د. أثير محمد شهاب: استعرت هذا العنوان من كتاب الفيلسوف الالماني (كانت) في كتابه مشروع للسلام الدائم الذي يعد وثيقة مهمة لرسم خارطة طريق انسانية للسلام في العالم، الذي يؤكد على ان سلطة القانون في بعض المناخات الديمقراطية هو الذي يكفل للانسان والبشر جميعا الحفاظ على الحقوق ومعرفة الواجبات، وهي ادوار تتوزع ما بين الدولة والفرد، واحسب ان اعمال الفنان غادة حبيب لا تبتعد عن رسم مشروع دائم للسلام، ولكي تؤكد هذه الفكرة على نحو استراتيجي، فانها تسعى دائما الى تأثيث المقابل الضدي للسلام (الحرب)عن طريق لوحتها التي تصور تلك المرأة التي تعزف الناي من خلف النافذة للجرحى(جرحى الحرب، واعتقد ان وضع المتناقضات في اطار واحد هو محاولة لكشف عهر الاطراف السلبية التي تصنع الحرب.
وسحب الموسيقى الى اجواء ومناخات حرب هو دليل واشارة الى النهايات الماسوية، وفي لوحة اخرى تتداخل الاسلاك وتتصاعد الى اشعة الشمس بحيث يتخذ هذا المنحى اشارة ودلالة سيمائية الى عزل الضوء وتقييده، هذا المنحى في تقويض السلام وتسوير الشمس محاولة من المبدعة غادة حبيب رفض هذا الزمن الذي قوّض الحياة بحيث غادرت المشاريع التي تدعو الى صناعة غد افضل ووطن اجمل....
ربما هذه العودة الى استحضار الازهار ومفردات الطبيعية في اللوحة التشكيلية هي محاولة للعودة الى الانماط التي تهتم بمفردات الطبيعة، ولكن مغايرة التشكيلية غادة حبيب تتحقق من خلال عدم الاستجابة الى الاستنساخ لمفردات الطبيعة كما في المدرسة الواقعية، وانما تسعى الى توظيف هذه المفردات لتمثيل حالة معاصرة تشكل الصراع ما بين منجزات الحضارة المعاصرة واهمال الطبيعة والسلام، واعتقد ان الزمن الذي نعيشه ونحمله يكرس مجموعة من الاخفاقات بحيث تفضي بنا -هذه الاخفاقات- الى اعادة السؤال الجمالي للطبيعة، والعودة الى الطبيعة، جزء من الانسجام مع براءة الاشياء.
في اغلب الاعمال التشكيلية التي تعتمد اللون والمدارس التغريبية، التي يغيب فيها الموضوع اجد نفسي عاجزا عن الخوض في غمار نقد التجربة، ولكنني في بعض الاعمال التي تستفيد من الطريقة والموضوع انسحب لا اراديا للنقد والتقييم، اعتقد ان ما قدمته غادة يستحق الشكر.
والانتصار الى الموضوع هو جزء من الفوز بلحظة الاقرار بان هذا الزمن غير صالح للسلام، فلا بد من العودة الى الطبيعة والحياة الاولى، كما يقو الماغوط:
ضعوني في مؤخرة العربة
فانا قروي ومعتاد على ذلك
والسلام