الحلقة الثانية
سلوى اللوباني من القاهرة: اتفقت الآراء على أن للكلمة دورا في الثورات ولكنه دور غير مباشر، فالرواية أو القصيدة العربية قالت كلمتها بجرأة ووضوح

الحلقة الأولى

وساهمت بتشكيل وعي تراكمي، حتى أن الكلمة أو المقال كانت حاضرة من خلال الفيس بوك والتويتر لتنشأ التغييرات وتنطلق من بعدها الثورات. وأن إلغاء دور المثقف في هذه الثورات الشعبية فيه إجحاف كبير للمثقفين، فكثير منهم تعرض للسجن أو القتل أو التكفير أو التعذيب بسبب كتاباتهم، وأيضا فيه إتهام للشباب بأنهم خارج كل شئ حقيقي وجاد، فالمثقف محرض على الثورات ولكن بشكل غير مباشر. أما البعض يرى أن المثقف ليس بمحرض أو حتى صانع لأي ثورة لأنه جناح منكسر ولا يحسب له الحساب الكبير، وبعضهم مستعد لتغيرر نغمة صياحهم في لحظة سقوط الديك الطاغية، لذلك بعض منهم سقط في إمتحان الثورات وعليهم أن يتعلموا كثيرا من شباب الثورات. وهناك آراء ذهبت الى أبعد من ذلك بوصفهم المثقف العربي بأنه جبان وليس لديه الجرأة على قول كلمة لا! وهو أناني ونرجسي يجلس على المقهى ينظر مشروعه الخاص بعيدا عن الحس الإجتماعي، ولم يكن له دور في هذه الثورات إلا بالظهور بتصريح صحفي أو مقابلة تلفزيونية ليشيد بدماء الشهداء! وهذه الثورات هي ثورات الإنترنت التي كان يحاربها بعض المثقفين ويعتبرونه مشروع غربي لإلهاء الشباب!! هنا الحلقة الثانية والأخيرة من الاستفتاء:

عمر طهبوب: الثورات لم يكن للمثقف أي دور فيها
إعلامي وكاتب
أعتقد جازما أن الثورات الشعبية في الوطن العربي أول ما استهدفت بعد الأنظمة رموز الفكر والثقافة العربية، تلك السلسلة التي أصابها الوهن، والشجن، والعفن، وعبادة quot; الحاكم ndash; الوثنquot; والتي باتت لوائح العار المنشورة على الفيسبوك وصفحات الإنترنت تفضحهم وتعريهم وتمثل دليلا قاطعا على أن هذه الثورات لم يكن للمثقف العربي أي دور فيها على الإطلاق، تماما كما هي الأحزاب العربية التي هرمت وشاخت وأصابها quot; الخرفquot; ndash; بفتخ الخاء والراء ndash; صحيح أن هذه الثورات اعتمدت على الكلمة quot;في البدء كانت الكلمةquot; وعلى مخزون معرفي وثقافي، لكنه مختلف وبكل تأكيد، ليس مخزون الثقافة الإنهزامية والمتسلقة والحربائية والإفعوانية التي شهدنا ملامحها في تبدل مواقف المثقفين والمفكرين والإعلاميين والفنانين العرب خلال لحظات وبمجرد ظهور ملامح سقوط الأنظمة وخاصة في مصر، بل حاولوا خطف تلك الثورات والمزايدة عليها عبر مواقف مخزية أرادوا فيها إستعراض عضلاتهم التي بنيت بهرمونات خبيثة، لقد اعتمدت على مخزون من الثقافة المنفتحة والمتحررة والمتطورة والمتألقة وآمنت أنه لا بد من هز الأشجار كي تسقط أوراق المثقفين العرب الصفراء، ورفض كل أشكال ومعارك المثقف العربي التقليدي الذي آمن بالبلادة والبرودة.

ربيعة الناصر: أبنائكم ليسوا لكم.. أبنائكم أبناء الحياة
كاتبة ورئيسة بيت الحكايات والموسيقى
بداية هناك جيل جديد ومسؤول، وعلينا أن نكبت رغبتنا الجارفة في وضعهم داخل أطرنا البالية وأن نكف عن إجترار تاريخ حركاتنا القومية واليسارية، الديمقراطية والشعبية الثورية للقرن الفارط على رأي الإخوة التوانسة.هم قرأوه وقرأونا جيدا واختاروا وحتما استفادوا وسيستفيدوا من إخفاقاتنا ونجاحاتنا إن كانت هناك نجاحات. منذ إحتلال العراق توقفت عن متابعة الأخبار بشكل يومي، وإن حدث، فلست أرى إلا خلافات طائفية وعصبية أقرب للعشائرية في لبنان، صراع دموي على السلطة في فلسطين ما بين حماس وغزة، مباريات إقليمية، عذرا، رياضية ما بين الفيصلي والوحدات وأخرى ما بين مصر والجزائر، وأنهار دم في العراق تحت سمع وبصر قوات التحرير الأمريكية. أنباء تبعث على التقزز والأسف لما آلت إليه حال بلاد العرب أوطاني.
من يوم quot;البوعزيزيquot; الذي أتمنى أن أرى له نصبا تذكاريا في كل بلد عربي، أصبح للحياة معنى مختلف! صفعة الشرطية لم تكن موجهة فقط لوجه quot;طارق بوعزيزيquot; وإستخفاف المسؤول لشكواه وقطع رزقه وتعرضه للإهانة أمام السوق كله، لم يكن موجها لشخصه، بل لكل الشباب العربي الذي يرى بأم عينه النهب والسلب والإنتهاكات اليومية لعقله وإنسانيته وانتماءه ما يجعل الحلم ضربا من الهلوسة..ربما يرى البعض في حماسي لهذه الثورات مبالغة، لكن أزعم أن متابعتي الحثيثة والمتمعنة لنقاشات الشباب على مواقع التواصل الإجتماعي من تويتر وفيسبوك ويوتيوب ضاعفت من تفاؤلي بأننا نشهد إنطلاقة عصر جديد معمّد بدماء جديدة في بلادنا العربية.
أكثر ما يثير تفاؤلي في هذه الثورات أن الجيل الشاب الذي يشكل غالبية الجماهير الثائرة يبدو أكثر تصالحا ووعيا بل وذكاءً مع فسيفساء مجتمعه بشكل لافت، بالإضافة أن أسلحة ووسائل الأنظمة الحاكمة والتي مما لا شك فيه، أربكتها صلابة إرادة الشباب والإلتزام في ضبط النفس رغم إستفزاز رجال الأمن والجمال والبغال وأصحاب السوابق، وشخصيا هذا أذهلني وأثار غيرتي ولم أتمنى يوما لو أني أصغر سنا كما تمنيته في هذين الشهرين. وقد دأبت الأنظمة دائما على تفكيك إرادة الشعوب، بإثارة الفتن والنعرات تارة، أو إثارة الشكوك في غايات التظاهر بين أبناء الشعب الواحد تارة أخرى، كما دأبت بل ونجحت في شراء الكتاب والمثقفين وحتى القيادات الثورجية مقابل منصب أوجاه، إلا أن هذه الوسائل البائتة لم تؤتي أكلها مع هؤلاء الشباب، وحتى هذه اللحظة ورغم سقوط عدد كبير من الشهداء وتقديم بعض من رموز الفساد إلى المحاكمة في كل من مصر وتونس والقادم أعظم، كل هذه التنازلات والتراجع لم يفت في عضد الثورة بل يزيد من رفع سقفها يوما بعد يوم. لا أعتقد أن العالم شهد ثورة كما هي الثورة في كل من تونس ومصر والآن ليبيا واليمن. أعتقد أن على علماء الإجتماع والسياسة النظر إلى هذه الثورات من منظور عصري وإلا ستبقى أبحاثهم ورؤاهم قاصرة.

سعدية مفرح: بعض المثقفين سقطوا في إمتحان الثورات
شاعرة وإعلامية
هذه ثورات الشعوب، ولا ينبغي أن تنسب لجماعة أو حزب أو لطائفة او لفئة أو لفرد. إنها ثورة تونس..ثورة مصر..ثورة ليبيا..ثورات بكل أطيافها، ولعل هذا أجمل ما فيها. وهو ما ينبغي التركيز عليه والإحتفاء به من قبل المثقفين والإعلاميين على الأقل. لكنني اعتقد أن هذه الثورات ليست ثورات عفوية تماما بل كانت تسبقها إرهاصات كثيرة كان لكثير من المثقفين العرب دورا كبيرا ورائعا في التحضير لها منذ سنوات من خلال كتابات تحريضية حاولوا قدر المستطاع أن ينفذوا بها الى قلب الشارع. وهذا ينطبق أكثر ما ينطبق على الحالة المصرية تحديدا.. فهؤلاء الشباب الذين خرجوا الى الشارع حاملين شعاراتهم الجريئة وصادحين بأصواتهم العالية التي تهتف بسقوط الأنظمة لم يأتوا من الفراغ، بل أنهم نتاج حالة ثقافية عامة أفرزت نقمة لدى الجميع مما سهل أن تلفت الشعوب العربية كلها حول تلك الثورات، حتى تلك الشعوب غير المعنية بها بشكل مباشر. صحيح أن هناك بعض المثقفين سقطوا في إمتحان الثورات بشكل مخز ومثير للشفقة لكن هذا متوقع دائما والمفاجأة كانت في الأسماء التي سقطت في ذلك الإمتحان البسيط. أما بالنسبة للجزئية الأخيرة من السؤال فأنا لا اوافق عليها، أرى أن من يقول ذلك يحاول أن يبرر حالة اللامبالاة والسكوت، غير صحيح أن الطاغية إذا سقط سيأتي غيره بالضرورة..فمن أسقط هذا الطاغية سيسقط أي طاغية آخر.. ثم أن علينا منذ الآن التفكير بتغيير الحالة وتغيير الأنظمة التي أنتجت هؤلاء الطغاة لا تغيير الطغاة وحسب.. علينا أن نفكر بديمقراطيات حقيقية وندع التفكير بأفراد أو زعماء جيدين أو غير جيدين.

محمد العشري: الحياة الثقافية اتسمت مؤخرا بالأنانية
روائي
لا نستطيع أن ننكر دور الكلمة، وإن لم تكن في الصدارة، لكنها بالتأكيد تراكمت في عقول ووعي الشباب، الذي بدأ الثورة، وهؤلاء الذين إلتحموا بهم، وكونوا سداً منيعاً أمام الهجمات الوحشية للنظام البائد، سواء كان في تونس أو مصر، أو ليبيا، أو اليمن أو البحرين، من سيأتي بعد ذلك، حتى تكتمل الثورات في بلادنا العربية كلها، وتزيح كآبة ووحشية الدكتاتوريين. لأول مرة أرى وجوه كل المصريين مبتسمة، سعيدة، فخورة بما حققته من شجاعة ورباطة جأش، وتغلب على خوفها الداخلي والخارجي، كل شيء صار له ملامح سعيدة، حتى النيل صار يبتسم لكل من ينظر إليه، تلك ميزة حققتها تلك الثورة بامتياز، وأعتقد أن هذا سينعكس أو انعكس بالفعل على سلوك الإنسان المصري، بات أكثر التحاماً، وارتباطاً بوطنه، لأنه استطاع أن ينتزع وطنه من بين أيدي نظام قتل روح المواطنة، وفرغ كل شيء من مضامينه الحقيقة، بما في ذلك الحياة الثقافية، التي اتسمت في السنوات الأخيرة بالأنانية في السلوك والممارسة، وعدم القدرة على التعايش مع الآخر بروح المحبة. أعتقد أن الوقت الآن، هو وقت إعلاء القيم الثقافية، وتفعيل دور المثقف في الحياة الإجتماعية، دون الإنعزال التام، كما كان من قبل، خاصة وأن التربة أصبحت مناسبة ومهيأة لخلق حياة ثقافية حقيقة، تصبح فيه الثقافة سلوك، والمعرفة غاية ينبغي التكريس لها، بما في ذلك القضاء على الأمية بمعناه الضيق ومعناها الواسع. أثبتت الثورة بصناعها الشباب أن السياسة في مصر كانت بعيدة كل البعد عن مفاهيم الحياة، وأن السعي إلى الغنيمة والفوز بالمكاسب الشخصية سمة كانت على رأس التفكير السياسي، لأن النظام لم يكن يسمح بإقامة حياة سياسية حقيقة وعادلة.

إبراهيم فرغلي: المثقف يحتاج لأن يتعلم الكثير من شباب الثورة
روائي
الموضوع مركب في الحقيقة، لأن الموضوع لا يخص المثقف بشكل مباشر، أو بالأدق أن كلمة مثقف بها نوع من التعميم، لأن السؤال هو أي مثقف هو الذي يستطيع أن يلهم شعبا ليقوم بثورة؟ هذا هو في الحقيقة عمل رجال سياسة، في الأساس، ثم أن تكون ثورة شعبية، أي أن القطاع الكبير فيها لا يكون بالضرورة مثقفا. من الأمثلة القليلة والساطعة على المثقف الذي يمكن له إشعال ثورة نموذج البطل القومي الفلبيني خوزيه ريزال الذي اعتقل على يد الإسبان واعدم وبقيت روايته quot;لا تمسنيquot; وقودا للشعب الفلبيني الذي قام بالثورة بعد اعدامه مباشرة واستطاع أن يحصل على استقلاله بعد 300 عام من الاحتلال. لكن أي رجل كان ريزال..المثقف الكاتب الروائي المؤرخ النبيل.لكن في المنطقة العربية لا يمكن القياس على ذلك..لأن المثقف في النهاية ليس دوره التحريض، بل خلق الوعي، وإذا تابعنا أغلب من يتكلمون من شباب ثورة 25 يناير في مصر من الشباب سيتكشف لنا بوضوح أنهم مثقفون، بمعنى أن لديهم وعيا تكون من قراءات واسعة واطلاع، لكن ما يتميزوا به عن الأجيال الأخرى هو قدرتهم على الخيال، واليقين في قدرتهم على تحقق ذلك الخيال، وهذا ما يفسر حجم المنجز الذي أنجزوه في نحو 18 يوما والذي كانت أجيال أخرى تظن أن أمامهم على الأقل خمسة عقود ليتحقق نصف ما تم إنجازه. لبعض المثقفين دور كبير بالتأكيد في الكتابة ضد الفساد وضد النظام السابق بكل رموزه رغم التهديد والقمع وهذا يحسب لهم، لكنه ليس كافيا لأن التحريض شيء والوعي شيء آخر. أظن أن المثقفين يحتاجون لأن يتعلموا الكثير من شباب الثورة، ومن بين ما ينبغي لهم أن يتعلموه أن الثقافة تحتاج للخيال، وللمبادرات، ووضوح الرؤية والثقة بالنفس، والأهم من هذا كله: النبل بالمعنى الأخلاقي والجمالي معا. على المثقفين أن يتخلوا قليلا عن نرجسيتهم وتضخم ذواتهم المريض، ومن الإنتهازية التي كانت سمة مرحلة كاملة خلقها نظام قمعي فاسد وامتثل لقيمها بعض أو الكثير من المثقفين مع الأسف، لأن المرحلة المقبلة هي مرحلة التوعية ونشر مفاهيم الحرية والعدل والدولة المدنية، وهذا يحتاج لأفكار عميقة وجدية في الطرح وليس مجرد خطابات يظن من يكتبونها أنهم يقفون على المنبر. ولكي لا أبدو واعظا أو ملاكا بشريا فأنا لا أستثني نفسي من هذا النقد.

غادا فؤاد السمّان: الثورات نتيجة إنتهاء صلاحية الصمت
شاعرة وكاتبة
لا أخفي أن بريق المثقّف الذي كان يتقن فنون التنظير والإبداع، ويجيد تصدير مواقفه ووجهات نظره بتمريرها عبر جلسات اجتماعية عمادها النقاش والحوار والجدل الخلاق وتبادل الآراء والأفكار والرؤى قد خبا، وكان ثمّة جديّة في الطرح وثمّة أهداف وثمّة غايات ومصداقيات وتوثيق، حيث كان الدور هو الأساس وتكريس الدور وتنشيط فاعليّته وتأكيدها هو الهدف الوجودي الأول بالنسبة للمثقف، لكن مع اقتحام النقابات وسطو التنظيمات الحزبية على ذهنية الفرد وبرمجتها برمجة جماعية لتحديد طبيعة الحِراك بناء على مصالح وأبجديات براغماتية خالصة، أدخلت المجتمع بكثير من الجمود والنمطية أدّت إلى تغييب الحالة النقدية التي تساعد عادة في تطوير المجتمعات وتقدمها، وهكذا طال الانتظار، وساد الصمت، وعمّت البلادة الفكرية، وطغت المصالح، وتمادت الميول النفعية في المجتمع وتحوّل الأفراد إلى شلل قاسمهم المشترك اغتنام الفرص وحرق المراحل والقفز على القِيَمْ والتحايل على الأخلاق، وهكذا فقد المثقّف شفافيّته ورهافته وصدقيّته وحميميّته مع الجمهور الذي تقطّعت بينه وبينهم السُبُل، فصار الشعر مناسبة مكرّسة للمنبرية وغاية من غايات الشخصانية واللعب المكشوف ضمن دائرة الضوء بحثاً عن الانتشار على امتداد القارات، أمّا النص الأدبي فقد خرج من شرنقة التابويات والمحرمات والممنوعات ليدخل أطوارا متعددة من الإباحية والفتوحات الجنسية على أنواعها، بحجّة الحداثة، أمّا السياسة فقد دخلت سراديب الالتباس وعرفت صفقات ما تحت الطاولة المستديرة وما فوقها، وفي خضمّ ما تقدّم ظلّ المواطن يراوح أسيراً لظروفه المتردّية، أو لا مبالياً لفرط سئمه وتراكم يأسه من التغيير، أو انتهازياً بامتياز يُدرك تماماً من أين تؤكل الكتف، وهنا فإنّ انتفاضة الشعوب العربية لم تعد بحاجة إلى محرّض ومفاعل ثوري، ولم تعد بحاجة إلى منظّر ثوري من طراز مختلف، إذ كانت ببساطة قيد انتهاء صلاحية الصمت وقد تخطّت الحدّ الممكن للاستكانة والصبر، فجاءت ثورتها وليدة انفجار طارئ نتيجة التراكمات المزمنة، وعلى الرغم من غياب الكلمة الأساس الفيصل والشخصية المحورية كمعادل ثوري، لكن لا يمنع أنّ الشارع الذي اتّكل على المتدافعين إليه لتحدي جدار الخوف من السلطة وتحطيمه وانتصار الإرادة الشعبية أخيرا كحق مشروع أوجده الوعي الذي يتشكّل بحكم الضغط العالي الذي مارسته الحكام العربية وأزلامها على الشعب، إلا أنّ الكلمة تأتي كعنصر مساعد من استكمال المشهد المتأجج، باستغلال المناسبة كالعادة استغلالاً ملحوظاً لا يختلف الأداء المتسرّع فيه عن غيره من المناسبات، كانطلاق معظم المطربين والشعراء والملحنين لتسجيل أكبر كمّ ممكن من الأغنيات المواكبة للأحداث الثورية الطارئة، ومما تقدّم هل يمكن الجزم بالقول أنّ المثقف هو أساس الثورة أم أنّ الثورة أصبحت أساساً للثقافة المُستجدة، والمفارقة هنا لا تقلّ عبثيّة لو فكرنا مليّا بها كالسؤال مثلا: هل الدجاجة سبقت البيضة أم أنّ البيضة هي التي مهّدت للدجاجة، وتبقى الإجابة رهن الغيب والاجتهاد والاحتمالات المطروحة والنتائج.

كفى الزعبي: من المؤسف أن نزار قباني مات لانه حتما سيعيد النظر في مقولته
روائية
بظني أن الثورة هي نتيجة تراكمات عدة، ربما تلعب الدور الرئيسي فيها تراكمات سوء الحالة الإقتصادية من فقر وبطالة وإتساع الهوة الطبقية ما بين الأغنياء والفقراء، بالإضافة إلى كبت الحريات والإضطهاد السياسي بكافة أنواعه. لكن ذلك لا يبيح لنا أن نستثني دور الثقافة ودور الكاتب في هذه الثورة، حتى لو كان ضئيلا. فالحالة الثقافية بما تقدمه من فكر وأدب وفن وموسيقى، تساهم حتما، وإن ليس بالدرجة المطلوبة في بناء وعي ما، وفي هذا الصدد يحضر ذهني على الفور مثال الشعر، وبالذات شعر أحمد فؤاد نجم الذي ظل حاضرا في ذاكرة الجماهير وإن في ركن معتم، لكنه ما لبث أن قفز إلى واجهة هذه الذاكرة ما انفجرت الثورة المصرية، والشيء ذاته ينطبق على شعر محمود درويش الذي أصبج جزء من الوجدان العربي...وفي الرواية هناك الكثير من الأمثلة: غسان كنفاني، عبد الرحمن منيف، غالب هلسا، وغيرهم الكثيرون الكثيرون. إذن قد - بل وعلى الأغلب - لا تنفجر الثورة بسبب قصيدة أو رواية أو كتاب فكري، لكن، وبالضرورة، هذه الأعمال تشكل وعيا - قد لا يكون مرئيا ومحسوسا - يساهم في الدفع إلى الأمام ويدعم الثورة برؤية وإدراك يحصنها من خطر الولادة كثورة جياع وحسب. أقول ذلك كي أنصف أؤلئك الذين قدموا مساهمات حقيقية في هذا الصدد، وضحووا وطوردا وحوربوا ورفضوا قبض بيع موقفهم. الجميل في هذه الثورة العربية أنها أعادت الإعتبار لقيم عُمل طويلا على تشويهها، ليست قيم ومفاهيم الكرامة والحرية والإرادة وحسب، بل أيضا معنى أن يكون المثقف والكاتب ملتحما مع قضايا وطنه وأمته وشعبه، وإلا فإن مصيرهم سيكون شبيها - بالمعنى المجازي - من مصير تامر حسني: سيطردون من ميدان التحرير. يبدو لي أن رؤية نزار قباني - أن ذهاب طاغية سيتلوه قدوم آخر وسيظل الإنسان مسحوقا - هي ليست دقيقة تماما، لاسيما ما يثبته لنا التاريخ الآن. فالتاريخ هو عبارة عن صيرورة لها شروطها الموضوعية، صحيح أننا مررنا بمرحلة ذهاب طاغية وقدوم آخر لكن ذلك كان في سياق مرحلة تاريخية تختلف عن المرحلة التي نعيشها الآن. بل أن هذه الثورة التي نعيشها الآن هي فعليا أول ثورة عربية حقيقية، على جميع هؤلاء الطغاة مجتمعين، وعلى تبعيتهم. الآن قد يبدو أن الثورة لا تحقق إلا أنصاف انتصارات، وأن الطغاة باقون، لكن ما يبعث على الطمأنينة، هو إدراك الشعوب لأهدافها، وتصميمها على بلوغ هذه الأهداف مهما كان الثمن وحتى ولو طالت المعركة، فالثورة لا تنجز في أسابيع وريما تحتاج إلى بضع سنين كي تصل إلى أهدافها النهائية الحقيقية الديمقراطية والمجتمع المدني و العدالة الاجتماعية، والتحرر من التبعية. من المؤسف نزار قباني مات، وإلا فإنه كان حتما سيعيد النظر بمقولته تلك.

شوقي مسلماني: المثقفون هم جذور الشجرة
شاعر
المثقّف هو ضمير وبيده ضوء ينير به الطريق ذلك طبعاً عندما يكون شريفاً تمييزاً عن المثقّف quot;الذكيquot; الذي يكتب على قدر ما يكسب. ومن هنا فإنّ مثقّفاً ما هو في أعماق أي حدث: إنتفاضة، إنقلاب، ثورة... بما يوفّره لها من مناهج وأفكار. وكثيرون، ومنذ سنوات، قالوا: quot;كفىquot; لنظام الرئيس المصري حسني مبارك، ولكن الشعب أخيراً قالها كلّه بصوت واحد. إنّ أمّة بلا مثقّفين شرفاء حتماً هي أمّة منقرضة، وكيف لأمّة منقرضة أن تبتدع ثورة المجد التي يسمّونها أيضاً ثورة النيل وقبلها تبتدع ثورة الحلم التي يطلقون عليها أيضاً ثورة الياسمين التونسيّة؟ وكيف لها ان تبتدع في كل ركن من أركان الوطن العربي الكبير حراكاً لا تنطفئ له جذوة؟. إنّ الشجرة الخضراء هي الشعب البطل، فيما الجذور هم المثقّفون الذين يقبضون على الجمر.

أحمد أبو مطر: للمثقف دور في الثورات
كاتب وأكاديمي

أعتقد أنّ هذه الثورات التي تجتاح الأقطار العربية، بعد سكوت واستكانة طالت أكثر من نصف قرن، لم تأت من فراغ، بل هي نتيجة تراكمات الطغيان والاستبداد الذي مارسه الطغاة العرب، وقد أدت عوامل كثيرة لهذه الهبة الشعبية، من هذه العوامل الأسلوب النقدي الذي مارسه ويمارسه المثقفون العرب سواء في أقطارهم أو من الخارج، وتحديدا دور هؤلاء المثقفين في الفضائيات العربية المنتشرة، لأنها أكثر تأثيرا في أوساط نسبة أمية تصل لحدود تزيد عن خمسين في المائة في متوسطها في الأقطار العربية.وكي لا نظلم المثقف العربي الذي يعيش نفس استبداد الأنظمة وطغيانها، أعتقد أنّ كل مثقف حسب سلامته الشخصية ليستمر في أداء دوره، لو قام بتنحية نظام أو نظامين من نقده، فالنتيجة أنّ كل الأنظمة ستكون في مرمى نيران المثقفين. وفي الوقت ذاته، المطلوب المزيد من التركيز على فضح هذه الأنظمة، لأنّ اللحظة التاريخية وتعاطف العالم الحرّ، لن يسمح باستنساخ ديكتاتور خلف ديكتاتور. مهما كانت الاختلافات في التقييم، فللمثقف دور في هذه الثورات، وسيكون دوره أكثر فاعلية في ظلّ أنظمة ديمقراطية ستقوم على خراب وسقوط الطغات.


فرانسوا باسيلي: الكاتب يمنح الارضية الفكرية للثورة
كاتب و شاعر
من يعتقد أن الكلمة لم يكن لها دور في الثورة العربية الحالية لم يقرأ المشهد جيداً، فلا يوجد فعل لم تدفع إليه فكرة، حتي جسد الانسان لا يتحرك طرف منه إلا إذا بدأ العقل بفكرة الرغبة في الحركة، وعلينا أن نستمع إلي الشباب الذي أشعل ثورة مصر، إذ قال آحدهم في لقاء تلفزيوني أن الحركات المعارضة السابقة مثل كفاية والكتابات النارية لعبد الحليم قنديل وإبراهيم عيسي وغيرهم علي مدي السنوات السابقة كانت بمثابة حرب الإستنزاف الفكرية ضد النظام التي راحت تأكل من رهبته وتعري ساتره الترابي مما مكن الثوار في النهاية من الخروج في يوم العبور لإشعال الثورة. الثوار الذين استمعنا اليهم في ميدان التحرير والقنوات هم شباب مثقف علي درجه عالية من الوعي الفكري والسياسي، وهذا جاءهم من القراءة المتابعة، والفيسبوك يجعل إرسال المقالات إلي الآخرين سهلا وسريعا كما يجعل تجمع الآلاف حول فكرة أو هدف أمرا سهلا. والكاتب الذي يستطيع الاقناع والتحريض يؤثر ويحرك ويمنح الثوار الأرضية الفكرية التي ينطلقون إلي ثورتهم من عليها، كتاب الثورة هم الذين أشهروا كلماتهم وأعمالهم الابداعية سيفا قاطعاً ساطعاً في مواجهة السلطان ونظامه علي مدي السنوات السابقة في جسارة تبدوا للآخرين تهوراً، هؤلاء هم جنرالات حرب الإستنزاف الذين لهم شرف هدم حائط بارليف الخوف مما يعري سوءات النظام أمام الجميع ويفضح سقطاته وفساده مما يدفع للثورة عليه. الكلمة ستظل هي المحرض الأساسي للثورة سواء كتبت في منشورات توزع سرا كما في الماضي أم علي صفحات الفيسبوك اليوم.
[email protected]