laquo;لحظة وفاة الدكتاتورraquo; هو الجزء الثاني من laquo;سيرتيraquo; التي حمل جزؤها الأول عنوان laquo;أبي البعثيraquo; (2005). سأقوم بنشر هذا الكتاب على حلقات قبل إصداره في كتاب، كي تتسنَّى قراءته لأكبر عدد ممكن من القراء. هنا حلقة أولى.

- عرفتو شو صار؟ عرفتو شو صار؟
- شو؟
- مات حافظ الأسد!
كنت أخاف أن أنتشي في تلك اللحظة، أن أفقدها، أن تُفلت من يدي. كنت أريد القبض عليها، ووضعها في قفص، والتملّي فيها، كأنها صيد. أردت امتصاص رحيقها، وضع الكلابشات في معصمَيها، واحتجازها في الحمَّام. أردتُ التخبيط على صدرها، وتقبيل قدمَيها. تحنيطها، بطحها على الأرض، واغتصابها. لحظة جنسية. لحظة قذف أريد لها أن تطول. أريد لها أن تسرق شعار بطلها: laquo;إلى الأبدraquo;. فقد مات صاحب الصورة على غلاف الدفتر المدرسي. مات العربي الأول، والمؤمن الأول، والجغرافي الأول، والرياضي الأول، والمعلِّم والقدوة والمثل والرمز... مات حافظ الأسد.
كان وجه أخي وهو ينطق الخبر بلا ملامح. كأنه فجوة في الهواء عبرت منها هذه العاصفة.
نهض أبي من مكانه، ركضت أختي وأقفلت البوّابة، وفور دخولها كانت أمّي قد أتت بالمفتاح وأقفلت الباب. صمت تام في الحيّ الذي نعيش فيه بمدينة الشدادي شماليّ سوريا. لا أحد في الطرقات. الجميع خائف وكأنهم هم من قتلوا الدكتاتور.
وعلى العكس مما خطَّطتُ له لهذه اللحظة، أُصبتُ بعجز تامّ عن الشماتة أو الفرح. وكأنها لحظة تأمّل شخصية. والأسوأ أصابني ما يُشبه الشعور بالذنب.
دخلتُ الحمّام (لا أعرف سبب غرابة تصرّفاتنا في لحظات كهذه) تنفَّستُ بعمق وبكيتُ. حمّام صغير بحجم الغرفة التي أجلس فيها الآن، العام 2008، في laquo;المفوّضية السامية لشؤون اللاجئينraquo; التابعة لهيئة الأمم المتحدة في شارع فردان ببيروت.

***

هي ذي الجلسة الثانية، بعد تقديمي طلب لجوء هرباً من حملة الاغتيالات في لبنان التي طاولت سياسيين وصحافيين وأصدقاء، وأنا للتوّ انتبهت إلى أن الموظفة تسألني الأسئلة نفسها التي سألوني إيّاها في الجلسة الأولى، مع بعض التغيير! إنها تريد اختبار صدقي.
شعرتُ بالارتباك في تلك اللحظة. شعرت أنه تحقيق. إنهم يُحققون في ألمي. يحققون في laquo;صحةraquo; هذا الألم. عُري. عُري. شعرت بألمي عارياً أمامهم كامرأة يريدون لها أن تُطأطئ رأسها.
للتوّ انتبهت إلى أنهم يمتحنونني. للتوّ انتبهت إلى أني أُسمِّع حياتي كما يُسمِّع تلميذٌ دروسه.
- اسمك؟
- ماهر جهاد شرف الدين.
- مواليدك؟
- 1977.
- اسم والدتك؟
- حياة أبو فخر.
- مهنتك؟
- صحافي.
- في أي صحيفة؟
- جريدة laquo;النهارraquo;؟
- متى غادرت سوريا آخر مرّة؟
- حزيران 2003.
أذكرُ هذا التاريخ لأنه مرتبط بقرار نشري أول مقال ينتقد النظام السوري، أو إحدى مؤسَّساته: اتحاد الكتّاب العرب في دمشق. كنت ما أزال أعيش مشرّداً أوزِّع نومي بين مقعد حديدي تحت جسر الكولا، ومكتبة بيت أحد الأصدقاء في مخيّم مار الياس، وورشة بناء مهجورة تقع في منطقة مرتفعات خلدة. وأحياناً إذا ما وُفِّقتُ بعمل لعشرة أيام متواصلة أستأجر سريراً في شقة طلاب. كان موسم شحّ في العمل وكلّما دخلتُ ورشة للسؤال عن عمل أتذكّر تلك اللقطة البريئة في حياتي، عندما حملت أول كيس إسمنت، ورميته بلا حَيْل. نظر معلّم البلاط إليَّ وقال مستغرباً: laquo;بشرفك، مَن حملَ الآخر: أنت أم الكيس؟raquo;.
أنا أم الكيس؟ لا أعرف. فقد كنت مرهقاً من الجوع لثلاثة أيام متواصلة، حتى تحوَّل ذلك الجوع إلى خَدَر في كل أنحاء جسمي. ثلاثة أيام على الماء والسكّر. وحين وافق المعلّم نبيل على تشغيلي معه في تبليط الطابق الأول في البناية التي أُقيم فيها ناطوراً مجانياً عوض زوج خالتي الذي ذهب في إجازة، فكَّرتُ بأن أطلب منه رغيف خبز أو أي شيء للأكل، لكني خجلتُ من ذلك، وحملتُ الكيس.
كان المعلّم نبيل مزوحاً دائمَ الضحك، لكن تصرّفاته تبعث على الريبة. وفي ما بعد فهمت أنه سكت عن أدائي السيء في العمل، فقط كي يسحب منّي معلوماتٍ عن المباني المجاورة حيث كنت أقيم هناك. سألني أسئلة غريبة، ثم أقنعني بأنه يريد مشاهدة التلفزيون، وأنا رغم حذاقتي صدَّقتُ ذلك ونزلت معه إلى الشقة الأرضية في البناية التي يتركها أهلها شتاءً. وفتح نبيل كل شيء إلا التلفزيون: الأدراج، الخزائن، الأبواب... وكنت أفتح معه وأفتّش لا على التعيين، لكن حركاته السينمائية وتلفتاته اللصوصية نبّهتني إلى هُويَّته، فطلبت منه الخروج حالاً.
في ما بعد سيتبيّن الآتي: المعلّم نبيل سجين سابق لمدّة خمسة عشر عاماً، بينها خمس سنوات في السجون السورية (وهذا هو الشيء الوحيد الذي كان قد أخبرني به)، مصاب بمرض الفصام، مدمن مخدّرات، مثليّ الجنس، ومصاب بالإيدز. هذا ما ذُكره تقرير laquo;دار الصليبraquo; للأمراض العقلية التي دخلها بعد أشهر، حيث أطلق الرصاص على أخيه وأصابه بشلل نصفيّ.
عندما عرفت ذلك من المعلّم صالح، فكّرت بأنه كان يمكن أن يكون الشلل النصفي من نصيبي لولا مشيئة الحظ. فقد كنت، بعد توطّد علاقتي به، على خلاف وخصام دائمَين معه. وذات مرّة حملتُ الرفش عليه. رحتُ أستعيد مع المعلّم صالح، وهو مقاول الورشة، أموراً غريبة حول هذا الرجل لم أزعج نفسي في البحث عن أسبابها من قبل، كإصراره الدائم على تشغيل صبي صغير لا يتجاوز الخامسة عشرة معنا، وكان هذا الصبي لا يعمل شيئاً! فقد كنت أنا من يُنخِّل الرمل ويجبل الجَبْلة وينقل الشيمنتو ويفرشه أمام المعلّم نبيل الذي يضع البلاطة ويطرقها بمطرقته طرقتَين ليستقيم الزيبق.
كان المعلّم نبيل يأخذ الصبي إلى مكان مجهول ويغيبان ساعة أو اثنتَين كل يوم، ثم يرجعان والمعلّم نبيل في غاية السعادة والانشراح. يجلس نبيل لصقاً بالصبي الذي علّمه التدخين حديثاً، ويُردِّد نكتته المعهودة: laquo;أحلى شي وقفة الصف: أنت قدّامي وماهر ورايraquo; ثم يضحك كالأبله.
كان المعلّم نبيل لا يأخذني على محمل الجدّ أبداً، وكان ذلك يُناسبني ويفيدني في عملي، حتى أتى يوم سألني فيه إذا ما كنتُ ألعب الشطرنج. laquo;قليلاًraquo; أجبته. قال: laquo;لا. ما بلاعب مبتدئينraquo;. ثم غيَّر رأيه عندما شعر بالضجر. ولعبنا.
وبأربع حركات مات ملكه. أصابه الذهول. وحين تكرَّرت هزيمته السريعة في الجولة الثانية أصابه الجنون. laquo;هذه خطة نابليون يا معلّم نبيل! ألم تسمع بها؟raquo; قلتُ له. فأجاب بغضب: laquo;يا حمار، عم قلك خمس سنين بسجن تدمر، كيف بدّك أعرف بخطة نابليون؟ أنا ما بعرف غير خطّة حافظ الأسد... هيك هيك وهيكraquo; وكانت قطع الشطرنج قد تطايرت في كل أرجاء الغرفة.
في تلك الليلة نزل نبيل وسهر مع زوج خالتي الذي كان قد عاد من إجازته، وسأله عني، فقال له زوج خالتي بأنني laquo;شاعر ومثقفraquo;.
دخل نبيل عليَّ، وقبل أن يجلس قال: laquo;اسمع، أنا ضميري مش مرتاح. أنت شخص متعلّم وحرام شغلك هالشغلraquo;. وأبلغني قراره إيقافي عن العمل!
بالطبع، هذه التفاصيل لم أذكرها لموظفة laquo;المفوضية العامة لشؤون اللاجئينraquo; عندما سألتني عن المهن التي عملت بها قبل امتهاني الصحافة. اكتفيتُ بتعداد تلك المهن: مساعد بلاّط، مساعد دهّان، مساعد نجّار، وأعمال حرّة في التنظيف والعتالة.
- لماذا اخترتَ لبنان؟
هذا سؤال عويص في حال كان مَن تُطلَب منه الإجابة سوريَّ الجنسية. لجأت إلى جواب كلاسيكي مفترضاً أن السؤال كلاسيكي أيضاً: laquo;لأن لبنان مكان للحرّية والصحافةraquo;. ثم تذكّرتُ laquo;أبي البعثيraquo;، كتابي الذي بسببه أنا هنا طالب لجوء، فتناولتُ الكتاب من الملف وفتحته على مقطع يتناول علاقة سوريا بلبنان، وطلبتُ منها أن تقرأه في وقت فراغها.
- هل قرأ أبوك الكتاب؟
- أعتقد أنهم قرأوا له جزءاً منه.
- مَن؟
- المخابرات. أظن بأنهم صوَّروا له الصفحات التي أتحدَّث فيها عنه وأقرؤوه إياها إمعاناً في إذلاله.
- من أخبرك بذلك؟
- فهمتُ هذا من كلام أمّي حين اتصلتُ بها منذ مدّة.
- وهل تكلّمتَ مع أبيك؟ أقصد هل رضيَ أن يتكلّم معك بعد الكتاب؟
- نعم، تكلّم معي بكل حب وتجاهل الموضوع.
- بماذا شعرتَ؟
- شعرتُ بأنني أنا البعثي وليس هو.
ضحكت الموظفة، لكنها سرعان ما انتبهت إلى أني لا أمزح وإلى أني منفعل جداً. وأربكها عدم وجود الكلينكس على الطاولة لتُعطيني منديلاً كي أمسح عَرَقي الذي حماني زخمُ سيلانه من إراقة دموعي.

***

في الجلسة الثالثة، كان الانتظار غريباً. ليس انتظار شخص، بل انتظار مستقبل. تصوَّر. أنت تجلس في قاعة منتظراً مصيرك. تنتظره وحيداً برفقة فتاة وحيدة أكثر منك. آه يا زينب كم نحن وحيدان في هذه اللحظة. لقد سمَّعتُ حياتي في الجلسة الفائتة كتلميذ صغير. خفتُ أن أخطئ في ما عشته. أن أخطئ في ليلة لم أنمها بسبب الجوع والبرد. وأخطأتُ حقاً في معلومات كثيرة. هل رأيتم أحداً أخطأ في معلومات حياته؟ أخطأ في يوم عاشه؟ كأني صرتُ شخصاً آخر. كأني حفظتُ حياتي ونسيتُها. كأني لم أعشها أبداً.
- أنت شو؟ يعني بالنسبة إلى الدين؟
كان صديقي الذي نصحني بالتقدُّم بطلب اللجوء قد نبَّه عليَّ ألا أقول إني laquo;مُلحدraquo;، بل أن أستبدلها بكلمة laquo;علمانيraquo;، فهذا يُطمئنهم أكثر.
لكني في هذه اللحظة قرّرت أن أجيب بـlaquo;ملحدraquo;. قرَّرتُ أن أؤكد وحدتي وسخطي على الله في هذا الزاروب البيروتي.
نصحتني الموظفة بنصيحة صديقي، وقالت: laquo;علماني أفضلraquo;. فقبلتُ وقلتُ لها: laquo;إذاً اكتبي: علماني غير مؤمنraquo;. ابتسمت. ظنّتني أمزح. هكذا في اللحظات التراجيدية في حياتي يظنني الآخر أمزح... حتى صرتُ مقتنعاً بأن ألمي غالباً ما يأخذ شكل المُهرِّج والبهلواني.
في إحدى مناسبات الاحتفال بـlaquo;الحركة التصحيحيةraquo; - وهي الاسم المُحرَّف لحركة الانقلاب التي قادها حافظ الأسد على زملائه في laquo;حزب البعثraquo; - كان عليَّ أن أقف مع رفاقي، خمس ساعات، على خشبة المسرح من أجل إنشاد بعض الأناشيد الحزبية الحماسية للشعب ولحبيب الشعب. كان لباس المراسيم مُربكاً بما فيه الكفاية لفتى خجول مثلي: دندشات وشراشيب حمراء تتدلَّى من على كتفيَّ، وبيريه حمراء يتوسّطها شعار حزب البعث، وعلى صدر بدلة الفتوّة الزيتية نيشان على شكل مجسَّم نحاسي صغير للقائد الرمز. كنت أقف رافعاً صوتي ويدي اليمنى، بين فتية ملأوا أذرعهم بأوشمة عن الحبيبات والسيّد الرئيس وأوليائهم الصالحين، مردِّداً هتافات جديدة علّمونا إياها منذ يومَين.
وفي غمرة هتافنا الحماسيّ على المسرح، فجأة، ومن دون أن أشعر إلا بوخز طفيف في يدي اليمنى التي كنت أحركها جيئة وذهاباً في الهواء، وجدتُ نفسي محاطاً بمدرِّبة الإنشاد وبأستاذ التربية العسكرية وهو يضربني على وجهي كي أصحو، لاعناً أهلي وسلالتي!
فبعدما أُغميَ عليَّ ووقعتُ في عزّ حماسة الإنشاد الحزبي على المسرح، قال رفاقي إني كدت أحوِّل الحفل إلى مسرحية، وإن رجال الأمن هبّوا لتسجيل أسماء كل من ضحك في تلك اللحظة، وإنهم قد يحققون معي. الحاصل أنهم لم يحققوا معي، لكن ذلك المنظر، الذي وصفه لي أصدقائي ضاحكين، ظلَّ يؤلمني إلى هذه اللحظة: ولد في السادسة عشرة من عمره يقف على المسرح فيُغمى عليه، ويقع بكامل لباس المراسيم، كاسراً الميكرفون المنصوب في طريقه. الميكرفون الذي بات عاجزاً عن التقاط أنفاس ولد في السادسة عشرة، منبطح على المسرح، وما زال يلهج باسم القائد والحزب، ولم تزل يده اليمنى تتحرك بانتظام مع الهتاف، مع فارق أنها راحت تدقّ الآن على خشبة المسرح.

***

اصطنعت الموظفة الانشغال في البحث عن ملف في جارور أسفل الطاولة، لتُعطيني فرصة كي أسيطر على انفعالي. وأنا بيني وبين نفسي تابعتُ الحكاية:
هذا كان عن الألم والضحك. لكن ماذا عن الرعب والضحك؟
ففي بلادي كلما صرنا أكثر رعباً صرنا مضحكين أكثر. وما دمنا في حديث المهرجانات أتذكَّر الآن ذلك العجوز الستيني الذي كان نائماً وقوفاً بجانبي في مهرجان خطابي، وحين نبَّهه زميله إلى أن عنصر المخابرات لاحظَ نومه، زعق هاتفاً باسم الرئيس، قاذفاً - من دون قصد - طقمَ أسنانه الاصطناعي في ياقة الرجل الواقف أمامه!
ولأننا لم نستطع كبت ضحكاتنا يومها، لم يكن أمامنا سوى أن نهتف ونهتف بكل ما أوتينا من قوَّة، لنُمرِّر شحنات ضحكنا المكبوت عبر الصراخ والهتاف مع تحريك قبضات الأيدي.
انتهت الموظفة من البحث في الجارور. وعلى عكس ما ظننتُ لم تكن تُمثِّل ذلك لإعطائي فرصة لالتقاط أنفاسي وأعصابي، لأنها أخرجت استمارة معلومات إضافية طلبت مني أن أساعدها في ملئها.
وبعدما انتهينا، دفعت الاستمارة إلى الأمام وقالت: laquo;وقِّع هنا رجاءًraquo;.
- بالدم؟ سألتُها ضاحكاً.
وضحكتْ معي دون أن تفهم قصدي.
بالطبع لا يُوقَّع بالدم. بل يُبصَم. وفي عسكريتي حين وقفنا في الطوابير كي نبصم بالدم على إعادة انتخاب الرئيس حافظ الأسد، قال مجنَّدٌ غرٌّ للضابط الذي يغرز الدبوس في الإبهام إنه جامعيّ، وإنه يريد أن يوقّع لا أن يبصم.
نظر الضابط إليه باستغراب قائلاً بغضب: وكيف بدّك توقّع بالدم؟
بالطبع لا يُوقَّع بالدم. كنا نفهم ذلك ببداهة الخائفين: الدم من اختصاص البصمات فحسب. لذلك كنا نهتف ونبصم، ولا نناقش كثيراً. الدم حبرنا الانتخابي. الـlaquo;نَعَمraquo; الملطخة بالدم، لم تستثنِ حتى الأمّيين. كانت الباصات تتوزَّع على مداخل الأحياء والشوارع لأخذ أمّهاتنا من مطابخهن ومكانسهن وغسّالاتهن. أمهاتنا المثاليات لفعل البصم بسبب أمّيتهن، لا ينسين إقفال قناني الغاز جيداً قبيل المغادرة، وفتح آذانهن جيداً للمسؤولة الحزبية وهي تقول: laquo;ابصموا عَ جهة اليمين هه. ما حدا يبصم عَ شمال الورقة. افترضوا الورقة فرن غاز بعينتين، وشعلوا عين اليمينraquo;. كانت أمّي تروي ذلك بفخر بعد عودتها، وتقول إنها أشعلت laquo;عين اليمينraquo;، وإنها لم تحتج أحداً كي يعلّمها: laquo;يا عيب الشوم، في نسوان ما بيعرفو يمينهن من شمالهنraquo;. كانت أمّي تعرف يمينها من شمالها، لذلك عندما خُيِّرت بين أن تبصم بالحبر أو بالدم، قالت للمسؤولة إنها مصابة بمرض السكَّري، وإنها تخاف منظر الدم، وإنها laquo;مَرَاraquo;. كانت النسوة هنَّ الوحيدات اللاتي خُيِّرن في ذلك اليوم، وربما اعتبرن ذلك laquo;لفتة كريمةraquo;، فشكرن الحزب والله والقائد.

عن quot;الغاوونquot; (العدد أربعون)