يشدّد أربعة خبراء من الجزائر وفرنسا في كتاب صدر حديثا على أنّ الاقتصاد الزراعي في منطقة المغرب العربي يظلّ تفعيل أفقه مرهونا بالاستغلال العقلاني للرافد الهائل من المياه الجوفية التي يربو مخزونها عن الستين ألف مليار متر مكعب، وهو ما تتطرق إليه quot;إيلافquot; من خلال استقراء الكتاب/الدراسة الذي استغرق خمس سنوات من البحث الميداني.


الجزائر: إذا كان الكتاب المعنون quot;المتيجة بعد مرور 20 عاماquot; والصادر عن دار النشر الجزائرية quot;ألفاquot;، يسلّط الضوء بشكل كبير على واقع الزراعة في سهل المتيجة الشهير في الجزائر، فإنّه يتناول جانبا غاية في الأهمية ويتصل رأسا بالبرنامج الجهوي quot;سيرماquot; حول الأنظمة المسقية بالمنطقة المغاربية الذي انطلق في أغسطس/آب 2004 بالجزائر والمغرب وتونس. ويحيل quot;عمار ايماشquot;، quot;طارق حرتانيquot;، quot;سامي بوعرفةquot; وquot;مارسيل كيبارquot;، إلى أهمية استثمار كل من الجزائر، تونس وليبيا في ثروتها المائية المشتركة على مستوى الصحراء الشمالية، وهي مياه جوفية تتوزع عبر الشريط الحدودي للبلدان الثلاثة، وتمتد من مناطق ورقلة وبسكرة والوادي (أقصى جنوب الجزائر) إلى غاية غرب ليبيا مرورا بصحراء تونس.

ويذهب الخبراء إلى أنّ استغلال هذا الرصيد المائي الهائل سيقلب وجه الزراعة رأسا على عقب في المنطقة، وهو ما يؤكده الوزير الجزائري للموارد المائية quot;عبد المالك سلالquot; بقوله أنّ قيام الهيئة المشتركة الجزائرية التونسية الليبية بتسطير استراتيجية تمتد إلى آفاق العام 2016، خطوة ستكفل رفاهية مواطنيه وكذا سكان دول الجوار، خصوصا مع تأكيدات كوكبة من المختصين على أنّ الموارد المائية الباطنية في المنطقة المغاربية قد تكفي لقرون قادمة. ويتوقع المختصون أن تسدّ الجزائر حاجاتها من الماء بشكل جيد مطلع سنة 2025، وذاك يقتضي بحسبهم اعتماد سلطات هذا البلد نمطا مستحدثا في مجال استغلال المياه الجوفية.

إشكال الماء يربك المزارعين في سهل المتيجة

إلى ذلك، تطرّق كتاب quot;المتيجة بعد مرور 20 عاماquot;، إلى إشكالية الماء والسقي التي يعاني منها جمهور المزارعين في سهل المتيجة (يمتد على مساحة 1400 كلم مربع شمال الجزائر) والغني بأنواع من الحمضيات و أشجار منتجة كالكاليتوس وعسل السدرة والجزر البري وغيرها.

وركّز الخبراء الأربعة على أنّ الوضع حتّم على 90 بالمائة من أصحاب المستثمرات الزراعية اللجوء إلى المياه الجوفية، لذا أوصى هؤلاء الخبراء بالتسوية التدريجية للوضعية حتى يتم تثمين منتجات حيوية كالحمضيات والخضر والفواكه.وتعتبر زراعة الحبوب نشاطا ذو فوائد بالنسبة للمزراعين بسهل المتيجة، ويوضح الخبراء أنّ زراعة الحبوب التي لا تتطلب الكثير من المياه، تعد نشاطا جديرا بالاهتمام في بلاد تشكو من مردود محتشم على صعيد إنتاج الحبوب.

ويسجل الخبير quot;مراد حيونquot;، أنّ مضاعفة حجم الأراضي المسقية يستدعي توفير منسوب مائي لا يقل عن 8.9 مليار متر مكعب، الأمر الذي يفوق الكمية المتوفرة من المياه المتوقعة في إطار المخطط المحلي للماء، مما يستوجب اللجوء إلى الأنظمة المقتصدة للمياه.واستنادا إلى معايير ميدانية، فإنّ تطوير زراعة الحبوب في المساحات المسقية، يقتضي تعبئة ثمانمائة مليون متر مكعب لكل مائة ألف هكتار من البطاطس، مقابل خمسمائة مليون متر مكعب تخص كل 50 ألف هكتار من الأعلاف، و150 مليون متر مكعب لكل 50 ألف هكتار من أشجار الزيتون.

ويدعو خبراء الماء في الجزائر، إلى توخي تصور شامل لاستراتيجية جديدة تضمن إعادة هيكلة وتأهيل منظومة المياه الجزائرية، ويلحون بهذا الصدد على ترشيد استهلاك المياه، طالما إنّ 70% منها يذهب إلى القطاع الزراعي، وعليه تتعالى الأصوات مطالبة بتوظيف المياه المستعملة في سقي المساحات المزروعة.في المقابل، يسعى القائمون على تسيير الزراعة في الجزائر إلى تذليل إشكالية السقي الزراعي في البلاد من خلال خطة quot;اقتصاد المياهquot; التي تروم تغطية 1.2 مليون هكتار من الأراضي الجافة بحلول العام 2013.

ويرى الوزير الجزائري للزراعة والتنمية الريفية quot;رشيد بن عيسىquot;، أنّ مصالحه ستدعم اقتصاد المياه خلال السنة الحالية من أجل تحسين الإنتاجية على مستوى المستثمرات الزراعية ولدى المربين. ويشير بن عيسى إلى أنّ الرهان الأساس لدى قطاعه هذه السنة، سيرتكز على تقوية الديناميكية التي تولّدت منذ العام الأخير لدى جمهور المزارعين والمربّين وجعلها مستدامة، على نحو سيرفع من معدلات الإنتاج الزراعي في الجزائر.