لم يتوقع أحد أن يستحوذ موضوع تخفيض جمارك السيارات الأوروبية على هذا الحجم من الجدل ويفتح المجال لكم كبير من التساؤلات، بعدما ألقى بظلاله على سوق السيارات، وأصبح حديثها الدائم. والجانب الأكبر من تساؤلات الشارع المصري كانت تلك المتعلقة بمدى انعكاس هذه التخفيضات على أسعار قطع غيار السيارات، وموقف السيارات الآسيوية والأميركية منها.. كل هذه التساؤلات وأكثر تناقشه quot;إيلافquot; مع الأطراف المعنية.

حسام المهدي من القاهرة: في هذا الإطار، يشير مدير المكتب الفني لرئيس مصلحة الجمارك مجدي عبد العزيز إلى أن تخفيض جمارك السيارات الأوروبية بواقع 10% يأتي في إطار تنفيذ اتفاقية الشراكة المصرية ndash; الأوروبية، التي بدأ تطبيقها على السلع كافة في عام 2004، وتعد السيارات هي آخر المحطات في هذه الاتفاقية، موضحاً أن الضريبة السارية حالياً تقدر بـ 40% على السيارات الأقل من 1600 سي سي، و135 % بالنسبة إلى السعات اللترية الأكثر من ذلك، وبموجب التزام مصر بتطبيق اتفاقية الشراكة فسوف يتم تخفيض هذه الرسوم، بمعدل 10% سنوياً من فئة التعريفة الجمركية المقررة حالياً، حتى يتم إلغاؤها نهائياً بحلول يناير (كانون الثاني) 2019.

وأكد عبد العزيز أنه لا مساس بضريبة المبيعات المقررة على السيارات كافة، بما في ذلك المستوردة من أوروبا، وهذه الضريبة تقدر بـ 15% على السيارات التي تقل سعتها اللترية عن 1600 سي سي، و 30% للفئات التي تتراوح سعاتها بين 1600 و2000 سي سي. أما الفئات الأعلى فإن ضريبة المبيعات المقررة عليها تصل إلى 45%، علماً أن هذه الضريبة تْحصل على سعر الاستيراد مضافاً إليه قيمة التعريفة الجمركية ورسم التنمية الذي يتراوح بين 2% إلى 8% على حسب السعة اللترية، موضحاً أن إجمالي الرسوم المستحقة على السيارة 1600 سي سي تقدر بنحو 70% من قيمة سعر الاستيراد، و260% بالنسبة إلى الفئات الأعلى، ويمكن القول إنه مع بدء سريان الاتفاقية سوف تشهد أسعار السيارات الأوروبية انخفاضاً ملحوظاً في السوق المصرية.

الدكتور عبد المنعم سعودي رئيس إتحاد الصناعات السابق، وأحد منتجي السيارات، من جهته، يشدد على أن أحداً من المصنعين أو التجار لا يملك حق الاعتراض على هذه التخفيضات، خاصة في ظل وجود اتفاقية بين الحكومة المصرية ودول الإتحاد الأوروبي، تقضي بتخفيض الرسوم بواقع 10% سنوياً، حتى تصل إلى صفر مع بداية أول عام 2019. وأمل أن يؤدي هذا التخفيض إلى زيادة الطلب وإنعاش حركة السوق التي تأثرت بشدة خلال العام الماضي، مشيراً إلى أن نسبة الـ10 % التي تم تخفيضها بداية من يناير (كانون الثاني) الجاري لن تؤثر كثيراً في حركة السوق، لأن تغيرات العملات الرئيسة - الدولار واليورو مقابل الجنيه المصري -قد تأكل أثر هذه التخفيضات على السوق المحلية، مؤكداً أن أثر تطبيق اتفاقية الشراكة مع دول الإتحاد الأوروبي يظهر بوضوح بعد السنة الخامسة، عندما تصل نسبة التخفيضات إلى 50%.

واعتبر أن تفعيل الاتفاقية يعد بداية طيبة لتنشيط حركة السوق التي شهدت ركوداً بسبب تداعيات الأزمة المالية العالمية، نافياً اتجاه الدول الآسيوية لتخفيض أسعار سياراتها لمنافسة السيارات الأوروبية في السوق المصرية، ومتوقعاً حدوث العكس، حيث من المنتظر أن يسعى مصنعو السيارات في دول جنوب شرق آسيا إلى زيادة الأسعار لتعويض جانب من الخسائر التي تعرضوا لها جراء quot;مفرمةquot; الأزمة المالية العالمية على حد تعبيره. وأرجع quot;سعوديquot; انكماش حركة تجارة السيارات في السوق المصرية خلال الفترة الماضية إلى تداعيات الأزمة العالمية على حركة التجارة في دول العالم كافة، بما في ذلك مصر.

المستعمل خارج نطاق التخفيضات
من جانبه، نفى دسوقي سيد دسوقي رئيس شعبة قطع غيار السيارات في إتحاد الغرف التجارية وجود أي أثار لتخفيض جمارك السيارات على أسعار قطع الغيار، موضحاً أن التخفيضات تنسحب على السيارات الجديدة، وليس المستعملة، ومن ثم فإن الإقبال على شراء قطع الغيار يحتاج فترة قد تصل لخمس سنوات، حتى تكون هناك حاجة لاستبدال جزء من السيارة بآخر جديد.
وأضاف أن أسعار قطع الغيار قد تتأثر، في حالة فتح باب استيراد السيارات المستعملة في الخارج، وهذا غير مسموح به إلا لفئات محددة من الجمهور، وهم المعاقون، علماً أن هذه النوعية من السيارات لن تنسحب عليها التخفيضات الجديدة.

وتساءل دسوقي عن موقف قطع غيار السيارات الأوروبية من التخفيضات الجمركية المفروضة عليها، مطالباً بأن تدخل ضمن بنود اتفاقية الشراكة مع دول الإتحاد الأوروبي، لأنه quot;ليس من المعقول- على حد تعبيره- أن يشتري المستهلك سيارة جديدة ويفاجأ بأن قطع غيارها غير متوافرة أو تباع أسعار مرتفعةquot;، مؤكداً أننا في هذه الحالة سنجد عزوفاً عن شراء السيارات الأوروبية، وعندها تصبح الاتفاقية بلا أثر ملموس على السوق. ولخص دسوقي المشكلات التي يعانيها تجار قطع الغيار في إغراق الأسواق بمنتجات غير معلومة المصدر، ولا تنطبق عليها الموصفات القياسية المصرية، وهو الأمر الذي يعرض أرواح أصحاب السيارات لمخاطر عديدة، ناهيك عن الخسائر المالية التي يتحملونها، بسبب سرعة تلف قطع الغيار المقلدة.

ولفت إلى أنه quot;إذا كان تجار قطع السيارات يعانون إغراق الأسواق بقطع الغيار المطلوبة، فإننا في الوقت عينه نطالب بتوحيد الجهات الرقابية، وليس إلغاءها، لأن كثرة الحملات التي تقوم بها أكثر من جهة تسيء إلى سمعة التجار الشرفاء، خاصة وأن بعض هذه الجهات تتعامل مع التجار وكأنهم يتاجرون في المخدرات.

قطع الغيار بالكيلو
في السياق نفسه، يقول شلبي غالب وكيل شعبة قطع غيار السيارات إن تخفيض جمارك السيارات بشكل عام ينعكس بالسلب على تجار قطع الغيار، حيث سيتجه المواطنون إلى استبدال سياراتهم القديمة بأخرى جديدة، وهو ما يعني ضعف الإقبال على شراء قطع الغيار لفترة سبع سنوات على الأقل، ويزداد الأمر صعوبة على التجار في ظل اتجاه الحكومة لتفعيل مشروع الإحلال الذي بدأ بالتاكسيات القديمة، وفي طريقه الآن ليشمل السيارات quot;الملاكيquot;(الخاصة) أيضاً.

وأضاف أنه على الرغم من أهمية هذا المشروع إلا أنه تسبب في تكبيد بعض أصحب محال قطع الغيار خسائر فادحة، حيث اضطروا إلى بيع قطع غيار quot;الموديلاتquot; القديمة لتجار الخردة بالكيلو، والذين قاموا بدورهم بصهرها لإعادة تصنيعها من جديد.
وذكر أن الفترة الماضية شهدت حالة من الركود في سوق قطع الغيار، بسبب انتظار المواطنين للتخفيضات الجمركية الجديدة، على أمل استبدال سياراتهم القديمة بأخرى حديثة، وقد أدى هذا الأمر إلى انخفاض أسعار السيارات المستعملة، بسبب اتجاه الغالبية العظمى من المواطنين للبيع.

التزام لا رجعة فيه
من جانبه، نفي أحمد فرج سعودي رئيس مصلحة الجمارك تلقيه أية دراسات أو التماسات من منظمات الأعمال لإعادة النظر في التخفيضات الجمركية على السيارات الأوروبية، مرجعاً ذلك إلى أن الحكومة المصرية ملتزمة بتطبيق بنود الاتفاقية كافة، ولا يمكنها التراخي في تنفيذ الجدول الزمني لهذه التخفيضات، حتى لا تتخذ الدول الأوروبية موقفاً متشدداً ضد الصادرات المصرية الموجهة إلى أسواقها، مشدداً على أن التزام الجانب المصري بتنفيذ ملحق تخفيض جمارك السيارات أمر لا رجعة فيه تحت أي ظرف من الظروف.

وقال سعودي إن بعض التجار والمصنعين والمستوردين طالبوا بتخفيض الجمارك على السيارات الأميركية والآسيوية، بدعوى إحداث نوع من التوازن وعدم سيطرة المنتج الأوروبي على السوق المصرية، إلا أن هذه المطالب لم نلفت إليها، من منطلق أن العلاقات التجارية بين مصر والدول الآسيوية والولايات المتحدة الأميركية تحكمها بنود منظمة التجارة العالمية، إلى جانب أن هناك منطقة تجارة حرة بين مصر والإتحاد الأوروبي، ولا تجد منتجاتنا أية عوائق جمركية عند دخولها أسواق الاتحاد، والأهم من ذلك أن الجولة الأخيرة لوزراء منظمة التجارة العالمية فشلت في التوصل إلى اتفاقات محددة بشأن معادلة التخفيضات الجمركية.

عرض وطلب
وأكد سعودي أن تخفيض جمارك السيارات الأوروبية لن يؤثر في السوق خلال السنوات الأربع المقبلة على الأقل، وذلك لأن الجمارك سوف تنخفض بواقع 10% سنوياً، فضلاً عن أن السيارات الأوروبية لا تشغل حيزاً كبيراً من حجم السوق المصرية، نظراً إلى ارتفاع أسعارها مقارنة بنظيرتها الآسيوية، وفي الأول والآخر، فإن السوق المحلية تحكمها سياسات العرض والطلب ومن حق المواطن المصري أن يحصل على سلعة جيدة بسعر منخفض، وإذا كان المنتجون والتجار يخشون المنافسة مع المنتج الأوروبي، فعليهم أن يخفضوا في أسعارهم، ويقللوا من هامش ألأرباح المغالى فيها، لأن القضية لا يمكن حصرها في التخفيضات الجمركية.

وعن اتجاه بعض دول الإتحاد الأوروبي لطرح سيارات ذات مواصفات أقل في السوق المصرية، أوضح سعودي أن الشراكة المصرية الأوروبية يحكمها اتفاق المنشأ quot;الأورو متوسطيquot;، والذي يتضمن قواعد تفصيلية بشأن نوعية ومواصفات المنتجات التي تدخل أسواق الجانبين، ومن ثم فإن التخوف من دخول سلع أو منتجات غير مطابقة للمواصفات غير مطروح على الإطلاق، فضلاً عن الشركات نفسها لن تسمح بالمغامرة بسمعتها، لمجرد حسم المنافسة لمصلحتها، وإن كان خفض الأسعار أمر مطلوب لتلبية احتياجات المستهلك المصري.

وفي ما يتعلق بموقف قطع غيار السيارات الأوروبية من تخفيضات الشراكة أشار سعودي إلى أنه بموجب التعريفة 39 لسنة 2007، تم تخفيض الجمارك على السلع كافة، بما في ذلك قطع غيار السيارات، التي تتراوح الرسوم المفروضة عليها بين 2% إلى 7%، ومع ذلك فإن التخفيضات الجديدة سوف تسري عليها أيضاً، وبحلول عام 2019، ستكون معفاة تماماً من أية رسوم جمركية.

وفي نهاية تعليقه، يطالب رئيس مصلحة الجمارك أن ينظر المنتجون والمستوردون بعين الاعتبار للمواطن المصري، الذي تحرمه المغالاة في الأسعار والأرباح، من ركوب سيارة رخيصة، مؤكداً أن التخفيضات الجمركية والمنافسة الحرة لن تسمح بأية تلاعبات أو احتكارات على حساب المواطن البسيط، خاصة وأن التجربة الفعلية أثبتت أن الحماية تضر بالصناعة والسوق على حد سواء.