مرت الثلاثاء، الذكرى الـ50 لرحيل الروائي والفيلسوف الكبير quot;ألبير كاموquot; الفرنسي الجزائري الأصل، وعاد الجدل بالمناسبة حول ظاهرة كامو الذي حصل على جائزة نوبل للآداب عام 1957، وظلّ متميّزا برؤاه الانسانية المرافعة لأجل قيم العدالة والحرية، ما يفسّر هالة الشغف والإعجاب اللذين لا يزال يثيرهما كامو رغم مرور 50 عاما على وفاته التراجيدية في حادث سير صبيحة الرابع يناير/كانون الثاني 1960.
ويقول الأستاذ رياض وطار أنّه إلى حد الآن لم يتم التعمّق في فكر كامو وما رافق منشئيته الجزائرية من حيث حقيقة هوية وانتماء كامو بين جذوره الجزائرية وعروقه الفرنسية، ويضيف وطار إنّ مبدع كاليغولا، الغريب، الطاعون وغيرها، يعدّ ظاهرة إبداعية بعينها تحتاج إلى مزيد من تسليط الضوء بشأن ما تخلّل حياة كامو الذي شبّ في بيئة جزائرية منذ ميلاده في السابع نوفمبر/تشرين الثاني 1913 في حي شعبي ببلدة بلوزداد وسط العاصمة الجزائرية، وذاك الفقر المدقع الذي ميّز صباه سيما بعد فقدانه والده في الحرب العالمية الأولى، واشتغال والدته الأميّة كعاملة تنظيف، ما طبع مساره مقارنة بباقي المثقفين الفرنسيين.
من جانبه، يشير الأستاذ محمد بوكراس إلى أنّه بعيدا عما يُثار عن تأرجح كامو بين quot;جزائريتهquot; وquot;كولونياليتهquot;، لا بدّ من إنصاف كامو الذي أبان عن قدر كبير من الوعي والتألق الإبداعي، ونجح كامو إلى حد بعيد في نقل أعماق الحياة الجزائرية وما كانت تعتلج به إبّان الـ30 سنة الأخيرة من الاحتلال الفرنسي للجزائر.
وبحسب بوكراس، أتقن كامو تقديم معايشاته الجزائرية عبر عدة تصاوير، أبرزها ما حملته رواية quot;الطاعونquot; التي تدور أحداثها أوائل اربعينيات القرن الماضي بمدينة وهران الجزائرية، تماما مثل اشتغال كامو المكثف على التاريخ ما أهلّه لإخراج أسطورة كاليغولا بشكل آسر، ثم رواية quot;الغريبquot; الشهيرة (1942)، التي لاقت رواجا بإجمالي مبيعات فاق السبعة ملايين نسخة، وترجمتها لحوالي 40 لغة، ما مكّن كامو من التتويج بجائزة نوبل للآداب وهو في سن الـ44.

وزاوج كامو بين الأدب والفلسفة والمسرح والإعلام، ما جعله يؤلّف 30 عملا بين الرواية والمسرح، إضافة إلى مئات المقالات الصحفية والنصوص الفلسفية التي كانت مرادفة للتمرّد والفكر الثائر المتشبّع بدعائم العدالة والحرية والمساواة، وحيث كان يتصور أنّ إحدى المواقف الفلسفية القليلة المتماسكة هي التمرد، بجانب رفضه منطق quot;الغاية تبرر الوسيلةquot;، وتقول إبنته كاترين: quot;كان يقول إنه يريد أن يكون صوت الذين لا صوت لهم أو صوت المضطهدينquot;.
وكتب كامو quot;أسطورة سيزيفquot; التي استعرض فيها مفهومه للعبثية، حيث ذهب إلى أنّ الإنسان يبحث عن ترابط لا يجده في تقدم العالم، كما مارس كامو الصحافة من خلال افتتاحياته في جريدة quot;كومباquot; إحدى صحف المقاومة السرية في فرنسا سنة 1942، وكان كاتب الافتتاحيات الرئيسي فيها، علما أنّ كامو كان يساريا ملتزما، بيد أنه دان ما سماها (توتاليتارية) الاتحاد السوفياتي السابق في quot;الرجل المتمردquot; 1951.

وعند اندلاع ثورة الجزائر في الفاتح نوفمبر/تشرين الثاني 1954، أطلق كامو تصريحات مثيرة للجدل بشأن تلك الثورة، إذ وصف معركة الجزائر بـ(الإرهاب الذي يهدد حياة والدته)، واستفزّ كامو الجزائريين حين قال: quot;أنا أحب العدالة، لكنني سأدافع عن أمي قبل العدالةquot;، ما مثل إشارة قوية إلى مناصرته فرنسا ضدّ حق الشعب الجزائري في استرجاع حريته.
وكانت لهذه الخرجة وقعها الكبير على كامو حيث تضاءلت شعبيته، ما فرض عليه عزلة شديدة، وأبعده عن تيار اليسار الفرنسي وزعيمه المفكّر الشهير جان بول سارتر الذي كان يؤيد بقوة استقلال الجزائر، وعاد كامو سنة 1956 لينادي بـquot;هدنة من أجل المدنيين تسمح بالتعايش بين الجزائريين والفرنسيينquot; لكنها مرت من دون أن تحدث أي صدى.

وانطفأت شمعة كامي في سن الـ47، تاركا ورائه مخطوط رواية كان بصدد تأليفها حملت مسمى quot;الرجل الأولquot; (نشرت العام 1994)، ويرى نقاد أنّ هذا العمل هو بمثابة سيرة ذاتية لكامو.