مقتل سفيرة السلام الفنانة التشكيلية العراقية غادة حبيب

ـ انقطع الحلم يا عصفورتنا. انثلمت الأيام. لجم الزمن. وتدحرجت الكرة. وانطلق اللسان بعد التلعثم. بطلت الثرثرة، الزقزقة. رف الجناح إلى الأعلى ولا من هبوط. نزل الشعاع وظل يحوم بلا مثوى. هطل المطر مآقي حبلى. نشفت مياه الحوض وجفت الفرشاة بلا نبع... أنذر هو وجب علينا أداؤه!.
ـ فراشة هي تبحث عما يروي ظمأها من الجمال. غزلت خيوطا وتركت نسيجها عبثا للريح الصفراء التي غزتنا بلا غفلة, بلا تحسب.
ـ ليس كل شعاع ومضة حنان. وليست المآقي كلها انهار سماوية. تبدلت سماواتنا مثلما تبدلت نهاراتنا وفقدنا الضوء كما بغداد وأنت يا غادة بعدك تحلمين ولازلت سادرة في حلمك. قدر, حلم, حلم, قدر.. قدر..قدر.. أقدار معجزة..قدر عراق معجزة!.
ـ من ضيع من. من فقد من. من ذهب ومن لم يذهب. ذهب خالص. سوق مكتظ مصائر بائر.. عاثر.
ـ تتعثر الحروف يتلجلج اللسان ولا يخون المنطق. لسان مسكون وله. مفرداته محبة, محبة.. محبة.
ـهل الحب إثم. هل الحياة دار عقاب. هل نسدل الستار أم البساط على موتانا, قتلانا. يا غادة هل نسدل الستار. هل أنت المعجزة الأخيرة في زمن اللا معجزات. أم هو نذر التراب الذي لفضنا والذي لازلت متشبثة به رغم أن تربتك لا تزال تنز دما.
ـ من ضيعك. من ضيعنا. ومن أنت ومن نحن. ومن هم قناصونا. حشد اسود.. اغبر.. جراد.. قاحل.. خرابنا. وهل هي ذمة.. ذمة التاريخ.. سجل.. تسجيل.. مسجل بلا رقم.
ـ عراق معجزة. أوان الحصاد.. هلموا.
ـ اللون أقدم بهجة على الأرض. اللون صنعتها. وباللون قتلت.
ـ حلمت بالجنة ارض مفروشة زهورا للكل. وبجنتها قتلت.
ـ غزلت خيطا لشمس العراق.. زرعت وردا لأطفاله.. وبالورد قتلت.
و حكاياها المرسومة تزويقا للروح. وبالتزويق قتلت.
ـ انقطع الحلم يا عصفورتنا. انثلمت الأيام. لجم الزمن. وتدحرجت الكرة. وانطلق اللسان بعد التلعثم.
ـ سكنت الروح. فارقت جسدها وانثلم قوس قزح وتطاير ما تبقى لها من أشباح أو أشباه الرؤى التي انفلتها لحظة الارتطام وتدحرجت الكرة.
ـ انقطع الحلم يا عصفورتنا. انثلمت الأيام. لجم الزمن. وتدحرجت الكرة. وانطلق اللسان بعد التلعثم.
ـ وداع يا معجزة الوداع العراقي وكلنا مودعون ولا نفقه من هذا الوداع شيء.

في زمن القتل العراقي لم تشهر غادة حبيب سيفا ولا بندقية. فللسيوف والبندقيات رجالها أو أشباههم الذين غصت بهم طرقاتنا حتى قيأتهم بآثامهم. بل أشهرت للجمال فرشاة وقلبا لا يكف عن النبض. ولم يبقى من تاريخ سيوفنا سوى الزيف سخاما يملأ ما تبقى من رقاع الرعاع. طفلة أتت للدنيا وطفلة أو فرخه ذبحت كما ذبح الحلم العراقي في زمن للذبح فيه وقائع لا تمحى وقائعها.
طوبى للقادمين. طوبى للذاهبين. طوبى للمجهول بلا يقين. طوبى للحلم بلا جناحين.


ملاحظة:
مرة واحدة التقيت بالفنانة التشكيلية غادة حبيب في محاضرة لي لا تبتعد في مجملها عن نوازع الغربة للفنانين التشكيليين العراقيين في لندن. ولم أجد فيها غير روح طفولية تبحث عن الدفء بعد كل متاعبها الجسدية والنفسية نتيجة لمعانتها من مشكلة في النطق والغربة. ولم يكن نتاجها( وخارج عن التقييم) بعيدا عن كل ذلك. وفوجئت اليوم صباحا باغتيالها قتلا. تاركة علامة استفهام كبرى, لم, ولماذا هي بالذات من كانت بعيدة بشكل استثنائي, أو أبعدت نفسها عن شبح القتل العراقي اليومي, تقتل!. وهل بإمكاننا أن نبحث عن السر الكامن وراء قتل العراقيين. أو كما ختم (كونراد) روايته المشهورة: يا للهول.. يا للهول.