د. حسين الانصاري: منذ ان غادر الانسان حياة العزلة والتوحش ودخل عالم الالفة والتقارب ادرك سر علاقته بالوجود وعرف كيف يقي نفسه اخطار الطبيعة وتعلم سبل العيش المتطور على مر العصور ودخل حياة المدنية التي ينعم اليوم تحت قوانينها التي وضعت لتنظم علاقته بالاخرين وتحمي حقه في العيش الامن كفرد فاعل في المجتمع الانساني
ومثلما ارتبطت الفنون التي انتجها الانسان بطبيعة حياته وطرق عيشه وهو يتلمس الخطوات الاولى نحو الحضارة وسط ظروف مختلفة، جعلته يبحث ويفكر من اجل حياة افضل بفعل القدرات الخيالية التي استطاع بواسطتها ان يعبر عن ادق تفاصيل حياته وتلبية لحاجاته الروحية والجسدية والجمالية.
هاهو الانسان المعاصر يشهد اكبر ثورة في العلم والتكنلوجيا والاتصال التي انعكست تأثيراتها على مجمل الحياة حيث ساهمت معطياتها في اعادة تشكيل الواقع من حيث القيم والافكار والسلوك، الامر الذي ادى الى حدوث متغيرات كبيرة في البنى الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والايديولوجية، لاسيما بعد انهيار حدود الزمان والمكان وتحقق حالة الاختراق بفعل وسائل الاتصال الحديثة والشبكات المعلوماتية الفائقة القدرة في التبادل والانتشار والسيطرة والتحكم فيما ينتج ويستهلك امام هذا المد الاتصالي والتفاعل الكوني تعاظم دور الفن لاسيما الخطاب المرئي ليصبح الاداة الاقدر على صياغة الابعاد الجديدة لعالمنا الحالي واضحت ثقافة الصورة هي المهيمنة في علاقتها بالمتلقي وتأثيرها في عقله وسلوكه ضمن هذا التوجه يأتي المعرض التشكيلي الجديد الذي حمل عنوان ابواب والذي تقيمه مؤسسة بيت الاحلام الثقافية في مدينة مالمو السويدية للفترة من 23 مايس ولغاية الاول من حزيران الجاري2011 يقدم هذا المعرض تجربة جديدة تستلهم من واقعنا ملامح باتت تشكل حضورا في فكر وسلوك ووعي الانسان حيث يراقب التحولات ويواكب مايحصل حوله من تطورات في بلدان العالم لينفعل ويتعايش مع هذه المتغيرات السياسية والاجتماعية.
ساهم في اقامة هذا المعرض مجموعة من الشباب من مدن مالمو، لاندسكرونا وهلسنبوري وقد توزعت مقتنياته على مكانين في المدينة حيث اختار القائمون عليه وهم مجموعة من الفنانين التشكيلين امكنة غير مألوفه للمشاهد وقد عملوا على توظيفها لان تكون بيتا احتضنت غرفه وممراته مختلف التجارب او قبوا داخليا استوعب الاعمال الفنية التي انجزت من قبل المساهمين وهم يحولون افكارهم وانفعالاتهم الى اعمال تختزن بالكثير من التعبيرات والاحاسيس والالوان والخامات المختلفة لتجسيد فكرة الانسان والقانون والواقع والطموح ان الشىء المثير في هذه التجربة هو توظيف عنصرا الصوت والضوء ليكونا محورا اساسيا في بنية الاعمال الفنية وبذلك يشعر المشاهد وكأنه في عرض سمعبصري دينامي وليس امام لوحات ذات ابعاد محددة، لقد منح المؤثر الصوتي هذه الاعمال نبضا حيويا واضافات تعبيرية حققت حالة من التفاعلية المباشرة بينها وبين المتلقي، من بين الاعمال التي تم عرضها والتي جاءت وفق المنحى التصميمي التركيبي هو عمل المطبخ الذي تبعثرت ادواته وانفتحت ابوابه وانسكبت القهوة فيه بل نرى الاشياء وقد تركت وكأنه مطبخ مهجور، يوحي العمل من خلال الشكل والصوت بسرعة ايقاع الزمن وعدم قدرة الانسان على اللحاق به مما يجعل اشياءه غير متكاملة، بل تصبح عرضة للخراب والاهمال
المادة الخام التي كانت بارزة في المعرض ايضا هي استخدام الدمى - المانيكان - والتي تمت معالجتها بأضافات او الرسم على بعض اجزاءها الى جانب استخدام الاكسسوارات او القماش وقد كانت التعبيرات واضحة الدلالة لاسيما في العمل الذي يشير الى الهتاف المكبوت او الصراخ العميق للرجل الثائر، قام الفنان بربط عيون الدمية و تكميم فاها ليوحي بممارسات السلطة ضد الجماهير التي تطالب بالحرية او الحقوق وهكذا استوعبت هذه الدمى قوانين الواقع وتحولت بفعل تلك اللمسات الى كائنات تنطق فكرا ومعنى ودلالة.
من بين المعروضات التي حاولت ان تجسد علاقة الانسان بالبيئة وكيف يرغب بأن يكون عالمه زاهيا وبهيجا حتى لو سكن اضيق الاماكن فقد اختار الفنان فكرة الاشجار وسط الحمام و داخل فوهة التواليت كما جعل السمك حيا في بانيو السباحة لكن يظل هذا العالم ناقصا وجامدا مالم يتفاعل فيه الانسان.
الغرفة التالية احتوت كتلة كبيرة من اغصان من الاشجار وقد تحولت اوراقها الخضراء الى اوراق كتب امتلئت بالكثير من الكتابات والاراء والاشعار والارقام والاشكال والالوان لتصبح متحفا هائلا من الافكار والتعبيرات التي لا حدود لها انه عمل مفتوح يوحي بالكثير.
الغرفة الاخرى من غرف البيت الفني تم تقسيمها الى نصفين وقد كان التباين الاقتصادي واضحا بين امرأتين تعيشان تحت سقف واحد الا ان لكل منها عالم خاص بها انه الغنى والفقر.
اما غرفة النوم التي اشتملت على سرير فارغ وكتابات وبعض الملابس يرافق ذلك صوت شخير لرجل ينام بعمق انها الراحة بعد جهد يوم متعب. وفي ناحية اخرى من البيت قام الفنان السويدي ايريك بتحويل الركام الى عمل ينطق بالجمال حين عمل ممرا وسط هذه المتروكات من البلاستك الشفاف الذي يؤدي الى نقطة ضوء نازلة من اعلى السقف ترافقها موسيقى هادئة
اما الجزء الثاني من المعرض والذي انتصب في مكان اخر من المدينة فقد تطلب الوصول اليه النزول عبر ممر سفلي والسير في دهليز طويل في محاولة لشد انتباه المشاهد وادخاله في اجواء المعرض ونشاهد هنا عملا جاء تحت عنوان الصندوق الاسود وهو مستلهم من الطقس المسرحي حيث نشاهد احد الاشخاص وقد وقف بوضعية معبرة امام جدار اسود، المعالجة التي قام بها الفنان هنا اقد جعلت للضوء اهمية في تشكيل هذا العمل، فالضوء يخرج من الكتلة الى الخارج وليس العكس وبذلك اصبح الضوء المستخدم الدليل لجذب المشاهد وقيادته الى البؤر المركزية في المعروضات
اما الجهة الثانية من المكان فقد احتوت على مجموعة اعمال فنية وقد رميت على طاولة سوداء يحيط بها جدران وثقوب تشع بالاضواء حين ينظر من خلالها تشاهد ثمة اشكال وشخوص يأتي هذا العمل ضمن الاعمال التي تتطلب التفاعلية والمشاركة من المشاهد لانتاج وتحقق الاثر الفني.
قدم المعرض تجربة فنية ساهم في انجازها مجموعة من الفنانين هم بيورن أيدن مصورا، يانس فريس هانسين لاختيار المؤثرات الصوتية والموسيقى، ايريك فيستمان، وجعفر طاعون للرسم والاشراف الفني ويوناس أكيسون في تصميم الاضاءة الى جانب الجمهور الذي كان الطرف الثاني في معادلة التلقي الجمالي.


مالمو - السويد