوزراء يهون من حجم الفساد في مفاصل الدولة رغم تحذيرات هيئة النزاهة، كتب صديق مثقف أثق في كلامه قال أنه يعرف في المدينة التي يقيم فيها في السويد ضابطين في جهاز الأمن العراقي طالبين للجوء ويعيشان براحة ضمير، بينما هما ما يزالان محسوبين في الخدمة الفعلية في شوارع بغداد، وعائلتيهما يتقاضيان رواتبهما مناصفة مع العقيد المسؤول عنهما!
ألا يحتمل أن إحدى السيارات المفخخة مرت من نقطة تشير السجلات أنها بحراسة هذين الضابطين، أو غيرهما من أصحاب الرتب والوظائف الوهمية؟
بعض سيارات الجريمة ليس بالضرورة أنها مرت بالتواطؤ السياسي، ربما مرت بالرشوة أيضاً،أو بكليهما معاً!
المالكي ومن أجل الدعاية الانتخابية لشخصه وقائمته أمر برفع الحواجز الكونكريتية من شوارع وساحات بغداد،وبذلك خفض من مستوى التأهب والحذر لدى القائمين على حماية الشوارع وهكذا يدفع الناس أرواحهم ودمائهم تكاليف بقاء الحاكم في كرسيه،لو حدث هذا في بلد آخر،لاستقال الحاكم وتوارى خزياً وعاراً،ولكن حكام العراق اليوم فقدوا ماء وجوههم، وقدرتهم على الخجل والحياء،بينما ازدادت شهيتهم للسلطة وجمع الثروة!
صار معروفاً ومفهوماً أن أعداء العهد الجديد في العراق يريدون إسقاط الوضع بشكل عام، وأعداء حكومة المالكي يريدون إسقاط المالكي وحكومته: ليأتوا مكانهم،وقد يعمل كل فريق لوحده وقد يعملان معاً، ولكن أي رجال عهد آخر وأي رجال حكومة أخرى يأتون عبر هذه الجرائم المخزية؟
هؤلاء الأوغاد لا يمكن أن نتوقع منهم مراجعة ضمائرهم، خاصة إذا وجدنا أن أهل الحكم والمسؤولية لا يرجعون ضمائرهم!
لم يعد مجدياً استعادة قائمة الأسباب التي أدت إلى هذه الكارثة الرهيبة، أو تؤدي إلى مثيلاتها، وكم تمنيت لو كنت خاطئاً في ما أوردته في مقالتي السابقة للأحداث ( من يريد أن يبقي أبواب الجحيم مفتوحة للعراقيين ) الأسبوع الماضي، ولكنني أود أن أقف عند ردود أفعال الحكومة حيال ما حدث وهو في كل المقاييس نكبة وطنية كبيرة!
لم يكن ظهور رجال الحكومة والدولة والبرلمانيين وقادة الأحزاب بمستوى الحدث، بدا كأنهم قد تواروا، قيل أنهم يعقدون الاجتماعات تلو الاجتماعات،وهذا طبيعي وجيد والمراجعة ضرورية. ولكن ماذا تمخض عن هذه الاجتماعات؟ قال بعضهم سنتحدث عن أخطائنا كما تحدثنا عن انتصاراتنا، ورغم إنني لم أر انتصارات يعتد بها غير انتصاراتهم هم للبقاء في السلطة، حتى أنهم لم ينتصروا على الدود الذي يجري في مياه الشرب، مع ذلك قلت سأنتظر، ربما غداً أو بعد غدٍ يطل علينا رئيس الوزراء بخطاب خاص يضع فيه النقاط على الحروف، كما يحلوا لمستشاريه القول،وتمضي أربعة أيام حتى يخرج رئيس الوزراء بخطاب رمضاني يمكن لأي روزخون أن يلقيه من جامع براثا، وهكذا تمر الجريمة،ولا ترى الناس النقاط ولا الحروف!
لم يزر أحد من المسؤولين بيوت وعوائل الضحايا متفقداً أو معتذراً عن التقصير،ودعك عن التعويضات المادية التي يستحقونها، فالشعب اليوم يدفع ثمن تقصير القائمين على أموره، رأيت في التلفزيون وزير الخارجية رفقة نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي، ورئيس مجلس النواب يتفقدون بناية وزارية الخارجية،وقد تحدث الوزير بابتسامته المعهودة رغم الأحزان، عن بناية وزارته التي تهدمت قبل الضحايا! هكذا هي الحجارة وسلطتها أغلى من البشر!
ما حدث أكبر من أي كلام، ولكن من سوء حظنا أننا لا نملك إلا الكلمات، بينما أرواح الناس التي أزهقت ظلماً،وتلك التي ما تزال حية ولكنها تهشمت مع الزجاج،وستبقى مجروحة، تريد شيئاً آخر!