1
تضيء ما بين ظلال دجلة وأمومة السويد الرحيمة، قناديل حزني
على الأغصان التي بكيت تحتها في الماضي
لا أريد الآن لنفسي المتعبة سوى هذه الجنونات الحميمة التي تلازمني منذ الولادة
سوى اللعثمة والدهشة وصراخ الاقمار التي تتفكك وتتقطع وتزهر وتثمر.
فكّرتُ في الزائل من أيامي
وأحصيتُ أشجار حياتي التي تهدمت:
شجرة العائلة
شجرة الطفولة ولطافاتها الشيطانية
شجرة الحروب
شجرة الصداقات
شجرة النساء
شجرة الكتابة وأسرار شقوقها
جميع الأشجار التي احترقت، تتنفس مفتوحة على طرقات النهار
وكل ورقة سقطت من أيام حياتي، ترقد الآن مطمئنة في هدوء تام.
أحاول ولا أريد
أحاول ولا أريد
والآن ndash; أضعت المجذاف واحترقت السفينة
لا أملك شيئاً في سواد العراق المليء بالنفط والثمار والخبز والبقول
لا ذرة تراب
لا قبر
لا وردة
لا نسمة فقيرة
لا أملك أيّ شيء، سوى دموع العجوز أمي وحمولة 34 سنة منقوعة بالدم
والنفي والجوع وكوابيس حروب الطاغية المستمرة.
بلدي السويد
ضمّدت جروحي
ومسحت دمعتي
وعلمتني لغتها
ومنحتني شموس الفردوس وفضيلة اللاطمأنينة.
يا رب
امنح بلدي السويد
برق العافية
امنحها اللؤلؤ والغيوم
وامنحها الزرقة الدائمة للقمح والحصاد.
رماد حياتي المهدمة يتدفق بغزارة ويصير سدّاً يفصلني
عن الحاضر وأنهاره الجافة والمسمومة.
2

الشواطىء والآفاق والأحلام كبيرة وواسعة في ضوء هذا الكوكب.
ملايين المراكب
تبحر في أسرار الليل والنهار
محملة بالقرود والذهب والتوابل والاشارات.
نسيم أبطال لا يشيخون وفضائل عظيمة وأحلام مغامرات.
مشاعل وعطور نساء يهز نورها الإلهي جبال العالم.
في منفاي بجنوب السويد وحيداً وضائعاً إلاّ من شعلة الذكرى
وماضي حياتي المدمّى الذي يرتعش خيط غزله الواهن في الهواء.
يطلب مني حمار ضخم من دولة الامارات متخم بالمال والضجر
يحلم أحلام الحمير
ويسيل تاريخه البدوي من كلامه مثل لعاب العناكب
وكوفيته كشرشف مائدة في مطعم
أن أشوف له زوجة سويدية شقراء
أقول له بأدب جمّ: { هذا صعب يا سيدي. صعب صعب صعب
لا نساء للبيع هنا }
لكنه لا يكترث ولا يصدق ويجرح اذني في نهيقه كل ليلة.
يحرمني الانصات الى تغريد النجوم
ويسلب هدوء بيتي راحة البال
ويعكر صفائي
ويحرضني على الانتحار.
لماذا لا يصدق هذا الحمار أنني أمضيت سنوات طويلة بالسويد
أمارس العادة السرية قبل أن أتعلم اللغة وأتخلص من البكتيريا
والجراثيم الثقافية العربية؟
{ ينبغي أن لا نشفق على الانسان الضعيف
حتى لا نحسد السعداء }.
3

تنّور ليلي الكثير من الأمراض العراقية والعاهات
وأعتقد أن أجمل وأشرف الملوك في التاريخ هم الصعاليك.
أنهضُ من النوم وصداع الخمر يبعثر أفكاري.
أدخل المرحاض وأفكر في أولئك الذين كانوا في الماضي أصدقائي وأصبحت خياناتهم
الآن طويلة مثل خراطيم الأفيال. أولئك الذين يضربون زوجاتهم في كندا
ونيوزلندا وايطاليا وبريطانيا والعراق ومصر ويعيشون على الرغم من ثرائهم بالمجان
تاركين تبجحاتهم وسوريالياتهم تحت أقدام رجال الدين والساسة الأغبياء.
بعد الاستحمام وتنظيف الأسنان. أشرب القهوة في المطبخ وأدخن أكثر من 20
سيكارة لفّ. صوت عبد الباسط عبد الصمد { عادة قديمة من سنوات خدمتي
العسكرية الاجبارية في جبهات الحرب } يحرضني على تأمل ماضي حياتي - النفاية.
أحياناً أقرف وألوم نفسي على وضعي علامة صفر على قصيدة
لشاعر حقير، في التقييم الموضوع في الأسفل بموقع { الحوار المتمدن }.
أكره قصائد السخف التي يكتبها الشعراء الأدعياء، الذين يبحثون عن الشهرة
في مواقع الانترنت والجوائز البائسة.
أن تنهض من النوم في الرابعة أو الخامسة صباحاً بسبب التدمير اليومي لجهازك
العصبي بفعل الافراط في الشراب. مشكلة فظيعة تشبه رغبة شخص يطلب من
حبيبته أن تكون طائرة نفاثة.
في بغداد حين كان الزمان زمان قنافذ، بحانات { أريدو } و { الزرقاء }
و { نادي اتحاد الأدباء } وفي عمّان أيضاً. كانوا يجلسون على مقاعد الافلاس
بانتظار معجزة ما. كانت عيونهم الثعلبية ترنو إليّ، وكنت لا أستطيع رفع كأسي
الى شفتي إلاّ بعد أن أقدم لهم الشراب، وأحياناً أجرة التاكسيات.
هؤلاء، البعض منهم فاشيون أقحاح حصلوا على اللجوء السياسي في
دول اوروبية وامريكا وووالخ. عادوا الآن بعد سقوط نظام صنمهم الى العمل في
الحفريات البعثية. يعمل البعض منهم في قنوات تلفزيون فضائية تحرض على قتل الشعب العراقي والبعض الآخر يعمل في صحف تمولها الدول والمنظمات النازية العربية
والبعض يعمل في السرّ تحت أغطية مكشوفة. لكن علامات الوشم المحفورة في
حيواتهم الماضية تحت ظلال عطايا وشعارات الحزب التي لا تمحى، تجعلهم يتخلون
عنّي الآن بعد أن قطفوا الثمار في الداخل والخارج وانتفخت كروشهم.
الرياح التي تهب الآن على حساباتهم المصرفية السرية
تملأ اسطبلات قصائدهم بالنتانة والخيانات الدائمة.
4

انتظرنا شيوخنا الحمقى عند القناديل المعلقة فوق الحافة الأخيرة للأبدية. أولئك الذين كلما أزهرت أشجارهم وألقت حمولتها على الجسور. كبر رعبهم واقترب المدى الرمادي من سقوف موتهم الأليف. في صراعهم الطويل بين الوجود والمصير. تأرجحت خرائب آمالهم معلقة فوق هاوية الطبيعة والماهية المظلمة للتاريخ. لكل حجارة في الأرض تاريخها المترسخ في الديمومة، ولا يطوي نسيم ارادته الزمان.
الخلود اختراع الشيوخ الحمقى
الذين في لحظات ضعفهم يطلبون من الآلهة أن تعطل احساساتهم تحت النار اللاهبة للشمس الأمينة، من أجل مرورهم السريع والعابث في الهاوية الملحية للطبيعة. في الدستور الجليل لزهرة القرنفل وهي تفتح أبوابها في فجر الصيف. سمعنا النوم المنخفض لجرح النحلة المحافظة بقوة على ايمانها، وفي التعثرات الطويلة لجهودنا في الوصول الى أحلام يقظة تحنو على براهين اعتقاداتنا المتصدعة، صادفتنا الأشواك الأكثر ايلاماً من ايلام ايماناتنا المستسلمة لتردداتها وشكوكها في صلواتنا المتشظية في الريح.

5

أتحدثُ عن شهقة الانسان في انقضاء لحظته
أتحدث عن البلبلة
وأضحي بالأمل وظلاله المصطدمة والمرتجفة فوق الخواء الانساني.
هل من لمسة احسان تعيننا على ما لايطاق في الظهيرة المرتخية لآلامنا ولا طمأنينتنا الدائمة؟
لماذا ينبض ضعف الانسان الوحيد تحت أحجار النسيم المحملة بالتغضنات؟
موتنا المتغطي بممالح العافية الموشاة بصموغ الجزر الإلهية العذبة. يترنح مثل طائر الوقواق في تهجئته للكلمة، كلما خمدت شرارة السنة.
نجمة أسراركِ اللامعة، تدفعني الى الاتحاد بصوتكِ، وتضيع المفاتيح.
في حديثنا العام الماضي، تحت شجرة البرقوق الهرمة تحت أمطار الصيف، عن الخلاص والغفران. قلتِ لي: { كل تقاويم العشاق الموتى أضاعتها رياح الحروب. لم يبق الآن إلاّ الأضحيات التي رفعناها الى آلهتنا الفقيرة }.
هل ما زالت فضة وجهكِ المعذبة بالجمال، تضيء حجارة قبور العشاق الذين لا يصلي لهم البحر ولا العاصفة، وترسخ آمالهم العتيدة؟
{ لا أستطيعُ أن أعَلِّمكِ الصلاة بالألفاظ ولا أقدرُ أن أعَلِّمكِ صلاة البحار والأحراج والجبال، بَيدَ أنَّكِ، وأنتِ ابنة الجبال والأحراج والبحار. تستطيعين أن تجدي هذه الصلاة محفورة على صفحات قلبكِ }.
بلدان كثيرة كانت تتنفس عطور رحمة الانسان في الصيف الفائت.
لماذا ترقد الآلهة تحت ظلال فناء الكائن الهش والعابر هذه المتاهة بسرعة؟
يحلمُ المقدس في الخروج من قبر ألوهيته العتيق في ليل الانسان ويصالح الثمرة العاشقة، عبر الحضورات المتلألئة للموت والميلاد في التعريات المتجددة للموسيقى في الأنهار.
{ الليل ينضج رعباً، كما من قبل
وقد وزعنا أفكارنا في الفلسفة
وخططنا لأن نخضع العالم لقانون
لكن، ما نحنُ غير أبناء عرس تتقاتل في جحر }
فراشات قبر الانسان تلقي بمسودات هجراتها في النسمة المتألمة للقرون التي مضت، وتضع الزهور فوق وجوهنا الرامبوية النعسانة.
وحده في ضباب الأقمار المُحَوِّمة على جناحي الميت. يتحرك الصمت ويقص مطر الكلمة.
6

يا أمّ الكل
يا حبيبة الكل
ثديكِ الإلهي يرّوي الكل.
حيواتنا مجروحة في شمس أعيادكِ والزمان
ويقيننا المهدم والمريض. يخسر كل الرهانات التي لا يمكن تَحمّل تناقضاتها
في العتبة الأخيرة للحظة هلاك الوردة.
في المنظومات العشقية لوظائف تواصلاتنا مع الفضل الإلهي المختبىء ما بين
جمالكِ ورحمتكِ، وما بين المدارات المتعددة للأفلاك. ينخطّ صوتكِ في الانعكاسات غير الحقيقية بتراب صرخاتنا المتمددة عبر الأمل وعبر النجدات العاثرة للغياب. في الانحباسات الثقيلة للأنهار تحت فجر شفتكِ المسلحة والعارضة لأبدية الزمان، وانخفاضات النهار المتواطئة مع الشهب المريضة للأرض. يتسع عشقنا رهين جروحه الأسيانة.
يا غابة الله التي تضيئنا في سهر العناكب والصخور. شمس وجهكِ العشقية اللامتجسدة ما بين الرماد وما بين جذور الجميز. تغيب في ينابيع أشواقنا وتمحو التجعدات العميقة لبروق جوهر سهركِ وحجارته الحلمية.
في المبادلات الأكثر اتساعاً من ديمومة المياه، تحاصرنا اللحظات اللّيفيّة للموت
فتمحوها نار غفرانكِ وتحنو على مصائرنا المتعففة.

7

متعثراً بخسارات لا تحصى، أدخل الحمّام وأغني تحت لهب الشموع:
{ ذهب الذين أحبهم الى هيئة علماء المسلمين وقناة البغدادية
وبقيت كعهدي مع الصعاليك }
تناولني زوجتي كأس النبيذ وتدلك ظهري، فأغسل في صوتها
العطري المتمرد تجعدات الماضي
وأطرد البغضاء من ملح أيامي القديمة.
في أعماق رغبتها المنقذة، ترتفع أمواج البحار وتتقوض
اللحظات المتناهية المحمومة.
وكما لو كنت أقف على أغصان شجرة تتحرك باتجاه الهاوية
أخفي عنها فحم عذابي وحمم فوضى حياتي الماضية.
بعد الاستحمام في الماء الساخن، تدهن جسدي بمراهم اشعاعية
وتأخذني الى طريق اللانهاية.
تدلني رغبتها وحنانها على الشروط الصحيحة لانتزاع الأوراق من أشجار الحب.
الأبواب المتضخمة للأعاصير
في داخلي تفتح لي قناديل الكينونة.
8

في تحديات الانسان لهذه الأنقاض المتعاظمة منذ بدء الخليقة، وفي الاحاطة المعذِّبة للشمس بندى قبره الذي تنمو فوقه تغريدات طائر الشحرور في الفجر. لا علامات هادية ولا تقنيات تنزع الظواهر الغريبة في تصوراته عن اللحظات العظيمة للفناء. هل تنبغي الاشادة الآن في محاولاته الدائمة للوصول الى الهدف وكشف القناع عن المصدر الأساسي الذي تنطلق منه الغثيانات؟.
يضع الانسان الفرد وهو ينزع الجوهر اللّماع عن المطلق عبر ادراكاته وتأليهه لنفسه. صخرته فوق أبدية الطبيعة ويتحلل بعيداً عن نوعه.

9

في انزياح العتمة عن الصلوات المتهجدة لطيورنا وادعاءاتها الرنّانة في المنفى، وفي الالتباسات المحيرة للمادة ورفرفاتها فوق القرابين الفقيرة لأنهار بلادنا، وفي سطوع هاوية تعويلاتنا المتشككة على القوة العظيمة لنسمات وظلال الصيف الذي ادخرناه في الهاوية. نمزج العتمات والقبسات في الرياح القانصة مصائرنا وظلال الأحلام. تعلقاتنا الممتحنة في فراغ الضفاف المتهشمة، وجسامة الأعباء المفروضة علينا في التخلص من الشهقات التي لا نطيقها. هما ما يحيران آمالنا اللامنتهية عند العتبة الأخيرة لضوء السنبلة.
لا قدرة لنا الآن على الاندفاعات الفيّاضة ونحن نواجه اللحظات المترجرجة في عبورنا الأرض الى الحضور الأكثر تحققاً وصيرورة.
نحن الآن بحاجة الى فضيلة اللاطمأنينة من أجل العبور الصلب لهذه المتاهة الطويلة.
من أجل الكرامة الانسانية واشعاعاتها التي تدمرها البداهات الشيطانية للعادات والايمانات القديمة. من أجل أخوتنا للتراب والمطر والجبال المتعالية.
10

تتعدد في ظلمة البؤس الانساني، وفداحة تشظياته، اخفاقاتنا المستمرة في الوصول الى القنديل الموصل صوب الحقل والباب. فرضياتنا الاساسية في الحب والموت، استنادا الى خبراتنا العميقة في عداوة الانهار وصياغة القوانين تحت اشجار اللبلاب، هي الركائز المترسخة لحيرتنا وتلعثماتنا في الحاضر المتحقق وبذرته المتحفظة. المصابيح المسموعة لاحتضار الانسان المتمدد ما بين العدم وما بين الماهية، والحشائش الغليظة لعطونة حياته في عسل الشمس، وصمته غير القابل للترميمات وسط ظلال الزنبق في الصيف. تتابعات منظمة للّحظات الثابتة للزمان.
بعيدة قناديل تيقظاتنا وصامتة ضربات اجنحتها.
تخفت في عجز الوردة عن اعطاء أي معنى لاريجها الفقير. ايضاحاتنا المنهجية دائما وترتيباتنا للافكار، وللتخفيف من شدة صدماتنا المستمرة في ليل العالم. تتجسم صخرة سيزيف في كل حين، وتعذبنا احلامنا وشواطئ نجومها القاحلة.
مستشفيات كثيرة تدوخنا مشياتها المتعرجة الطويلة فوق رماد ايامنا، وتهدم صيدلياتها المفزعة اسرتنا وآمالنا المصابة في الشلل.
اشجار الحياة المحملة بصليل اسلحة مشحوذة. يعذبنا وميضها الأكثر عذوبة من القبلة في كل فصول السنة.
11
وردة الماهية يا صديقي، لا تتفتح إلاّ في ليل ضجرك المقيم.
هل كنت معي في المسيرات الاحتجاجية لكهنة آمون في شوارع { طيبة }؟
كانت المتاريس والتحصينات قد هجرها إلهنا ولم يعد يمدّ
تراب الأرض بالنسيم.
خيَّم النسيان على الشجرة
خيَّمت الخشونة في طريق الحديقة
وظللت شمس وجوهنا شباك العناكب.
في الومضات المطمئنة للنبيذ الباكي يا أسامة فوق جبينك
الأكثر لمعاناً من الغفران
يكشف جوز البلوط، نديم النار، النقاب ويواسي الطبيعة.
والزمان
هو الستائر المرفرفة في نيران الأزل.
سيكون المستقبل هو العودة الى الماضي
وسنموت ونحيا في اليوم عدة مرات.