إيلاف من عمان: تمثل رواية "عتمة" محطة مفصلية في تجربة الكاتب عادل الحمداني، حيث يعمد، بتجريبية بحتة، إلى المزج بين عدد من تقنيات الكتابة الروائية، جامعاً بين السرد والفلاش باك والحوار لينقل القارئ إلى مدار جديد من تجربة موشاة بالألوان الجميلة والموحية لقلم يتنقل بخفة ورشاقة بين الكتابة الإعلامية والروائية، ليبرع في كليهما.

يصور الحمداني في الفصل الأول من الرواية ما يدور في عقل "أميرة" في لقائها سعيد، فيكتب: "الخذلان يخلِّف في المرء شعوراً أنه منح ثقته لمن لا يستحقُّها، لمن حسب أنه أمانَهُ فصار نارَهُ التي تحرقه، لمن طلب الاستقرار معه فلقي منه هزائمه وخسائره، لذلك قيل: الخذلان الأكبر في حياة الإنسان يأتي في معظم الأحيان من الأشخاص الذين اختبرهم أكثر من غيرهم".

ويقول في الفصل نفسه على لسان سعيد: "تعلّمتُ أن مَن كنّا نراه سبب سعادتنا قد يكون ذات يوم سبب حزننا وهمومنا. لا أحد يستطيع أن يجعلنا سعداء طوال العمر، لا أحد قادر على تلبية حاجتنا المستمرة إلى السعادة دون حدود. لا بد أن يأتي وقت يتوقف فيه عن مَدنا بما نحتاج إليه وفي حالات أسوأ يسقينا المُر والهوان".

ويتابع في آخر الفصل الأول كذلك: "الحب عاد ليشعل النور في القلب من جديد. الخيبة تراقب من بعيد، تلوّح بيدها ونظرة ساخرة تملأ تقاسيمها. لا شيء يهزه بعنف كما يفعل هذا القلق الذي يسري في جسده. لا شيء يزعجه غير العتَمة التي يحملها الإنسان أينما ارتحل".

ويقول الحمداني في الفصل التاسع عن "ثريا": "فكّرت كيف سيكون ذلك المستقبل؟ نسخةً من ماضيها أم تجربةً مختلفة عنه؟ سعادةً أم حزناً؟ راحة أم شقاءً؟ صفحة جديدة أم صفحات تشبه ما تحاول تركه خلفها؟ الذكريات المُرّة التي ظلت تلاحقها بين الحين والآخر تركت أثراً لا تتصوَّر أنه سيزول بيُسر. فكَّرت لو أن الأمر بيدها لمحت الذكريات السيئة وأبقت على الأقل سوءاً من غيرها، لكنها تعرف جيداً أن المرء لا يمتلك القدرة على انتقاء ذكرياته، ولا يستطيع أن يَمحوَ بكبسة زر ما لا يُحب. كل ما يُمكن فعله أن يتجاوزها قدر استطاعته أو تعوُّد عدم التأثر بها".

ويقول قرب النهاية: "إذا أحب الرجل امرأة سقطت من عينيه باقي النساء حتى تسقط تلك المرأة أو تعتلي امرأة أخرى قلبه فلا يعود للسابقة مكان فيه". قال سعيد دون أن يتيقَّن من أين جاء بذلك، ثم أضاف: "هذا الأمر لا يختلف لدى المرأة لكن الفرق أن المرأة تخبِّئ الرجل الذي تحب حين تُجبَر على عدم الارتباط به. الرجل لا يجد ضيراً في البوح بحبه لتلك المرأة، ولو لم يرتبط بها لكن المرأة تخشى الكشف عن حبها وهوية حبيبها".

صدرت الرواية حديثاً عن "الآن ناشرون وموزعون" في الأردن، في 240 صفحة من القطع المتوسط، وتتألف من عشرين فصلاً. ومن الجدير ذكره أن الحمداني كاتب وإعلاميٌّ من سلطنة عُمان. عمل في مجال إعداد البرامج الإخباريّة والحواريّة الإذاعيّة والتلفزيونيّة لأكثر من أربعة وعشرين عامًا، نشر مجموعة من مقالاته وقصصه القصيرة في الصحافة، صدرت له رواية بعنوان "غرفة محكمة الإغلاق" 2020، ورواية "أميرة بنت تونس" 2022.