إيلاف من فيينا: رواية "بخور الغريبة" للروائي إياد حسن، تجسّد، كما أشارت القاصة نور كيالي، التي قدمت للرواية بحضور جمهور غفير، المحن والأهوال التي سبق أن مرّت بها البلاد، وما نشأ وعاش فيها. وقد تتقاطع الكثير من الأحداث مع القارئ صارخاً "يا إلهي!".

وقالت: "مررت بهذه اللحظة، وهذا ما حدث معي. واستطاع الكاتب جعل أحداث الرواية وبطلتها تخاطب القرّاء بصورة مباشرة... تشعر وكأنك تشاهد عرضاَ مسرحياَ، أو ربما فيلماَ سينمائياً على شاشة كبيرة".

ويسلط الكاتب في الرواية الضوء بخفة وبتراتبية مدهشة، على مراحل وأحداث مرت بها بهجة بطلة الرواية، وتأخذك من مكان إلى مكان في صور بديعة تصف لك المدن والقرى والفصول والطرقات في الغرب والجنوب والشمال؛ تصف تفاصيل العادات والتقاليد، الأغاني والتاريخ.

روائح العرق والبارود
وأضافت: "في لحظات تستطيع بحق أن تشتمّ روائح الحقول والحصاد، العرق والبارود، الحب والحزن والبغضاء، والموت... تشهق تارة وتبتسم تارة أخرى، وتشعر بالخطر والخوف الذي ينساب بين السطور وتتعجب للأساطير التي تتحكم بالعقول".

هذه المرونة في اختزال الكثير، سكبها الكاتب دفعة واحدة في القلب؛ وكيف لا والبطلة أنثى! لكنها، وكما تصفها كيالي، بشخصيات متعددة؛ الابنة والأخت والأم والزوجة وربّ الأسرة أيضاً، والمخلص... والغريبة في وطنها وفي المهجر... وقد دمجها بإبداع وتفاصيل تدهش القارئ، فكيف للرجل أن يحكي صغائر المشاعر وخوالج النفس وأن يصفها بهذه الدقة على لسان الأنثى؟ ووصف الكاتب بدقّة كل تلك المشاعر الخاصة بالمرأة بحرفية عالية؟

وسبق للكاتب أن قدم روايته إلى كل من خذلتهم الحياة وأنصفتهم الرواية، هل حقاً بأن الروايات تستطيع إنصاف أبطالها؟

مصائر مجهولة
تقول بطلة الرواية بهجة العمر: "كنت أظن أنه عندما تموت أمك فإن كل حزن الأرض لن يؤثر فيك، لكني أدركت أن الحزن الأكبر هو أن تلفظك أمك الأرض وتقذف بك في الهواء لتصير بلا وزن تعبث بك رياح مصائر مجهولة".


جانب من الحضور

كما أشارت الناقدة بسمة الصواف إلى أن "بخور الغريبة" تحمل "الهمّ الإنساني الممتد عبر التاريخ. رواية موضوعية انتصر فيها الكاتب للوطن، ولجرح المرأة وما عانته من ذلّ وعذاب وقهر لفكر لا يشبه المكان ولا الزمان. رواية تعتمد على كثافة الدلالة، والبعد النفسي والفكري. إنَّها رواية تكشف تناقضات الصراع والمتغيرات الاجتماعية والسياسية والفكرية، وهي رواية تخاطب الذات الإنسان وتنتصر له ولكرامته، والتحام الذاكرة بالمكان والتاريخ". وأضافت: "هي جزء من بنية الكاتب السيكولوجية والمعرفية وتجربته وخياله، وجانب أصيل من هويته"، بلغة عذبة، عميقة في دلالاتها، شاعرية أحياناً، ومبهرة في التشبيهات والصور البلاغية، وعرض الأحداث باستخدام التداعي الحر.