دُعي مخرج أميركي - إيراني للمشاركة بفيلم وثائقي في بينالي الشارقة السينمائي 2011 الحالي. لكن الغضب إزاء مساهمته تعدّى لجنة المهرجان ليلتف برداء سياسي يلقي الضوء على مدى تقبل المجتمعات المحافظة لفنون لا تعترف بالخطوط الحمراء.

صلاح أحمد: ربما كان على القائمين على شؤون مهرجان الشارقة السينمائي البينالي الحالي التفكير مرتين قبل دعوتهم المخرج الأميركي - الإيراني كافح زاهدي للمشاركة. ذلك أن تاريخ هذا المخرج وحده كفيل بالتعارض مع العديد من قيم المجتمعات المحافظة.
فأكثر أفلامه نجاحا حتى الآن هو شبه الوثائقي laquo;أنا مدمن للجنسraquo;، بينما كان سابقه ثمرة لمتابعة الكاميرا له وهو يجرب شتى أنواع laquo;الفطر السحريraquo; أو laquo;فطر الهلوسةraquo;. ومع ذلك فقد دُعي زاهدي - الذي تصفه laquo;لوس أنجليس تايمزraquo; بأنه laquo;خليط من المخرج والممثل الكوميدي وودي ألان والمخرج الوثائقي مايكل مورraquo; - للمشاركة في مهرجان الشارقة، مع مخرجين آخرين لتقديم أفلام قصيرة لعرضها في هذا مهرجان العام الحالي.

شروط مخفيّة
كانت الشروط الوحيدة التي طرحها القائمون على شؤون المهرجان على اولئك المخرجين هي ألا يزيد طول الفيلم عن 20 دقيقة، وألا تتعدى ميزانيته 15 ألف دولار توفرها laquo;مؤسسة الشارقة للفنونraquo; وهي الجهة التي تقف وراء البينالي منذ إطلاقه للمرة الأولى في 1993.
لكن زاهدي (50 عاما) يقول أنه نُصح، لدى اتصاله بمسؤولي المؤسسة، بالالتزام بثلاثة شروط أخرى إذا رغب في عرض فيلمه: الأول ألا يحتوي على العري الذي يبيّن العورات. والثاني ألا ينتقص من قدر النبي محمد. والثالث، ألا يسيئ الى الشيخ سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة.
ويقول زاهدي، الذي نشأ في لوس انجليس ويحاضر حاليا في laquo;نيو سكولraquo; بمانهاتن، نيويورك، إنه لم يعترض على الشرطين الأول والثاني. لكن الثالث، على حد قوله laquo; أزعجني نوعا ما.. وإلى درجة أتت مني بردة فعل خارج نطاق المتوقع من شخص مثلي، وهي أن هذا التحدي في حد ذاته يستلزم مني الموافقة على المشاركةraquo;.

خطاب سينمائي إلى الحاكم
توجه زاهدي الى الشارقة خلال الشتاء الماضي مصطحبا زوجته وطفلهما إضافة الى طاقم إنتاج سينمائي صغير. وكانت الفكرة هي ان يوثق أحداث زيارته هذه وأسبابها بدون ان يكون له تصور مسبّق عما يبحث عنه. وكانت النتيجة هي فيلم وثائقي مدته ساعة يتجاهل مرارا وتكرار الالتزام بالشرط الثالث المتعلق بالحاكم.
ويقول زاهدي: laquo;الفيلم لا يوقّر أحدا.. لكن هذا هو نوع الأفلام التي أخرجها.. لا توقير لشيء أو شخص، لأنني ضد المبدأ نفسه.. لا شيء فوق النقدraquo;. ويمضي قائلا: laquo;اعتقد أن الناس يعتقدون أنني أفهم خطوط الشرق الأوسط الحمراء العديدة فقط لأن أبويّ إيرانيان. ما لا يدركه هؤلاء هو أنني أميركيraquo;. بل يضيف أنه لم يسمع بالشارقة مطلقا قبل اتصال مؤسسة الفنون به لدعوته الى المشاركة في المهرجان.
وإدراكا منه الى أن الفيلم بصورته تلك لن يجد اي فرصة للعرض، قرر أن يخضعه لعملية مونتاج laquo;متهورraquo; على حد قوله. فصار الفيلم عبارة عن خطاب مفتوح الى الشيخ سلطان القاسمي يرجوه فيها أن يسمح بعرض الفيلم في هيئته الأصلية بعيدا عن مقص الرقيب.. لكن هذا الجهد انتهى، كما هو متوقع، الى حظر عرض الفيلم بقرار غاضب من لجنة المهرجان.

غضب الإماراتيين

يخوض زاهدي الآن معركة ضد laquo;مؤسسة الشارقة للفنونraquo; حول مصير الفيلم، الذي سمّاه laquo;موضوع للبيناليraquo;، وما إن كان سيعرض في أي مكان آخر. فالشهر الماضي أرسل له محامو المؤسسة خطابا يطالبونه فيه بأن يدمّر أي مشاهد في فيلمه المحظور تتصل سواء بالشارقة أو مؤسسة الفنون، وعلى الخصوص تلك التي تأتي بذكر لحاكم الامارة.. بعبارة أخرى، أن يدمّر الفيلم بأكمله - وأن يمتنع عن عرضه بصورته تلك في أي مكان وإلى الأبد.
ويذكر أن من المشاهد التي أغضبت الاماراتيين بشكل خاص رقصة على طريقة laquo;بوليوودraquo; تؤديها مجموعة من أطفال الآسيويين في أحد الميادين العامة ويأتون فيها بحركات تشبه الصلاة الإسلامية على وقع أنغام الموسيقى الهندية. وقد أُرسل اليه خطاب في هذا الخصوص ينبهه الى أن مشهدا كهذا غير وارد بأي شكل من الأشكال لأنه مسبب للصدمة.

سبب الغضب الحقيقي
رغم أن زاهدي يدرك الآن أن ذلك المشهد يمكن ان يفسر باعتباره تجديفا تبعا للقوانين الاماراتية وكان له ان يرمي به في غياهب السجون على الأقل، فهو يقول إن هذا بحد ذاته ليس هو الدافع وراء تهديده بالمقاضاة في حال عرض الفيلم في اي مكان آخر.
ويضيف أن الدافع الحقيقي هو غضب الأسرة الحاكمة إزاء إشارات الفيلم العديدة الى قوانين العمل الاماراتية التي ظلت محل نقد دولي قال إنها تتجاهل حقوق العمالة الوافدة التي تشكل إحدى أكبر عمادات الاقتصاد، وخاصة الأيدي العاملة من الدول الآسيوية.

بنفضيل أيضا
يذكر أن بينالي الشارقة الحالي لم يخل من مشاكل كبيرة أخرى . فهناك المخرج الجزائري مصطفى بنفضيل الذي أدى عرض فيلمه عن الحرب الأهلية في بلاده الى إعفاء مدير مؤسسة الفنون، جاك بيرسيكيان، من منصبه بأثر فوري - بناء على أمر مباشر من القصر. وسبب الغضب هذه المرّة هو ان الفيلم يحتوي على ما قيل إنه إيحاءات جنسية واصحة، وعلى ذكر اسم الله في مواضع يجب ألا يذكر فيها.
ويذكر ان بيرسيكيان نفسه لم يشارك في اختيار هذا الفيلم. لكن من فعلوا دافعوا عن قرارهم بالقول إن اللغة المستخدمة لازمة للإشارة الى عمليات الاغتصاب الواسعة النطاق التي كان يقوم بها المتطرفون طوال سني الحرب.