د. خالد السلطاني: تتوق زهاء حديد (1950)، مصممة جناح مصر في معرض laquo;اكسبو 2010raquo;، في شنغهاي بالصين(*)، الى ادهاش متلقي عمارتها، بالنأي ظاهريا عن مقاربتها المميّزة التى عُرفت بها من خلال نماذج عمارتها المتسمة على فرادة تصميمية. تلك الفرادة المتكئة على جماليات عدم منطقية الفورم المصمم، وغياب الاشكال المنتظمة فيه، والغاص بالتنافر التشكيلي وعدم التناغم، والملء بالالتواءات والهشاشة المتقصدة مع الايحاء بالحركة الديناميكية والتشظي، كما كتبنا عن عمارتها يوما ما. فالكتلة الاساسية للجناح تميل الى الشكل المنتظم. وهو شكل laquo;غريب!raquo; عن ربيرتوار اشكالها المألوفة. بيد انها، من جانب آخر، لا تود ان تجري سريعا وراء إغواءات الدهشة التى نشدت الى زرعها لدى المتلقي، ذلك ان كتلتها المنتظمة (او بالاحرى الموحية بالانتظام!)، ما انفكت تتحلى بعناصر ذات اشكال ديناميكية، يشي حضورها المقنن في الواجهة، بطبيعة وبنوعية الثيمة التصميمة الاساسية للجناح، المعبر عنها من خلال معمارية Architectonic المقولة الشائعة، المأخوذة من معبد حتحور (آلهة الامومة والطفولة والحب لدى المصريين القدماء)، والتى يرددها المصريون واصدقائهم، بكون: laquo;مصر- أم الدنيا!raquo;. وسواء كانت كلمة مصر تدلل عن مصر كلها، ام عن قاهرتها؛ فان الغاية من حضور المقولة، هنا، يكمن في تجسيد معناها بدلالات معمارية. وهذا التجسيد تحرص المعمارة على ان يكون مكانه مقتصرا علي داخل الجناح، ذلك الداخل المشحون بالتشظي والالتواءات والحافل بالحضور الطاغي للاشكال المنحنية، التى افتقدناها في الصياغات الحجمية لخوراج كتلة الجناح!.
تطمح المعمارة زهاء حديد (ذات الاصول العراقية) مع مساعديها المصمميين، ان يكون تعبيرهم عن موضوعة معرض اكسبو 2010 (الذي افتتح في 1 أيار من هذه السنة، وسيغلق في 31 اكتوبر 2010)، وهي laquo; مدينة فضلى، حياة افضلraquo; من خلال اصطفاء نوعية معالجة تصميمية خاصة، تعتمد على معطيات الفن، اكثر بكثير عن ناتج فعالية التصميم المعماري. لكننا، مع التصريح بهذا الاستنتاج، نسارع الى القول، بان مفهوم الفن هنا، هو مفهوم حداثي، او بالاحرى ما بعد حداثي.، ينهض على تداعيات ما يعرف بالفن التركيبي او التجهيزي Installation Art، المتسم بالابعاد الثلاثية، والقريب لهذا، من العمارة.
ثمة زوبعة من الاشكال الملتوية والانحناءات المتداخلة، تفاجأ المصممة بها زوار معرض مصر. وهذه الزوبعة يثيرها وشاح من شريط نسيجي متصل، يسبح في حركة حلزونية تبدأ من الاسفل نحو الاعلى، شاغلا معظم الحيز الداخلي للجناح المصمم. وما يراه امامه زائر الجناح، هو في الحقيقة، كلية موضوعة التكوين، وضربته الرئيسية. اذ لايوجد في التصميم، ثمة احداث مميزة عداه. ومن هنا تغدو المعالجات التصميمية الآخرى لعناصر الجناح، بمثابة غطاء (غطاء، لا اكثر!)، للحدث الحلزوني الملتوي، الشاغل لفضاء الجناح الرئيس.
يشتبك الوشاح داخل الانترير (الذي يوحي في جزء منه الى شكل الرحم، زيادة في تأكيد دلالات الموضوعة التصميمية للجناح)، ويضم شكله المعروضات والزوار معاً في فضاء واحد مستمر. وهذا الفضاء يقسم الى ثمانية اقسام، كل قسم له هويته المميزة المجسدة لمرحلة زمنية من تاريخ وحاضر ومستقبل مصر الغنية بالاحداث والانجازات. وقد تم توظيف سطح الوشاح الذي صنع من سائل، ليعمل كشاشة يعرض عليها فيلم، تم عمله خصيصاً للمعرض، يحكي بالصورة والصوت، تاريخ مصر العريق وحاضرها وما ينتظرها من مستقبل زاهر. ويعمل الفيلم الذي يشاهد من نقاط رؤى مختلفة، باختلاف وضعية انحناءات الوشاح/ الشريط، ومع المعروضات على تكثيف الاحساس لدى الزائر باتجاه فرادتها وجذب انتباهه نحو أهميتها لمصر وللعالم.
لا تتخلى، بالطبع، زهاء حديد بالمطلق، عن مفردات مقاربتها التصميمية المميزة. اذ توظف بعضاً منها في معالجة بقية الفضاءات التى يتطلبها البرنامج التصميمي للجناح. ففي صياغة حيزّي انترير قاعة الشرف VIP، وحانوت مبيع التذكارات، تستدعي المعمارة مفردات معجمها التصميمي، لتكون حاضرة في اسلوب تلك الصياغات. ورغم ابعاد كلتى القاعتين البسيطة (6times;6 مترا)، فان احيازهما غنيتان بتلك المفردات التى امست مألوفة في عمارة زهاء: الخطوط المتكسرة والملتوية المشكلة للفضاء ومحتوياته، والجدران المنبعجة، يضاف الى ذلك كله، اسلوب انارة مميز، مع حضور لافت لمقاعد جلوس في قاعة الشرف وخزائن التذكارات بالحانوت التى حرصت المعمارة على تصميمهما بنفسها، باشكال حافلة بالفرادة ومشبعة بابداع تجديدي صادم.
ولئن نشدت زهاء حديد، في تصميمها لجناح مصر، الذي جاءت ابعادة الكلية متواضعة ( 18times;36 مترا وبارتفاع حوالي 4 امتار)، انتاج عمارة مميزة ومؤثرة في آن، فانها تعي ايضاً طبيعة عمارة الاجنحة المشاركة في معرض دولي. وهي طبيعة تتسم كما هو معروف، بصفتها الوقتية، وعدم استدامتها، ما يتعين على مصمم مثل تلك المباني ان يراعي في قراراته التصميمية حقيقة وجود العمارة الى حين. في الوقت ذاته، يسعى وراء ايجاد حل معماري ينطوي على اكبر قدر من الاثارة التصميمية، جنباً الى جنب حضور وضوح المسارات في هذا الحل، المقترن عادةً، بتوظيف منظومة اساليب تركيبية غير معقدة، تمتاز بسرعة تركيب وتفكيك عناصر الانشائية في آن واحد. والاهم ان تكون كلفة التنفيذ للمشروع ضمن ميزانية غير مكلفة. وهذا ما توافر عليه، في اعتقادنا، جناح مصر في اكسبو 2010، بشنغهاي. كما ان خصوصية عمارة الجناح تشير ايضا، لصوابية القرار التصميمي المتخذ، عندما تتطلب المقاربة التكوينية تغييرا في مسارها، طبقا لخصوصية العمارة المنتجة. وهو درس مهم، آخر، تكرسه زهاء حديد في الخطاب المهني.

(*) جزء، من دراسة مطولة عن عمارة اجنحة اكسبو 2010 في شنغهاي بالصين.
معمار وأكاديمي
مدرسة العمارة/ الاكاديمية الملكية الدانمركية للفنون