محمد الحمامصي من القاهرة: أكد د. أحمد زكي حماد الأستاذ بكلية اللغات والترجمة جامعة الأزهر وأحد أصحاب الترجمات المهمة لمعاني القرآن الكريم إلي اللغة الإنجليزية (quot;The Gracious Quran,quot;)في محاضرة له نظمها مركز المخطوطات أن العالم بعد سقوط الاتحاد السوفياتي شهد صحوة دينية كبرى ليست مقصورة على المسلمين، بل تشمل جميع الديانات، كالمسيحية واليهودية والهندوسية والبوذية، لافتا إلى أهمية ترشيدها وموازنتها كي لا تنقلب إلى أداة خطيرة تثير الصراعات بين الشعوب والثقافات.وشدد على أهمية إحياء سنة الحوار بين الحضارات، وليس الصدام، وهي النظرية التي أثارها صامويل هنتنجتون أواخر القرن الماضي في كتابه quot;الصراع بين الحضاراتquot;.
بدأ د. حماد محاضرته quot;ترجمة معاني القرآن: الأصول والقواعدquot;، بحكاية شيقة عن صحفي أمريكي يدعى عبد الله كلارك اعتنق الإسلام بسبب تحيته التي يسلم بها المسلمون على بعضهم البعض، إذ سافر الصحفي بتكليف من جريدته إلى المغرب لبحث ظاهرة الإرهاب، وعندما وصل إلى ذلك البلد المسلم، استغرب أن تكون تحية الإسلام هي السلام، ورغم ذلك يتهمه الغرب بالإرهاب.
وأكد أنه من خلال تجربته بالاستقرار في الغرب لسنوات طويلة، فإنه يرى أن القواسم المشتركة بين الحضارتين الإسلامية والغربية كثيرة جدا وتسمو فوق الخلافات الموجودة حاليا، شرط أن يتخلى الطرفان عن ثلاثة أشياء، هي: خلق الاستعلاء على الآخرين، ونظرة الاستخذاء، وعقدة التنابذ بين الحضارات.
تطرق د. حماد بعد ذلك إلى صلب موضوع المحاضرة، حيث أكد على أن القرآن يعد أكثر الكتب قراءة في العالم، وهو وثيقة حيّة وهامة للغاية، كما أنه رسالة عالمية لجميع البشر. وفي مفاجأة أثارت انتباه الحضور، نوّه إلى أن بعض آيات القرآن ترجمت في عهد الرسول ndash;صلى الله عليه وسلم- فالصحابة حين هاجروا إلى الحبشة كي يتجنبوا أذى قريش، وجاء عمرو بن العاص لاسترجاعهم من النجاشي، ملك الحبشة، قرأ جعفر بن أبي طالب على النجاشي أول 40 آية من سورة quot;مريمquot;. وبما أن النجاشي لم يكن يعرف العربية، فقد طلب ترجمة تلك الآيات، وهو ما تم بالفعل.
وأضاف أن الرسول ndash;صلى الله عليه وسلم- كان يترجم الآيات التي يوردها في رسائله إلى الملوك والحكام الأعاجم، إلا أن جهود المسلمين في ترجمة القرآن بدأت متأخرة للغاية في أوائل القرن العشرين، وتحديدا عام 1905، ولم يكن دافعها سوى الرد على طعون المستشرقين، وليس بيان معاني القرآن لغير المتحدثين بالعربية، مشيرا إلى أن على المسلمين واجب تبيان معاني القرآن لكل إنسان ولكل لسان.
ونوّه أستاذ اللغات والترجمة إلى أن الطائفة القديانية الأحمدية كانت سباقة في ترجمة معاني القرآن الكريم، إلا أن ترجماتهم شابها التحيز إلى مذهبهم، وبالتالي التحريف في معاني آيات كتاب الله المحفوظ.
ومن الحقائق الجديرة بالاهتمام، والتي أثارها د. أحمد زكي حماد أن جهود المستشرقين في ترجمة كتاب الله بدأت في وقت مبكر للغاية في القرن 12، حيث قام روبرت كيتوني بعمل ترجمة لاتينية، زاخرة بسوء الفهم، للقرآن عام 1143، إلا أنها شكلت أساسا للعديد من الترجمات الأخرى التي ظهرت بعد ذلك.
وألمح إلى أن كل ترجمات المستشرقين إما كانت تضم معانٍ مغلوطة ومحرفة للقرآن، كما في حالة ترجمة جورج سال وجون رادول وإدوارد بالمر وريتشارد بيل، أو أنها كانت منصفة، كما في حالة آرثر جون أربري، ولكنها مع ذلك لم تكن دقيقة. إلا أن د. حماد نوّه إلى أن عدم الدقة في ترجمة أربري لا ترجع إلى سوء بواعثه، مثل الآخرين، الذين افتروا على القرآن والرسول محمد ndash;صلى الله عليه وسلم- وإنما سوء مقاصده، حيث أراد أن يصدر ترجمة مبدعة للقرآن بالإنجليزية توازي جمالية القرآن العربي، مما أدى إلى استخدامه لألفاظ إنجليزية صعبة وغير مفهومة وأحيانا تؤدي إلى تحريف المعنى المقصود.
وضرب د.حماد مثلا على تحريف في معاني القرآن قام به اليهودي أهارون بن شمش عام 1979، حيث أشار في ترجمته لإحدى الآيات إلى أن المسجد الأقصى يبعد عشرة أميال عن مكة المكرمة في مكان يسمى الجعرانة، وهو ما ينافي الواقع، إذ أن المسجد الأقصى يوجد في مدينة القدس بدولة فلسطين.
وفي سياق متصل، تحدث سيادته عن تجربته الشخصية في إصدار ترجمة للقرآن الكريم بالإنجليزية، حيث أشار إلى أن أول شيء استرعى انتباهه أثناء تحضيره لرسالة د.اه في جامعة شيكاغو بالولايات المتحدة الأمريكية، أن معظم الترجمات التي اطلع عليها لآيات القرآن الكريم، والتي قام بها مسلمون، لم تكن دقيقة، نظرا لأن أغلب من تصدوا لذلك العمل الشاق لم يتلقوا تعليما شرعيا، فكان منهم الطبيب والمحامي.
ومن هنا، بدأت فكرة إصدار ترجمة إنجليزية لمعاني القرآن الكريم تراود فكر د. حماد، حيث اهتم قبل العمل عليها بتحري الأمانة العلمية والدقة وأن تخرج الترجمة بلغة سليمة خالية من الغموض والإسفاف. وأضاف أنه شكل فريق عمل تحت إشرافه للتصدي لتلك المهمة الشاقة الجليلة، وخططوا لإصدار الترجمة في خمس سنوات، إلا أنها امتدت لـ 15 عاما، حيث صدرت أول طبعة في الولايات المتحدة الأمريكية العام الماضي.
وأسهب د.حماد في الحديث عن الطريقة التي اتبعوها في إصدار تلك الترجمة، حيث أطلعوا على كافة الترجمات السابقة التي قام بها المسلمون والمستشرقون على حد سواء، ثم قاموا بإصدار ترجمة أولية بعد خمس سنوات، وقاموا بمراجعتها وتنقيحها، ثم عرضوها على عينة من الأمريكيين المثقفين وغير المثقفين للحصول على رجع الصدى منهم، لتصدر أول طبعة للقرآن المترجم وفق المعايير العالمية عام 2007.
وأكد أن العمل لم ينتهي بصدور الطبعة المترجمة من القرآن الكريم، إذ أن اللغة الإنجليزية لغة ديناميكية، لذا فإن الجهد يجب أن يستمر حتى تظل معاني القرآن واضحة للأجيال القادمة من المتحدثين بالإنجليزية في العالم، مشيرا إلى أن التحدي يبقى في أن نجعل القرآن متاحا لكل فرد وكل إنسان.