إعداد عبدالاله مجيد: في 15 نيسان/ابريل 1912 غرقت السفينة العملاقة تايتانيك في قعر المحيط الأطلسي وأسفر غرقها عن هلاك أكثر من 1500 شخص من اصل نحو 2228 شخصا كانوا على متنها. وأخذت السفينة معها الى قعر المحيط خمس آلات بيانو ضخمة و8000 شوكة ومثلها من الملاعق وسيارة ومقسم هواتف ذا 50 خطا و29 مرجلا ونسخة مرصعة بالجواهر من quot;رباعيات الخيامquot;.
وعلى امتداد 100 عام منذ ذلك التاريخ لم تتوقف الكتابة عن غرق تايتانيك حتى ان مؤرخا اميركيا قال ان أكثر المواضيع كتابة عنها في تاريخ الولايات المتحدة هي المسيح والحرب الأهلية وغرق تايتانيك. ويرى نقاد ان في هذا الرأي مبالغة ولكنه ليس بعيدا عن الصواب. وتكفي الاشارة الى ان المخرج الكندي جيمس كاميرون زار حطام تايتانيك في قاع اليم أكثر من 30 مرة. وامتدت الكتابة عن تايتانيك الى كل الأجناس الأدبية، بما في ذلك روايات الناجين وروايات ابنائهم وابناء ابنائهم كما في الكتاب الذي نشره احفاد مسافر لبناني بدأت رحلته المنكودة الى اميركا على ظهر جمل في الشرق الأوسط. وأُغرقت سوق النشر بالكتابات الشعرية عن تايتانيك حتى ان صحيفة التايمز البريطانية حذرت من ان كتابة قصيدة تستحق النشر عن تايتانيك تتطلب من صاحبها اكثر من ورقة وقلم واحساس قوي بهول الكارثة. وصدرت مئات من الكتابات التاريخية والدراسات الأكاديمية والسجالات النظرية والرويات. ومن المتوقع ان يُنشر في شهر الذكرى المئوية لغرق تايتانيك وحده نحو 36 كتابا.
ولكن الكتب ليست إلا الجزء العائم من جبل الجليد المغمور، كما يقال. ففي الفترة الواقعة بين 1912 و1913 نُشرت أكثر من 100 أُغنية عن تايتانيك. ولم يكد يمضي شهر على غرق تايتانيك حتى اخرجت هوليود فيلما عن الحادث بطولة دوروثي غبسون التي كانت من مسافري الدرجة الأولى على السفينة. وأصبح غرق تايتانيك شكلا فنيا راسخا مجاله قصة حب تدور احداثها في اجواء كارثة حقيقية. ودأبت هذه الموضوعة على الظهور المرة تلو الأخرى، لتبلغ ذروتها في فيلم جيمس كاميرون عام 1997 الذي اصبح في حينه أبهظ الافلام كلفة وأكثرها ايرادا في تاريخ السينما. وعُرض الفيلم مؤخرا بعد انفاق 18 مليون دولار على تحويله الى نسخة ثلاثية الأبعاد. يضاف الى ذلك عشرات المعالجات التلفزيونية. وهذا كله في العالم الناطق بالانكليزية فقط.
ويشير معين الافتتان الذي لا ينضب بمصير السفينة الى ان قصة تايتانيك تلامس عصبا أعمق بكثير من الاهتمام المعهود بالكوارث. وعلى سبيل المثال ان انفجار المنطاد هندنبرغ في عام 1937 وتفجير السفينة لوزيانا، التي كانت هي ايضا سفينة ركاب ضخمة على متنها كوكبة من الأثرياء والمشاهير، بطوربيد بعد ثلاثة اعوام على غرق تايتانيك، كانا كارثتين مروعتين ولكنهما لم يستقطبا ذلك الشغف المهووس بتايتانيك.
يرى البعض ان كارثة تايتانيك عبرة عن حدود التكنولوجيا ويذهب البعض الى انها قصة اخلاقية عن الفوارق الطبقية في المجتمع ويقول فريق آخر انها كانت نذيرا بالحرب العالمية الأولى فيما يعلن آخرون انها كانت ايذانا بانتهاء عصر البراءة. وينظر المؤرخون الى هذا الرأي على انه حنين الى عصر لن يعود وان الكارثة ليست حدا تاريخيا فاصلا بين حقبتين بقدر ما هي شاشة عرض عليها مجتمع القرن العشرين في سنواته الأولى هواجسه ومخاوفه بشأن العلاقات العرقية والطبقية والموقف من المرأة والمهاجر.
وتقول مجلة ذي نيويوركر الاسبوعية ان كل هذه الأحكام مشروعة بل وحتى استفزازية ولكنها ليست كافية. وإذا استحوذت تايتانيك على مخيلتنا بهذه القوة طيلة المئة عام الماضية فان السبب هو شيء أكبر من أي حقيقة من حقائق التاريخ الاجتماعي أو السياسي أو الثقافي. ولفهم السبب في اننا لا نستطيع ان ننسى تايتانيك علينا ان نبتعد عن الحقائق وندخل الملكوت الذي تنتمي اليه تايتانيك وقصتها، ذلك هو عالم الاساطير الذي لا يني يلوذ به الانسان.